نظّم معهد بروكينغز ندوةً حول الأزمة السوريّة، بمشاركة خبراء حول قضايا تتعلّق بسياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن، وتمّ التداول في نهايات الأزمة السوريّة واستشراف المستقبل. ورأى البروفيسور زياد ماجد، أستاذ مشارك في الجامعة الأمريكية في باريس، أنّ الحرب في سورية لم تنته، لكن حقبة منها صارت خلفنا، تلك التي كان معسكراها الرئيسان النظام وحلفاؤه والمعارضة المسلّحة غير الجهاديّة، على اختلافاتها وتناقضاتها، التي أضعفها الروس وعزلوها خلال عامين من تدخّلهم. وتابع أنّ الخريطة السورية المفتّتة اليوم، والاحتلالات الأجنبية، والأجندات السياسية المتنابذة قد تولّد مواجهات جديدة: في إدلب، حيث جبهة النصرة سابقًا هدف معلن لأكثر من طرف على غرار روسيا والولايات المتّحدة والعديد من القوى المحلّية؛ وفي الشمال والشمال الشرقي السوري، حيث التوتّر بين تركيا والقوى الكردية قد يتطوّر إلى صراع مسلّح؛ وفي الشرق، حيث التسابق على الهيمنة على مساحات واسعة من الأراضي بين النظام والميليشيات الشيعية الموالية لإيران، من جهة، والقوى الكردية.
من جهة ثانية، أوضح، قد يتحوّل إلى صدام عسكري مباشر، ومن الممكن أنْ تترافق، في العديد من المناطق في سورية، مع قيام مقاتلي تنظيم “داعش” المهزومين بتفجير سيارات مفخّخة وتنفيذ عمليات انتحارية، أوْ مواجهة قوات النظام، في محيط العديد من مناطق المعارضة المحاصرة، ما لم تُرفع حالات الحصار المفروض منذ سنوات، على حدّ تعبيره.
أمّا رولا جبريل، أستاذة في علوم الاتصالات في جامعة ميامي، فلفتت إلى أنّ العمليات العسكرية الرئيسيّة في سورية وصلت إلى نهايتها فعليًا، ما مهّد الطريق لنجاة نظام الأسد على المدى القريب، الذي بدا موقفه في مرحلة ما متقلقلاً. وتابعت: للمحافظة على سلطته، اعتمد النظام على مساعدة قوى أجنبية، بما فيها روسيا وإيران وحزب الله. لكن المنتصر الحقيقي في الحرب الأهلية السورية هو روسيا، والنجم الأبرز هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك بعد أنْ ساهم الجيش الروسي في ترجيح كفة الميزان لصالح الأسد.
وزعمت أنّ هذا يعني أيضًا أنّ سورية اليوم مملوكة فعليًا لروسيا، وسيكون بوتين الوسيط في أيّ ترتيباتٍ سياسية ذات صلة والضامن لها في الوقت نفسه. ومَنْ يعتقد أنّ المعارضة السوريّة يُمكن أنْ تُحقق من خلال محادثات جنيف شيئًا كانت عجزت عن تحقيقه عسكريًا على الأرض، يكون واهمًا.
أمّا الولايات المتحدة، أضافت جبريل، فأفضل خيار أمامها هو مجرد اعترافها بأنّها تخلّت عن أهدافها الإستراتيجيّة في سورية: إذ أنّ ترامب لا مصلحة له في هذا البلد، ويبدو أنّه غير مستعد لاحتواء بوتين أوْ مواجهته. لذلك، من الناحية العملية، تخلّت الولايات المتحدة عن المعارضة السورية والشعب السوريّ.
حتى الآن، تابعت، فاز الأسد بالحرب الإستراتيجيّة، مع ذلك، قد يكون انتصاره باهظ الثمن، إذ أنّ الوضع الحالي لا يضمن لا الاستقرار ولا السلام، بل على العكس، لم يتمكّن نظام الأسد حتى من فرض سيطرة دائمة على البلاد بأسرها، لذلك، سيستمر التمرد حتى يمنح الشعب السوريّ الحرية والمشاركة السياسية والعدالة الاجتماعيّة.
من ناحيته، قال جو معكرون، محلّل سياسيّ في المركز العربيّ بواشنطن، إنّ الحرب الأهليّة انتهت مع اتفاقية وقف إطلاق النار الأمريكيّة- الروسيّة في جنوب سورية في تموز (يوليو) الماضي، ولكن، ما لم تُعالج التوترات المتواصلة على طول حدود الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل وتركيا، فقد يؤدي ذلك إلى قتال غير متناظر بين إسرائيل وحزب الله، أوْ بين تركيّا والقوات الكرديّة.
وشدّدّ على أنّ وقف العداوات لم يأت حصيلة تفاوض الأطراف السورية المتناحرة على تسوية ما، بل وُلِد على يد عوامل خارجية هي التي فرضته. فاصطفاف تركيا مع روسيا وإيران هو الذي أدّى إلى وفق إطلاق النار الهش في كل أنحاء سورية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
كما أنّ قرار واشنطن في تموز (يوليو) بوقف تسليح المتمردين السوريين، أغلق خطوط الإمداد للمعارضة المسلحة في الجبهتين الشمالية والجنوبية. علاوةً على ذلك، دعمت واشنطن مفهوم موسكو حول مناطق خفض التوتر في طول البلاد وعرضها. لكن، استدرك، في حين أنّ القوى الخارجيّة تضع خططًا بعيدة المدى لسورية في حقبة ما بعد النزاع، إلّا أنّ بلورة نظام مزدهر ومستقر لن يكون في متناول اليد، ذلك أنّ النزاع المسلّح برأيه ينزاح بالتدريج ليصبح معركة سياسية ستُحدد أيّ سورية ستنبثق من أتون الحرب، ومَنْ سيُدير أجهزة الأمن، والسياسة العامة، والاقتصاد، فيها، على حدّ تعبيره.
رأي اليوم