الثريا.. معلم سماوي يعشق البرد والأمطار

10 ديسمبر, 2017 - 23:34

إن كنت ستخطئ شيئا في السماء فلا أظنك ستخطئ الثريا أبدا، فهي أجمل ما يمكن النظر إليه بين نجوم فصل الشتاء حين تتألق في السماء المسائية الصافية، وربما تحسبها لأول وهلة برج العقرب، لكنك ستدرك بعد ذلك الخطأ والفرق الشاسع بينهما. صحيح أنهما متقاربان في الشكل لكن المساحة في السماء تختلف بأكثر من مئة مرة.

والثريا هي عنقود نجمي مفتوح، بل إنه العنقود الأشهر في السماء، وهو بالعين المجردة ستة نجوم واضحة يراها البعض سبعة أو تسعة وحتى 11 نجما عند أصحاب البصر القوي. يقول الشاعر البصري المبرّد في وصف الثريا:

إذا ما الثريا في السماء تَعرَّضَت        يراها حَديد العين سـبعةَ أَنجُمِ
على كَـبدِ الـجَربـــاء وهي كأنـها        جَبيرةُ دُرٍّ رُكِّبت فوقَ مِعصَم

والثريا في الحقيقة عنقود مكون من قرابة 250 نجما تدور حول مركز مشترك في حيز لا يزيد على عشرين سنة ضوئية (السنة الضوئية مسافة يقطعها الضوء في سنة وتعادل حوالي عشرة تريليونات كيلومتر) وتبعد عنا 410 سنوات ضوئية، ولذا فهي تُعد من بين أقرب العناقيد النجمية إلينا.

ومع ذلك، فإن نجم ألفا قنطورس (4.3 سنوات ضوئية) والشعرى اليمانية (8.6 سنوات ضوئية) وغيرهما مما نراه بعيدا عنا، هي أقرب إلينا من نجوم الثريا، وكأن الناظر إلى هذه النجوم من الخارج يرانا متلاصقين حتى أكثر من نجوم عنقود الثريا.

"
 

وعنقود الثريا حديث نسبيا، فعمره لا يزيد على مئة مليون سنة، ولهذا فإنه عند تصويره بالتعريض الطويل يرينا سديما من الغازات الزرقاء يحيط بنجومه، كدلالة واضحة على حداثته.

وتحتل الثريا في السماء العربية مكانة واضحة ومهمة، فكلمة الثريا هي تصغير كلمة ثَروى، لما لنوئها من خير واستهلال لموسم الأمطار. كما أن العرب عرفتها باسم "النجم"، فكانت تقول ناء النجم وطلع النجم كناية عن الثريا.

وهي من منازل القمر الثمانية والعشرين، وقد كان أهل البادية والريف يستدلون باقتران القمر بها على المطر والحر. فنوء الثريا الذي يحدث في حوالي منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول من كل عام هو بداية استهلال الخير، إذ إن أول المطر يسمى الوسمي لأنه يسم الأرض بالنبات، ومع نوء الثريا يهطل مطر غزير يسمى الوسم الثرياوي.

ويقترن القمر بالثريا في يومه التاسع في شهر فبراير/شباط، ويسمى شهر شباط لذلك "قران تسعة"، أما حين يقترن لليوم السابع في شهر مارس/آذار فإنهم يسمون الشهر "قران سبعة"، وفي أبريل/نيسان يقترنان في اليوم الخامس ويسمى نيسان "قران خمسة". ويوم يقترن القمر مع الثريا في يومه الثالث في شهر مايو/أيار يسمون ذلك "غيبة الثريا"، كناية على ذهاب الشتاء وابتداء موسم الحر.

وليس هذا فحسب، بل إن العرب رسمت للثريا -تلك الفتاة الجميلة- في السماء ذراعين، إحداهما الكف الجذماء التي تمتد حتى دائرة نجوم رأس قيطس الكوكبة الخريفية في الجنوب الشرقي من السماء، وسميت جذماء لقصرها وقلة النجوم فيها، والكف الخضيب التي تمتد حتى ذات الكرسي عبر نهر المجرة، وسميت خضيبا لطولها ولكثرة النجوم فيها.

وهذا المنظر الرائع يظهر واضحا في السماء بعيد شروق الثريا من الأفق الشرقي بحوالي ساعة، ويبدأ ذلك منتصف فصل الخريف وحتى قبيل فصل الشتاء، وبالطبع فإن المنظر يستمر إلى ما بعد ذلك، لكن الذي يميزه في تلك الفترة عدم وجود نجوم كثيرة ناحية الشرق مما يسمح للثريا بأن تهيمن بكفيها على السماء الشرقية.

وفي الثريا نسجت أشعار عربية كثيرة، فثريا القرشية التي أحبها الشاعر عمر بن ربيعة الذي كان يسكن الطائف كان يبعث لها بالرسائل ويتغزل بها، فشكاه أهلها إلى والي الطائف عمر بن عبد العزيز فنفاه خارج الطائف وزوجها بسهيل بن عبد الرحمن بن عوف المخزومي، فلما علم عمر بن ربيعة بالأمر تألم وقال معاتبا الوالي: 
 
أيها المنكُحُ الثريا سُــــهيلاً        عمرك اللــه كـيف يلتقيان
هي شــــامية إذا ما أَستقلت       وسهيلٌ إذا اســــتقلَّ يماني

وبالقرب من الثريا، تظهر القلائص، وهي في العربية النوق، ويقال قلاص وقلائص. وفيها يقول الشاعر مالك بن الريب في القصيدة التي رثى فيها نفسه:

ألا لــيت شــــعري هـــل أبيتنّ ليلـــة      بوادِ الغَضا أُزجي القلاصَ النّواجيا
فليتَ الغضا لم يقطع الرَّكبُ عُرضَه      وليت الغضا ماشــــى الركابَ لياليا

والقلائص هو ذلك العنقود النجمي الذي يمثل أكثر نجوم برج الثور ويظهر على شكل حرف V مائل، وفي نهايته يقع النجم الأحمر المشهور الدبران الذي اشتهر عند العرب بأسماء عدة منها حادي النجم وتابع النجم والتابع والمِجدَح. وهو نجم عملاق أحمر يفوق قطره قطر الشمس بـ44 مرة ويفوقها حجما بـ36 ألف مرة، ولأنه بعيد وبارد نسبيا فإنه يرى كنجم عادي غير ساطع رغم أنه يفوقها لمعانا بـ125 مرة.

وقد سمي بالدبران لأنه يدبر الثريا في شروقها وغروبها، وهو -كما الثريا- من منازل القمر، لكن نوأه عند العرب كان مشؤوما، ففي وقت غيابه في حوالي يوم 26 مايو/أيار من كل سنة يشتد الحر على أهل الصحراء، فكانوا ينسبون ذلك لنوئه.

ومن القصص التي يرويها العرب عن الثريا والدبران، أن الدبران طلب يد الثريا للزواج فرفضته وهربت منه فلاحقها ليتزوجها وقد جلب معه قلائصه مهرا لها.

ويدور عنقود القلائص حول المجرة مبتعدا عنا بسرعة تبلغ 160 ألف كيلومتر في الساعة، على مسافة 130 سنة ضوئية. والدبران في الحقيقة ليس من نجوم هذا العنقود، فهو لا يبعد عنا سوى 65 سنة ضوئية، أي أنه يقع عند منتصف المسافة بيننا وبين عنقود القلائص.

ولرؤية الثريا والدبران، انظر شرقا عند حوالي الثامنة مساءً من بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني، أو السابعة مساءً بداية شهر ديسمبر/كانون الأول.

المصدر : الجزيرة