شهدت العاصمة صنعاء تحولا دراماتيكيا خلال الأيام الثلاثة الماضية إثر انفجار الوضع عسكريا بين الحليفين جماعة الحوثي وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والتي أسفرت عن انهيار الشراكة بين صالح والحوثيين وإعلان الحرب بينهما عبر فوهات البنادق وقذائف المدافع والأسلحة الثقيلة.
وانفجر الوضع عسكريا بين صالح والحوثيين بعد 3 أيام من المواجهات، تخللتها عمليات قصف مسلح واقتحام الحوثيين لمسجد الصالح، في ميدان السبعين الرئاسي، وللعديد من مساكن أفراد عائلة صالح والمقار الحزبية لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه صالح.
وشهدت المواجهات المسلحة كرّا وفرّا خلال الأيام الماضية، حيث انحصرت بين الطرفين في إطار المربع الجنوبي للعاصمة صنعاء، والذي يعد المربع الرئاسي بامتياز، حيث يقع فيه دار الرئاسة «القصر الرئاسي» ومنزل صالح ومنازل وأبناؤه وأبناء أشقائه ومنازل كبار المسؤولين التابعين له، بالإضافة إلى مقار حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه.
وتواكبت هذه المواجهات التي شهدتها ليلة الجمعة السبت بقصف عشوائي للأحياء السكنية المحيطة بمنطقة الحي السياسي وشارع الجزائر وشارع عمان وميدان السبعين وسقوط العشرات من الضحايا بين قتيل وجريح من الطرفين، بالإضافة إلى الضحايا المدنيين.
وفي ظل الاحتدام العسكري المسلح بين الطرفين، أعلن عالي عبد الله صالح، رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، فض الشراكة مع الحوثيين، ودعا إلى الانتفاضة الشعبية ضدهم، وهو ما اعتبره سياسيون، انقلابا عسكريا جديدا ولكن هذه المرة على جماعة الحوثي المسلحة، التي سيطرت على أجزاء كبيرة من البلاد، بعد سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 أيلول (سبتمبر) 2014 بمساعدة قوات الجيش الموالية لعلي صالح.
وحمّل علي صالح حلفاءه الحوثيين المسؤولة الكاملة عما جرى من انهيار الوضع عسكريا بينهما، ودعا قوات الجيش الموالية له إلى (الانتفاضة ضد الحوثيين) في جميع المحافظات، كما دعا التحالف العربي بقيادة السعودية إلى وقف القصف الجوي وفك الحصار وفتح صفحة جديدة وإتاحة المجال أمام الحوار.
وقال صالح في كلمة متلفزة له عبر قناته «اليمن اليوم» قبل قطع بثها من قبل الحوثيين، إنه «في هذا اليوم الثاني من كانون الأول/ديسمبر أدعو جماهير شعبنا والقوات المسلحة في اليمن، إلى أن يهبوا هبة رجل واحد للدفاع عن الثورة والجمهورية والوحدة والحرية، ضد هذه العناصر التي نهبت مقدرات الشعب»، وأرجع أسباب ذلك إلى ان ما يمارسه الحوثيون ضده وحزبه يعد «عدوانا سافرا على اليمنيين».
وشدد صالح على ضرورة أن «يتحرك الشعب اليمني في العاصمة صنعاء وكل المحافظات بانتفاضة ضد العدوان السافر، وبسبب ما عانوه من 3 أعوام»، واحتوت كلمة صالح التي كانت ارتجالية على العديد من المواقف المتناقضة، غير أنها رفعت معنويات أتباعه على الأرض وأظهرت أنهم مسيطرون على الأرض بشكل كامل، ولكن هذا لا يعكس حقيقة الواقع.
وفي خطوات استباقية كشف مصدر مسؤول في حزب صالح عن توجهات حزب المؤتمر لتشكيل مجلس عسكري يأتمر بأوامر مجلس النواب الذي يسيطر حزب المؤتمر على أغلبية أعضائه لإدارة شؤون البلاد خلال الفترة المقبلة بعد دحر جماعة الحوثيين على حد وصفه من العاصمة صنعاء وبقية المناطق التي يسيطرون عليها.
وذكر عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي ضيف الله الشامي، ان الانتصارات التي يتحدث عنها المؤتمر الوطني ما هي سوى حرب إعلامية، لا وجود لها إلا في وسائل التواصل الاجتماعي، وأن المواجهات ما زالت في المربع الذي تقع فيه بيوت صالح وأفراد عائلته ومقار حزبه في صنعاء.
وقامت جماعة الحوثي ظهر أمس بقطع البث الفضائي عن قناة «اليمن اليوم» التي يملكها نجل علــي صــالح، العـــمــيد أحمد علي، وكذا حجــب المواقع الإخبارية لحزب المؤتمر وفي مقدمتها موقع «المؤتمر نت» لسان حال الحزب، وكذا موقع وكالة خبر للأنباء.
وكان زعيم جماعة الحوثي عبد الملك الحوثي ناشد صالح بالتعقل وترك المجال لـ«العقلاء والأحرار» لإنجاح المساعي الرامية إلى وقف المواجهات المسلحة في العاصمة صنعاء.
وقال في كلمة متلفزة قصيرة صباح أمس عبر قناة «المسيرة» لسان حال جماعة الحوثي «أدعو رئيس المؤتمر أن يكون أكثر تعقلا، ويفسح المجال للعقلاء والأحرار ليتحروا الحقيقة والتجاوب مع المساعي للتحري من الواقع».
ووصف الحوثي المواجهات في صنعاء بين أتباعه وأتباع صالح بـ(المسار الفتنوي) ودعا الدولة في صنعاء إلى القيام بمسؤولياتها، كما دعا القبائل المحيطة إلى الوقوف بجانبهم وألا يسمحوا للمؤتمر الوطني بإثارة الفتنة في أي محافظة.
وذكرت مصادر إخبارية تابعة لصالح أن القوات الموالية له سيطرت على أغلب مناطق العاصمة صنعاء وعلى أهم المؤسسات الحكومية والعسكرية والأمنية فيها بالإضافة إلى سيطرتها على محافظات حجة والمحويت وإب وذمار وريمه، غير أن معطيات الواقع ما زالت غير واضحة، طالما أن المواجهات المسلحة ما زالت بالفعل محصورة في إطار المربع الجنوبي للعاصمة صنعاء.
وسارع التحالف العربي بقيادة السعودية إلى الإعلان عن موقفه الداعم لحزب المؤتمر وقال في بيان عاجل عقب بث كلمة صالح «ان هذه المرحلة من تاريخ اليمن تتطلب التفاف الشرفاء من أبناء اليمن في هذه الانتفاضة المباركة، على اختلاف انتماءاتهم الحزبية والقبلية بمن فيهم أبناء حزب المؤتمر والأحزاب الأخرى وقياداتها الشرفاء للتخلص من الميليشيا (الحوثية) التابعة لإيران وإنهاء عهد من التنكيل والتهديد بالقتل والإقصاء وتفجير الدور والاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة».
وأشاد التحالف بقرار حزب صالح حيال مواجهة الحوثيين وقال «يثق التحالف بأن استعادة أبناء حزب المؤتمر الشعبي زمام المبادرة وانحيازهم لشعبهم اليمني وانتفاضته المباركة ستخلص اليمن من شرور الميليشيا الإيرانية الطائفية الإرهابية، وعودة يمن الحكمة إلى محيطه الطبيعي العربي الخالص».
وأكد البيان على «وقوف التحالف العربي بكل قدراته في كافة المجالات مع مصالح الشعب اليمني للحفاظ على أرضه وهويته ووحدته ونسيجه الاجتماعي في إطار الأمن العربي والإقليمي والدولي».
«القدس العربي»