في حوار مع “رأي اليوم” د. حسن نافعة: المزاج العام في مصر ليس مهيأ لثورة جديدة الآن ولكن للصبر حدود.. الأغلبية الصامتة هي التي ستحسم الصراع السياسي في نهاية المطاف.. هذا ما دار بيني وبين هيكل عن البرادعي وسر قهقهته عاليا.. جماعة الإخوان هي المسئول الأكبر عن إفشال ثورة يناير وتمكين الحكم الفاشي من السيطرة على النظام السياسي في مصر
القاهرة – ” رأي اليوم” – حاوره – محمود القيعي:
قال د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن المزاج العام في مصر الآن ليس مهيأ لثورة جديدة، مشيرا الى أن قدرة الجماهير على التحمل ليست مفتوحة وإنما للصبر حدود ، محذّرا من انفجار- إذا حدث – ستتلوه فوضى عارمة لن تبقي ولن تذر .
وأضاف نافعة في حوار خاص مع ” رأي اليوم ” أن نظام السيسي ربما يكون أمامه فترة سماح لا تتجاوز الأِشهر الستة عليه خلال تلك الفترة أن يقدم للناس ما يؤكد لهم أن تضحياتهم السابقة آتت أكلها ولم تذهب هدرا .
وعرّج المحلل السياسي الشهير على آخر المستجدات على المشهد السياسي المصري بدءا من بيان د. محمد البرادعي الذي غسل فيه يده من الدماء التي شهدتها ميادين مصر بعد 3/ 7 ، ومرورا بظهور اسم الفريق شفيق على الساحة من جديد وإمكان عودته الى مصر قريبا بعد رفع اسمه من قوائم المترقب وصولهم ، وانتهاء برؤيته للمخرج من أزمة مصر السياسية العاتية، وعثرتها الاقتصادية المتردية، حيث يحمّل القوى السياسية مسئوليتها للقيام بدورها في تلك اللحظة التاريخية الفارقة .
وإلى نص الحوار :
*مصر الى أين يا دكتور وقد بدا أن “الرتق” اتسع فيه على الراتق ؟
أكثر ما يزعجني في المشهد السياسي المصري الآن هو غياب الرؤية الاستراتيجية، فلا النظام الحاكم يعرف الى أين يتجه، ولا النخب السياسية على اختلاف فصائلها وتياراتها تعرف كيف تخرج من هذه الأزمة.
بالنسبة للنظام الحاكم، لدينا رجل عسكري ربما تكون الظروف قد أتاحت أمامه لكي يقوم بدور، وكان تدخله مرحبا به من قطاع واسع من الشعب، لأن جماعة الاخوان كانت قد أخذت البلاد الى أفق مسدود ودفعت بها نحو منزلق خطر، وبالتالي نظر هذا القطاع الواسع من الجماهير في البداية إلى السيسي باعتباره “المنقذ” من حكم الإخوان الذي أشعرها بالقلق، ولكن هذاالقطاع نفسه لم ينظر إلى السيسي في ذلك الوقت باعتباره مؤهلا لتولي شئون الحكم، ولم يكن مطروحا عندما خرج الناس في 30 يونيو مطالبة السيسي بالجلوس في مقعد مرسي، ولكنهم اعتبروه رجلا شجاعا تدخل لانقاذ البلاد من مصير مجهول ينتظرها لو استمر حكم الإخوان.
*هل ما ارتكبه الإخوان من أخطاء في سنة كان كافيا للإطاحة بهم ؟
هناك من يجادل أن جماعة الاخوان المسلمين جاءت بالانتخاب وأنها لم ترتكب أخطاء تبرر ما حدث .. إلخ،لكني كنت وما زلت على قناعة تامة بأن الجماعة ارتكبت أخطاء كبيرة جدا، وأخذت البلد الى طريق الندامة، وتخلت عن كل الذين شاركوها العمل السياسي قبل ثورة 25 يناير وتعاونوا معها,والتي ما كان لها أن تصل بدونهم الى مواقع السلطة, فالجماعة لم تفجر ثورة يناير لكنها التحقت بها, وما كان بمقدورها أن تتبوأ مقاعد السلطة لولا اندلاع الثورة, لكن الجماعة قررت أن تطيح بالثوار أو تهمش دورهم بعد أن تمكنت من السلطة.
لا أعتقد أن الدكتور محمد مرسي أدرك دلالة نجاحه بأصوات لا تنتمي إلى الإخوان أو حتى إلى تيار الإسلام السياسي ككل. فكثيرون صوتوا لمرسي,كما هو معروف, خوفا من فوز شفيق الذي اعتبره قطاع واسع من الناخبين ممثلا للثورة المضادة وليس للثورة.
لا أريد هنا أن أدخل في تفاصيل ما جرى خلال فترة حكم مرسي، ولكني أكتفي بالقول أن قطاعا واسعا من الشعب رحب بالسيسي في ذلك الوقت كمنقذ يستطيع أن يخلصه من حكم جماعة الاخوان، ولم يستدعه ليحكم، وأعتقد أنه سيعيد ترتيب الأوراق بما يساعد على وضع مصر من جديد على طريق التحول الديمقراطي,حتى ولو بدون جماعة الاخوان أو تيارالاسلام السياسي ككل,ولكن لفترة محدودة يمكن بعدها فتح حوار مع جماعة الإخوان حول شروط إعادة دمجها وتأهيلها كشريك في العملية السياسية المرتكزة على قواعد ديمقراطية صحيحة.
كان هذا يتطلب من السيسي أن يحرص على إشراك كل القوى السياسية التي أسهمت في 30 يونيو، وألا يسمح لجماعة المصالح المرتبطة بنظام مبارك بسرقة ثورة التصحيح من جديد مثلما سرقت الثورة الأم من قبل بواسطة جماعة الإخوان, كان على السيسي أن يلتزم بخريطة الطريق، وأن يدرك أن الدور الحقيقي للجيش هو الدفاع عن أمن الوطن ضد اي تهديد خارجي لا أن يحكم.صحيح أن الجيش قد يقوم بأدوار وطنية مرحب جماهيريا في فترات استثنائية,وهو ما حدث بالفعل في لحظات تاريخية معينة, فالجيش بقيادة عرابي كان القوة الأكثر تأهيلا للتعبير عن مطالب الشعب المصري في مواجهة حاكم مستبد وتحكم عناصر غير مصرية في مقدراته وتمكن من قيادة ثورة على النظام الحاكم في ذلك الوقت فيما عرف تاريخيا باسم “الثورة العرابية”. نفس الوضع تكرر مع تنظيم الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر.فهذا التنظيم هو الذي تمكن من الاستيلاء على السلطة يوم 23 يوليو عام 1952 وسرعان ما تحول “الانقلاب العسكري” الذي قام به هذه المجموعة من الضباط إلى ثورة أيدتها معظم القوى السياسية في ذلك الوقت, بما فيها حزب الوفد، لكن تمسك الجيش بالبقاء في السلطة حول الثورة تدريجيا إلى دولة يقودها نظام سلطوي ثار عليه الشعب في 25 يناير عام 2011. ويعتقد كثيرون, وأنا واحد منهم, أن تحرك الجيش يوم 3 يوليو عام 2013 لعزل مرسي ربما كان له ما يبرره بعد أن رفض مرسي الاستجابة للمطلب الشعبي الخاص بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة, وهو المطلب الذي دفع الملايين للنزول إلى الشارع في 30 يونيو 2013.أكرر مرة أخرى أن الجماهير المصرية التي تدفقت إلى الشوارع في 30 يونيو لم تستهدف سوى شيء واحد وهو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ولم تطالب مطلقا بعودة الجيش إلى الحكم. لكن هذا هو ما آلت إليه الأمور للأسف!
هنا يتعين أن نتذكر شيئا مهما وهو أن خارطة الطريق التي أعلنها السيسي في 3/ 7 لم تنفذ بالكامل ولم يحترم ترتيب الأولويات كما وردت بها، فقد نصت هذه الخارطة على إجراء انتخابات برلمانية أولا وقبل الانتخابات الرئاسية، لكن ما حدث كان العكس, وتم إجراء الانتخابات الرئاسية أولا وهو إجراء ساعد على إدخال البلاد في مأزق لأن الرئيس الجديد اراد تشكيل برلمان على مقاسه ومن ثم أعطى الضوء الأخضر لتدخل الأجهزة الأمنية في الانتخابات البرلمانية.كما تجدر الإشارة إلى أن خارطة الطريق نصت ايضا على ضرورة إجراء مصالحة وطنية شاملة, وهو بند لم يلتفت إليه إطلاقا, وتضمنت بندا آخر يتعلق بإصدار قانون للعدالة انتقالية لتصفية آثار ثورتي 25 يناير و 30 يونيو, وهو ما لم يحدث حتى الآن.
تحقيق العدالة الانتقالية كان يتطلب استبعاد شبكة المصالح المرتبطة بنظام مبارك, لأن ثورة قامة ضده, واستبعاد جماعة الإخوان, لأن ثورة ثانية قامت ضدها, على الأقل مؤقتا الى أن يتم ترتيب الأوضاع ووضع البلاد على طريق التحول الديمقراطي الصحيح، والاقتصار على معاقبة كل من ارتكب جرما يتعلق بسفك الدماء أو نهب الثروة الوطنية,أما من لم تتلطخ أيديهم بالدماء ولم يمدوا أيديهم لسرقة أموال وثورات الشعب فكان يتعين الدخول معهم في حوار تمهيدا لإدماجهم في الحياة السياسية, وهو ما لم يحدث.فقد سار نظام السيسي للأسف في الطريق الذي يفضي حتما إلى حكم الفرد، وروج البعض لفكرة أن السيسي هو طبعة جديدة من عبد الناصر، والحقيقة أننا لم نر منه شيئا على الاطلاق يدعو إلى تشبيهه بعبد الناصر أو حتى بغيره من رجال المؤسسة العسكرية ممن تولوا السلطة من بعده، كالسادات أو مبارك, ولم نر منه أي رغبة في إطلاق عملية تحول ديمقراطي حقيقي كما كان البعض يأمل.
فالسيسي, وعلى عكس عبد الناصر تماما, ليس لديه رؤية سياسية أو مشروع وطني واضح المعالم, فهو يحكم وفقا لمنطق الاحتياجات اليومية ولما تمليه ضرورات البقاء في السلطة، و هو في هذا يشبه مبارك الذي انتهى به الحال للطمع في نقل السلطة من بعده إلى ابنه, ممهدا بذلك لاندلاع الثورة في 25 يناير من عام 2011.
على صعيد آخر، تبدو القوى السياسية,الحليفة للنظام أو المعارضة له أو الصامتة,منقسمة على نفسها ومشتتة تماما ولايجري بينها حوار حقيقي لتشخيص الوضع الحالي وبحث السبل الكفيلة بمعالجته. بعبارة أخرى يمكن القول أن المعارضة بوضعها الحالي لا تستطيع أن تشكل في أعين المواطنين الرافضين للسياسات الحالية بديلا حقيقيا للنظام، كجبهة الإنقاذ التي تشكلت أيام مرسي على سبيل المثال.لذا أظن أن البلاد تعيش حاليا أوضاعا بالغة الصعوبة وتجد نفسها وسط”حارة سد”كما يقال، فالطريق الذي تسير فيه ليس سالكا, وبالتالي ستصبح معرضة للاصطدام بالحائط في أي وقت, وأيا كان الاتجاه الذي تقرر السير فيه، وهذا هو المأزق الحقيقي الذي تواجهه مصر في تلك المرحلة.
*على ذكر جبهة الإنقاذ ، أين هم روادها الآن وقد كانوا أسودا أيام مرسي؟
جبهة الانقاذ لم تكن تمثل كل المعارضة لنظام مرسي، ولكنها كانت تضم أغلب التيارات المعارضة لهذا النظام, وتكمن أهمية تشكيلها في أنها كانت بمثابة جرس إنذار نجحت المعارضة في تعليقه في رقبة النظام، كما كانت في الوقت نفسه بمثابة عنوان سياسي يمكن للأغلبية الصامتة أن تتجه إليه عند الضرورة. ومن المعروف أن الأغلبيةالصامتة هي التي تحسم الصراع السياسي في اللحظات الحرجة، وعندما وجدت الاغلبية الصامتة في مصر أن تجمعا من رموز المعارضة من ذوي الحيثية نجح في توحيد صفوفه وبدأ يشكل قاعدة يمكن الاطمئنان إليها والتفات حولهاعند الضرورة, خصوصا في لحظات الحسم حين يحتدم الصراع, وحين ادركت في الوقت نفسه أن جماعة الإخوان لم تعد مؤهلة لحكم مصر وشعرتأن الجيش يميل إلى ترجيح كفة جبهة الانقاذ, تحولت الأخيرة إلى بديل سياسيا يمكن الاطمئنان إليه, مما ساعد على حسم الصراع لغير صالح الجماعة الحاكمة.
أرجو أن تلاحظ معي هنا وأن تتذكر أن رموزا من جبهة الانقاذ شاركت في أول حكومة تم تشكيلها بعد 3 يوليو، بدليل تعيين الدكتور محمد البرادعي, ممثل جبهة الانقاذ في المؤتمر الذي أعلنت فيه خارطة الطريق, نائبا لرئيس الجمهورية، وقيام شخصيات سياسية قريبة من جبهة الإنقاذ أو متعاطفة معها, من أمثال حازم الببلاوي وزياد بهاء الدين وحسام عيسى وغيرهم, برئاسة الحكومة أو بتولي مناصب وزارية فيها.ويمكن القول أن وجود هذه الشخصيات في الحكومةكان معناه أن الجيش قرر التراجع خطوة إلى الخلف بعد 3 يوليو وأراد أن يحكم من وراء ستار انتظارا لما قد تسفر عنه موازين القوى في مرحلة قادمة,ربما تكون قيادة الجيش قد وجدت في تلك اللحظة أن من الأفضل للمؤسسة العسكرية أن تكتفي بلعب دور”صمام الأمان” في هذه اللحظة,من خلال تحصين منصب وزير الدفاع وألا تغامر بتولي مسؤولية الحكم بشكل مباشر .وأيا كان الأمر فقد تبين لاحقا أن الحكومة التي شكلت في ذلك الوقت, رغم نكهتها السياسية الواضحة, كانت عاجزة ومكبلة بالأغلال في واقع الأمر، فما قاله البرادعي بعد ذلك في تصريحات صحفية أكد وجود خلافات حول قضايا عديدة, ربما كان أهمها طريقة فض اعتصام رابعة وما إذا كانت القوة ستستخدم للوصول إلى هذا الهدف، وما إن تم الفض بغير الطريقة التي أرادها البرادعي، حتى قرر الاستقالة دون ان يكلف نفسه عناء التشاور مع جبهة الإنقاذ التي يفترض أنه كان يمثلها في الحكومة،فهو ببساطة قرر الهرب مثلما اعتدنا منه في كل المواقف والاختبارات الصعبة التي مر بها من قبل.فالحنكة السياسية كانت تتطلب استمرار جبهة الإنقاذ ومواصلتها لنشاطها بعد 3 يوليو, لتتأكد على الأقل أن خارطة الطريق سيتم تنفيذها بحسن نية.غير أن البرادعي اعتبر نفسه فوق الجميع وتصرف من منطلق أنه اختير لشخصه في الحكومة وليس باعتباره ممثلا لجبهة الانقاذ, ومن ثم لم يحرص لا على مستقبل جبهة الانقاذ ولا على مستقبل البلاد نفسها, فقرر ترك المركب تغرق وآثر النجاة بنفسه بعيدا عن الطوفان.
*لماذا انفضت جبهة الإنقاذ؟
كانت تشبه “المولد” الذي انفض بسرعة, ولا أدري لماذا ؟ فأنا لم أكن جزءا من هذه الجبهة ولم اشارك فيها.
*يصفها البعض بأنها كانت ” جبهة خراب؟”
هذه تعبيرات إخوانية لا أوافق عليها وأعتقد أنها تمثل وجهة نظر منحازة وغير موضوعية.
*د. يحيى القزاز أحد أبرز المعارضين لمرسي قال أخيرا إننا ثرنا على نظام بسبب ” شبهات ” وكلنا بمكيالين ؟ ما تعليقك ؟
أنا لا أعلق على كلام أحد، ومن حق كل شخص أن يدلي برأيه وأن يدافع عنه بنفسه.
*أما آن أن تعتذر عن مشاركتك في إسقاط مرسي ووأد أول تجربة ديمقراطية في مصر ؟
أنا شخصيا لستُ نادما على أي موقف اتخذته بما فيذلك توقيعي على استمارة “تمرد” علنا في تجمع نقلته كاميرات التليفزيون وفي حضور رموز وطنية من الكتاب والمثقفين والفنانين. وقتها كان د. مرسي يبدو في اوج قوته وعنفوانه.وكنت أحد الذين نبهوا مرسي مبكرا وفي كتابات نشرت في بداية حكمه إلى المؤامرات التي يتوقع أن تحاك لإفشاله، وأرجوك أن تعود الى ما كتبت في “المصري اليوم” طوال فترة حكم مرسي لتتأكد بنفسك كيف تطور موقفي من جماعة الإخوان. واشعر بالفخر وبراحة الضمير لأنني لم أكتب حرفا واحدا لم أكن مقتنعا به, ولم أكتب حرفا واحد بدافع الخوف من أحد أو طمعا في ذهب أحد. ومن الوارد تماما أن أخطأ في تقديرموقف او وضع سياسي ما, وعلي أن أتحمل مسؤوليتي عما أقول وأكتب, لكني لا أعتقد أنني قلت أو كتبت شيئا أو اتخذت موقفا يستدعي أن اندم عليه.
كنت أتمنى أن ينتبه مرسي إلى حقيقة أنه جاء إلى السلطة في أعقاب ثورة، وأن الثورة التي أتت به إلى السلطة فجرتها قوى سياسية مختلفة لم تكن جماعته من بينها, و بالتالي كان يتعين عليه أنيحرص على وحدة هذه القوى وأن يحافظ عليها لكنه للأسف لم يفعل.الإخوان هم أول من قال بعد تنحي مبارك وحصولهم على اكثرية في الانتخابات البرلمانية أن التغيير لن يأتي من الميدان، وإنما من داخل القبة(البرلمان), وهم أول من قبل الدخول في حوار مع النظام القديم حتى قبل أن يتنحى مبارك.. الخ .
*لكن يادكتور ألم نذق طعم الحرية في العام الذي حكم فيه مرسي ؟
الحرية التي ذقنا طعمها في ذلك الوقت لم تكن من صنع جماعة الاخوان وإنما من صنع الثورة التي فتحت الطريق أمام الإخوان للوصول إلى السلطة ، هل الإخوان هم من قاموا بثورة 25 يناير ؟ لنكن أمناء مع أنفسنا ومع الآخرين.
الاعلان الدستوري( المشئوم ) الذي أقدم الدكتور مرسي على إصداره في نوفمبر 2012 كان معناه أن جماعة الإخوان المسلمين تسعى للسيطرة المنفردة على الحكم، ومن المؤكد أنها لم تتشاور مع أي قوة سياسية قبل إصدار هذا الإعلان، وكان إصداره هو البداية الحقيقية لتشكيل قوى معارضة صراحة لحكم الجماعة من داخل الجبهة التي توحدت أثناء الثورة وكانت تنسق معا قبل الثورة.
*ولكن الاعلان الدستوري كان هدفه تطهير القضاء من نائب مبارك العام عبد المجيد محمود الذي كان يرتع ويلعب ؟
ليس هذا هو الأسلوب المثل للتطهير في مرحلة ما بعد الثورة، لو كانت جماعة الإخوان قد أقدمت على التشاور مع القوى السياسية التي شاركت في ثورة يناير لأمكن إيجاد مخرج لهذه المسألة التي كانت تحظى في واقع الأمر بموافقة الجميع.أنا واحد من الذين طالبوا ليس فقط بإقالة النائب العام عبد المجيد محمود، وإنما بإقالة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات أيضا وغيرهم من قيادات نظام مبارك، ولكن هذه اقالات كان يجب أن تتم من خلال تصور عام توافق عليه القوى السياسية وليس من خلال رغبة إخوانية للهيمنة المنفردة على مقاليد السلطة. ما الجدوى من تطهير يستهدف الهيمنة المنفردة لفصيل بعينه وإحلال مستبد بآخر؟!الخطأ الأكبر الذي ارتكبته الجماعة وقع بعد الاعلان الدستوري بأسابيع حين قررت القوى السلفية تنظيم ما سمي بمؤتمر ” نصرة سورية ” بحضور الدكتور محمد مرسي ومشاركته الحماسية.كانت لغة الخطاب السائد في هذا المؤتمر عنيفة جدا، وطائفية إلى أبعد حد، فقد تم الإعلان أثناء المؤتمر عن فتح باب الجهاد للراغبين في قتال النظام السوري، وأعلن الرئيس بنفسه عن قطع العلاقات مع النظام السوري دون تشاور مسبق مع وزير الخارجية.. الخ. وأظن أن هذه التصرفات استفزت الجيش جدا, لأنها بدت غير ناضجة سياسيا وغير مستوعبة لمتطلبات الأمن الوطني المصري والأمن القومي العربي في الوقت نفسه, ولا استبعد أن يكون قرار الجيش بالعمل على تنحية مرسي قد اتخذ عقب هذا المؤتمر.
لو كانت جماعة الإخوان قد عكفت على تطهير المجتمع من رموز نظام قديم ثار الشعب عليه في 25 يناير, ولكن وفق خطة متوافق عليها من جميع القوى التي شاركت في الثورة, لما دخلت مصر في النفق المظلم الذي حشرت فيه ولم تخرج منه حتى يومنا هذا. لذا أعتقد أن غباء جماعة الإخوان وتعطشها الشديد للانفراد بالسلطة هو أحد أهم الأسباب التي أدت إلى المأزق الذي تعيشه مصر الآن.
مازلت حتى هذه اللحظة أعتبر جماعة الإخوان هي المسئول الأول عن عودة الفاشية الى مصر، وعودة حكم المؤسسة العسكرية ، وانتكاسة الديمقراطية ، وعن إفشال ثورة 25 يناير.
*أنت تتهم الإخوان بالديكتاتورية ، أي ديكتاتورية يا دكتور وقد تم السماح لمعارضي مرسي بوضع ” البرسيم ” أمام منزله ، وجاءوا بـ “البلدوزر” لخلع باب القصر الجمهوري ، وتم حرق مقارهم، ولم يمسس من قام بهذه الأفعال الاجرامية سوء ؟
كان يجب على جماعة الإخوان أن تتنبأ بحدوث كل هذا وأكثر، ألم يكونوا يدركون أن الثورة نجحت في إسقاط رأس النظام فقط لكن جذوره كانت تضرب في أعماق التربة المصرية, وكانت شبكة المصالح المرتبطة به في حالة كمون مؤقت لكنها كانت تتحين الفرصة للانقضاض والثأر. لو كان لدى جماعة الإخوان الحد الأدني من الوعي والحس والنضج السياسي لحافظت على القوى التي فجرت الثورة وشاركت فيها منذ البداية, لكن الجماعة صممت على أن تهيمن وحدها ففتحت الباب واسعا أمام قوى الدولة العميقة لتنشط وتتحالف مع غيرهم. الجماعة هي التي أفشلت الثورة ومكنت للثورة المضادة.
هل كنت تريد من الجماعة مثلا أن تطلق الرصاص على المواطنين الذين خرجوا للاعتراض على الإعلان الدستوري وعلى الطريقة الإخوانية في تشكيل الجمعية التأسيسية؟ لو أنها لجأت للعنف لسالت أنهار من الدماء ولبررت استخدام القوة المسلحة في مواجهتها. كان يجب التعامل مع الخارجين على القانون بالقانون.
*من كان يقف وراء هؤلاء المخربين يا دكتور ؟
لا أعرف من هم هؤلاء ولا من كان يقف وراءهم ، ولكن لو تحالف الاخوان مع كل القوى التي صنعت ثورة 25 يناير لاستطاعوا حماية ظهورهم ولما سقطوا.هم سقطوا لأنهم وقفوا وحيدين وعرايا, واللغة الاستبعادية التي كانوا يرددونها هي التي صنعت كل هذا الخوف منهم.أنا أعرف جماعة الإخوان جيدا وقد تعاملت معهم قبل ثورة يناير وبعدها، وأعرف كيف يفكرقادتها وكيف يتصرفون.
فهي جماعة لها تاريخ طويل يقول أنها تصادمت مع كل الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم مصر منذ تأسيسها عام 1928. فقد تصادمت مع نظام ماقبل ثورة 52، وكان الثمن حلها واغتيال حسن البنا، وقتها لم يكن عبد الناصر موجودا، أما عبد الناصر فقد تحالف معهاوحرص على إشراكها في تنظيم الضباط الأحرار الذي كان يقوده, أي أنها كانت شريكا في ثورة 52 ولم يحدث الخلاف الذي تحول فيما بعد إلى انشقاق إلا بعد أن حاولت السيطرة على الثورة وفرض وصايتها عليها، ثم تكررت الحلقة المفرغة بعد ذلك مع السادات, ومع مبارك, وبعد ثورة يناير..الخ .
الاستفادة من التاريخ
كان على الإخوان أن يستفيدوا من تجربتهم التاريخية، وأن يحاولوا الاحتفاظ بالحاضنة الشعبية التي كانت تحميهم.وفي تقديري أن قرار الإخوان الترشح للرئاسة كان قرارا خاطئا تماما، وكان سابقا لأوانه وهو الذي أدى إلى توريط الجماعة فيما لم تكن مستعدة له بعد, ومهد الطريق لتدخل الجيش للإطاحة بها.
الإخوان أهدروا فرصة هائلة لإحداث تحول ديمقراطي في مصر .
*ما المخرج أمام هذه الحارة السد التي وصفتها : هل في ثورة شعبية أم في مصالحة أماذا ؟
المزاج العام في مصر ليس مهيأ لثورة جديدة ، والقرارات الاقتصادية الاخيرة قرارات غير مدروسة بالشكل الكافي، ولا يوجد عدالة في توزيع الأعباء التي ستتحمل الطبقات الفقيرة والمتوسطة النصيب الأكبر منها.وبرغم تفهمي لحاجة مصر الى اجراءات تقشفية، الا أنه كان يجب التمهيد لهذه الاجراءات وإشراك الجماهير والقوى السياسية في اتخاذ القرارات التي تتناسب مع احتياجات وقدرات المواطنين, خاصة الشرائح الاجتماعية الأقل دخلا. لكن للأسف ليس هناك شفافية في إدارة الدولة. ورغم أنني قلت لك من قبل إن الجماهير على استعداد للتحمل ، إلا أن للصبر حدودا، فقدرة الجماهير على التحمل ليست مفتوحة بلا نهاية.
ربما يستطيع النظام أن يتمتع بفترة سماح إضافية لا أعتقد أنها يمكن أن تتجاوز ستة أشهر. وعندما نقترب من يونيو القادم سيكون العد التنازلي للانتخابات الرئاسية القادمة قد بدأ,وإذا لم يدرك المواطن بحلول هذا التاريخأن التضحيات التي قدمها أثمرت نتائج إيجابية وبدأ يشعر أن العجلة الاقتصادية عادت للدوران وأن الأزمة في طريقها للانتهاء وأوضاعه تسير نحو التحسن، سيحدث الانفجار.
مشكلة الانفجارالذي قد يقع هذه المرة,إن حدث, أنه سيكون انفجارا للتعبير عن شعور بالغضب والرفض للسياسات القائمة, ولأنه سيكون انفجارا بلا عقل سياسي يقوده ويوجهه, فقد يدخل البلاد في فوضى عارمة وبالتالي فقد يكون بداية لمرحلة شديدة الخطورة بالنسبة لمصر.
لو أدرك المصريون الآن أن نزولهم الى الشارع سيحدث تغييرا لما ترددوا لحظة واحدة في النزول الى الشارع فورا ، لذا أظن أنهم ما زالوا مستعدون للتحمل وبذل المزيد من التضحيات إن طلبت منهم, بشرط أن يكون لديهم الأمل في أن تتحسن أوضاعهم في المستقبل. لكن كما قلت وأكرر للصبر حدود وعلى النظام السياسي أن يستوعب هذه الحقيقة وإلا فسيدفع الثمن باهظا.
*ما المخرج الآن ؟
أن تبدأ القوى السياسية والتيارات الفكرية المختلفة في الدخول في حوار حقيقي لتشخيص الوضع القائم وبحث انسب البدائل للتعامل معه، وتحديد سقف زمني للنظام لإعادة ترتيب الأوضاع والتمهيد للانتخابات الرئاسية القادمة.مطلوب لقاء أولي بين رموز ثورة 25 يناير، ورموز ثورة 30 يونيو، دون مشاركة الإخوان ودون مشاركة شبكة المصالح المرتبطة بالنظام القديم.فإذا ما تمكنت هذه القوى السياسية من بدأ حوار جاد فيما بينها لوضع تصور عام حول كيفية اعادة ترتيب الأوراق وتنظيم الصفوف وإزالة الخلافات بينها,سيكون بمقدورها حينئذ تمهيد الأرضية لحوار مستقبلي فعال مع جماعة الإخوان ومع تيارات الاسلام السياسي ودفعهما للقيام بالمراجعات الفكرية والسياسية المطلوبة لإعادة تأهيلهما للاندماج في العملية السياسية. والحقيقة أن الاعتراف بالأخطاء والاعتذار للشعب ربما يكون مطلوبا من كافة القوى السياسية لفتح صفحة جديدة في تاريخ الوطن.
في تقديري أن الفترة القادمة ، وبالذات الفترة الممتدة من 30 يونيو 2017 وحتى الانتخابات الرئاسية في 2018 ستكون فترة حراك سياسي كبير وحقيقي .
*هل يمكن أن تحدد بعض تلك القوى السياسية التي يمكن التعويل عليها داخليا وخارجيا ؟
هناك أًصوات جديدة, مثل د. عصام حجي، وأخرى قديمة معظمها موجود في الخارج تسعى لطرح مبادرات, لكن هذه المبادرات لم تتبلور بعد في صيغة نهائية و بالوضوح المطلوب.
*ولكن يا دكتور يرى البعض أن هذه القوى السياسية الآن لا تسمن ولا تغني من جوع إذا قيست بالإخوان وتأثيرهم في الشارع ؟
بوسع كل قوة سياسية أن تزعم أنها القوة الأكبر والأكثر ثقلا وتمثيلا للشعب، لن يخرج البلد من مأزقه الحالي إلا تجمع سياسي حقيقي يقف على أرضية ديمقراطية وتصور سليم لكيفيةبناء دولة قوية ومجتمع متماسك. فالصندوق هو الحكم. لكن قبل الذهاب إلى الصندوق علينا تمهيد الطريق نحو تحول ديمقراطي حقيقي حتى لا تحدث انتكاسة جديدة ربما تكون أخطر من كل الانتكاسات السابقة.
يجب أن يكون الجميع قادرين على استخلاص الدروس المفيدة مما جرى، و على التعرف على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى فشل ثورة 25 يناير ثم إلى فشل 30 يونيو أيضا؟ ولماذا انقلب نظام الحكم الحالي الى نظام أمني محض, ولماذا تعيش مصر من جديد فراغا سياسيا مخيفا.
*كيف عولت يا دكتور نافعة وأنت الليبرالي المعتز بليبراليته على شخص عسكري مثل السيسي لقيادة عملية التحول الديمقراطي؟ ألا تعلم أن العسكر يجهضون أي تجربة ديمقراطية ؟
لم أعول إطلاقا على السيسي أو على اي شخص آخر يسعى لحكم فردي, ولم أذهب الى صناديق الاقتراع لانتخاب السيسي لأنني كنت على يقين أن مسألة الرئاسة حسمت ولم يعد عناك جدوى من الذهاب إلى صناديق الاقتراع، صحيح أنني أيدت حركة “تمرد” حين طالبت بانتخابات رئاسية مبكرة ثم عولت على خريطة الطريق كأداة لتحقيق تحول ديمقراطي لم تتمكن جماعة الإخوان من إنجازه، وذهبت الى الاستاذ عمرو موسى بعد اقرار الدستورفي محاولة من جانبي لإقناعه بالترشح للرئاسة قبل أن يعلن السيسي ترشيحه، وتمنيت ألا يقرر السيسي ترشيح نفسه, وتصورت وقتها أنه يمكن التوافق على شخصية مدنية مثل عمرو موسى لأنه كان قريبا من المؤسسة العسكرية التي ارتضته رئيسا للجنة الخمسين .وبرغم انتماء عمرو موسى للنظام القديم، الا أنني كنت أعتقد حينئذ أن تجربته الشخصية واعتداده بنفسه يؤهلانه لإدارة الدفة في ذلك الوقت الحرج للخروج من المأزق بسلام وعبر التنسيق مع المؤسسة العسكرية,لكن دون تمكينها من الانفراد بالحكم.وبعد أن جلست مع عمرو موسى وشرحت له وجهة نظري، قال لي إنه على يقين الآن أن السيسي سيرشح نفسه للرئاسة, وأنه لن يقبل بأن يترشح إذا قرر السيسي خوض الانتخابات الرئاسية.
*إذن عمرو موسى كان راغبا في الترشح للرئاسة ؟
نعم، ولكن قبل أن يحسم السيسي أمره ويقرر الترشح، ولكن عندما حسم السيسي أمره، رضخ موسى، وفهم اللعبة. أأما حمدين صباحي فخاطر وتقدم وتطوع، عن قصد أو عن غير قصد, بمنح الانتخابات غطاء حال دون تحولها إلى استفتاء, لكنه عرى نفسه تماما وأصبح الآن ورقة سياسية محروقة.
*كيف قرأت بيان د. البرادعي الأخير عن فض رابعة ؟
البيان عكس بالضبط شخصية البرادعي كما عرفته وكما تعاملت معه .فبيان البرادعي لا يحتوي على معلومة جديدة واحدة، كل ما ذكره في بيانه الأخير سبق له أن ذكره من قبل إما في بيان استقالته أو في ” تويتات ” كان ينشرها من وقت إلى آخر في حسابه على ” تويتر”.
*السؤال : لماذا الآن ؟
البعض ربط هذه الخطوة بطموح سياسي يتجدد لدى البرادعي من حين إلى آخر، وأنا أستبعد هذا لاعتقادي أن البرادعي أصبح ورقة محروقة، لقد جرب الرجل حظه من قبل عبرمحطات كثيرة ، وفشل فيها جميعا، وكنت شخصيا أقرب الناس اليه في مرحلة تشكيل الجمعية الوطنية للتغيير، لكنني اختلفت معه حين أدركت أنه يمكن أن يكون موظف دوليا ناجحا لكنه لا يملك المهارات التي تؤهله ليكون زعيما سياسيا حقيقيا.
كان لدى البرادعي فرصة هائلة للتغيير من داخل النظام حين أتيحت أمامه الفرصة ليصبح نائبا للرئيس، فلو أنه كان قد قرر التحدث الى الشعب من موقعه كنائب لرئيس الجمهورية, وقام بتوضيح الموقف ومكاشفة الناس بحقيقة وجود خلاف حول طريقة فض رابعة ورفضه الشخصي لاستخدام القوة، وبناء عليه ناشدجماعة الإخوان لفض الاعتصام سلميا، فلربما استطاع قلب الموازين وإنقاذ البلاد من المأزق الذي دخلت فيه.
*هل تعتقد أنه كان صادقا بشأن تلقيه تهديدات من جهات سيادية ليصمت عن فض رابعة بالقوة ؟
لاأستبعد ذلك، الجهات السيادية بإمكانها أن تهدد أي شخص حتى ولو كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، السؤال ليس هنا، السؤال الذي يتعين طرحه:لماذا رضخ البرادعي لهذه التهديدات حين وجهت؟مشكلة البرادعي ( وأنا قلت هذا للأستاذ محمد حسنين هيكل عندما كنا ذات مرة نتجاذب أطراف الحديث حول شخصية البرادعي) أنمشكلةهذا الرجل أنه يتوقع من الجماهير أن تحمله على أكتافها الى القصر الرئاسي، وحين تصل به إلى هناك ويصبح رئيسا للجمهورية بالفعل، لا أستبعد أن يعتبر وجوده في القصر الجمهوري تضحية من جانبه ينبغي على الشعب أن يقدرها وأن يعتبر نفسه محظوظا لأنه عثر على رئيس مثله يمكن أن يقبل بتحمل هذا العبء!!.
*وماذا كان رد هيكل؟
ابتسم ثم قهقه عاليا وقال يا أخي والله معاك حق .
البرادعي ليس من النوع الذي يمكن أن يقبل بتقديم تضحية من أي نوع، وليس من طبعه أن يدخل في مواجهة مع أحد، ومن هنا تأكيدي على عدم توافر صفات المناضل السياسي الحقيقي فيه, في وقت كانت مصر تبدو في أمس الحاجة إلى مناضل قادر على مخاطبة الجماهير والإمساك بزمام القيادة.
*هل كان بيانه الأخير شعورا بالذنب من كل تلك الدماء ؟
للإنصاف هو ليس مسئولا عن هذه الدماء، ومن ثم فليس هناك ما يستدعي شعورا بالذنب على هذا الصعيد, ربما يكون لديه شعور بالندم أو بالخجل لأنه لم يقم بما كان يتعين عليه القيام به.خطأ البرادعي أثناء توليه منصب نائب الرئيس، لا يقل جسامة عن أخطاء الإخوان عندما كانوا في السلطة .وإذا كانت أخطاء الإخوان أو خطأ مرسي قد مهدت لاندلاع ثورة 30 يونيو,فإن خطأ البرادعي بتقديم الاستقالة مهد الطريق لعودة الحكم العسكري في مصر، لو كان البرادعي قد صمد في موقعه أو تصرف بطريقة أخرى غير الهرب لكان من الصعب على المؤسسة العسكرية أن تستولي على السلطة بالسهولة التي تمت بها ولما تحولت إلى سلطة استبدادية مطلقة على النحو الذي تبدو عليه الآن.
*هل تعتقد أنه يملك أوراقا يمكن أن تدين نظام السيسي؟
لا، هذا ما تتمناه جماعة الإخوان، ولكن أي نوع من الأوراق يمكن أن يكون بحوزة البرادعي؟! هو فقط انحاز الى وجهة النظر الرافضة لفض رابعة بالقوة، وكانت هناك وجهات نظر أخرى تؤيد الفض السريع ولو باستخدام القوة.ما حدث يمكن اعتباره نوعا من الخلاف السياسي الذي يمكن أن تشهده اجتماعات سياسية على هذا المستوى وفي اي بلد كان، لكني لا أعتقد أن لدى البرادعي أوراقا من النوع الذي يمكن تقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية ويشكل دليل إدانة للسيسي أو للنظام الحاكم في مصرفي مسألة فض رابعة.وحتى إن كانت لدى البرادعي أوراق فلن يكون لها أي تأثير على الطريقة التي يمكن أن تحل بها الأزمة السياسية التي تواجه مصر حاليا، لذا يتعين التفكير في حلول سياسية حقيقة تنقذ المستقبل المصري بدلا من البحث عن وثائق يمكن تقديمها إلى محاكم أو مؤسسات دولية.
*أليس في القصاص حياة يا دكتور ؟
القصاص قد يكون أداة لتحقيق العدالة في مجتمعات قبلية, وحين يتعلق الأمر بجرائم جنائية يمكن التعرف على مرتكبيها والقصاص منهم, لكنه لا يصلح في مجتمعات منظمة توجد فيها سلطة مركزية تتولى تطبيق العدالة عبر إجراءات محددة تنتهي بعقد محاكمة يتاح فيها لكل الأطراف حق الدفاع عن أنفسهم وتنتهي بالنطق بالحكم وفق عقوبات منصوص عليها في القوانين المطبقة. لكن حين يتحول القصاص إلى أداة للانتقام أو للثأر فلن يشكل هذا حلا لأي مشكلة, حتى في المناطق التي تعتمد الثأر كقاعدة عرفية, فتطبيق القصاص كمرادف للتار يؤدي إلى تفاقم وتعقيد المشكلات وليس إلى حلها وبالتالي يساعد على مزيد من سفك الدماء بدلا من حقنها. القصاص يمكن أن يكون حلا عندما يصبح جزءا من عملية تحول سياسي نحو الأفضل وفي إطار قانون عدالة انتقالية يطبقه نظام أصبح ديمقراطي بعد مرحلة اضطراب واستبداد, ووفقا لعملية توافقية تستهدف تصفية الآثار الناجمة عن المرحلة الثورية المضطربة.
*بصفتك كنت من المقربين من هيكل ،هل كان فعلا ” عراب الانقلاب” ؟
لا يوجد أحد في مصر يمكن أن ينطبق عليه هذا المصطلح الإخواني، موقف هيكل السياسي من تطور الأحداث في مصر كان واضحا جدا منذ البداية ومتسقا مع موقف العديد من الرموز الثقافية والفكرية، خصوصا بعد إقدام مرسي على إصدار الإعلان الدستوري المشئوم, وقد تحمس جدا لثورة 30 يونيو ككثيرين غيره، لكنه كان بحكم وضعه الخاص وإعجاب السيسي به قادرا على الدخول في حوارات مباشرة معه في مراحل مبكرة, خصوصا عقب تأزم الوضع السياسي. لذا لا أستبعد أن يكون السيسي قد استشار هيكل حول خطوات معينة كان ينوي الإقدام عليها, لكن دور اقتصر فيما أظن على تقديم النصح, أما القرار فكان بيد أولى الأمر وهم من يتحملون مسؤوليته. وأظن أن هيكل اعتقد في لحظة معينة أن السيسي رجل المرحلة وربما يكون الوحيد القادر على القيام بأعبائها, لكني أتصور أن هيكل ما كان ليتردد عن توجيه النقد للسيسي لو قدر له أن يعايش القرارات التي اتخذها منذ وفاته. وأظن أنه وجه للسيسي انتقادات قوية, ولكن بشكل غير مباشر, في أحاديث أذيعت قبل وفاته مباشرة.
جهاز الكفتة
*هل أتيح لك أن تتعرف على رؤية هيكل الحقيقية للسيسي وموقفه من سياساته؟
كنت ألتقي بهيكل في مكتبه المطل على النيل من وقت لآخر للتعرف على وجهة نظره ومناقشته في بعض الأمور الجارية,وتصادف أن التقيت به بعد المؤتمر الذي طرح فيه اللواء “عبد العاطي” الجهاز الذي قيل أنه اخترعه لرصد وعلاج فيروس سي,وبعد أن تبين وتأكد أن الموضوع كله ضحك على الذقون وأن اللواء عبد العاطي أقرب إلى ممارسة الدجل منه إلى الطب!!في هذا اللقاء قلت لهيكل: “يا أٍستاذ هيكل أنا اشعر بقلق شديد جدا هذه الأيام؟ قال : من ايه؟ قلت له :لما يبقى وزير الدفاع الذي كان رئيسا للمخابرات العسكرية وأصبح وزيرا للدفاع، هو الذي يقترح على رئيس الجمهورية,المستشار “عدلي منصور” في ذلك الوقت, ان يحضر معه مؤتمرا للتعرف على إنجازات القوات المسلحة في مجال الطب, ويصطحبه إلى هناك بنفسه, ثم يتضح بعد ذلك ان الجهاز الذي تم عرضه في المؤتمر وأمام العالم كله مجرد “فنكوش” حسب تعبير عادل إمام, فكيف يمكن تفسير ما جرى؟. ليس لدي سوى واحد من احتمالين: إما أن السيسي لم يكن لديه أي معلومات عما سيجري في المؤتمر أو وسيلة للتحقق من مصداقية ما سيطرح فيه, وهذه في حد ذاتها مصيبة, وإما أنه يعلم ويشارك بنفسه في عملية خداع للشعب تستهدف رفع معنويات مؤقتا، وهنا تكون المصيبة أعظم.
*بم أجاب هيكل ؟
قال : والله معك حق في الشعور بالقلق، هذه بالفعل فضيحة كبرى, لكن فترات الارتباك السياسي تشهد ثغرات من هذا النوع يصعب تبريرها, لكن يجب ألا نحملها أكثر مما تحتمل. أما فيما يتعلق بي شخصيا فقد تركت هذه الحادثة, رغم تعليق هيكل الدبلوماسي,أثرها في نفسي وبدأت اشعر بضرورة توخي الحذر قبل إصدار حكم نهائي على ما يجري, ورحت أبحث عن مزيد من المعلومات عن شخصية السيسي الذي كان مجهولا لكثيرين حتى ذلك الوقت, وراح حب الاستطلاع لدي يتزايد لدي بعد إعلان السيسي عن نيته الترشح لرئاسة الدولة: كنت قلقا على مصر وكان قلقي يتزايد بمرور الوقت, وأظن أنه وصل الآن إلى مرحلة متقدمة جدا.
* قرار رفع اسم شفيق من قوائم ترقب الوصول: هل له دلالة؟ هل ثمة دور ينتظر الفريق ؟
أظنه ورقة محروقة, واستبعد أن يكون الرجل راغبا في دور سياسي في المستقبل.