بوبشير 17: تفكيك لخطاب التوسع

7 نوفمبر, 2016 - 19:36
ماء العينين

ــ بقلم: ماء العينين لكحل

أطل ملك المغرب، محمد السادس، في خطاب ألقاه يوم 6 نوفمبر من العاصمة السنغالية، دكار، بمناسبة الذكرى الأربعين لغزو الصحراء الغربية وهي المناسبة التي يخلدها المغرب كل سنة في تذكير للعالم بأجندته التوسعية. ويمكن القول أن هذا الخطاب قد ركز أساسا على البعد الأفريقي للاستراتيجية المغربية الأخيرة مع إرسال عدة رسائل لجهات متعددة على رأسها الاتحاد الأفريقي، والجمهورية الصحراوية، وشعب الريف هو والشعب المغربي إضافة بطبيعة الحال إلى موريتانيا. وسنحاول في مقالنا هذا تفكيك هذا الخطاب التوسعي وتوضيح أهم رسائله الواضحة والخفية.

رسالة الملك للاتحاد الأفريقي:

صرح ملك المغرب في خطابه إلى “أن عودة المغرب للاتحاد الأفريقي، ليست قرارا تكتيكيا، ولم تكن لحسابات ظرفية. وإنما هو قرار منطقي، جاء بعد تفكير عميق”، مما يعني أنه قرار مبيت ومدروس مع أصدقائه وأولياء نعمته وعلى رأسهم فرنسا، التي كانت دائما ترغب في السيطرة على الاتحاد الأفريقي عبر توجيه قراراته السياسية، أو في أسوأ الأحوال إفشاله وتفجيره من الداخل. وبالطبع، يمكن قراءة مساعي المغرب الأخيرة للانضمام ضمن هذه الاستراتيجية الفرنسية، ينضاف إليها بالتأكيد سعي نظام الاحتلال المغربي إلى شل منظمتنا القارية، ووقف دعمها الثابت للجمهورية الصحراوية ولنضالات الشعب الصحراوي وغيره من الشعوب الأفريقية التواقة للتحرر والتنمية والكرامة.

محمد السادس لم يكتف بهذا، بل أوضح في فقرات متتالية “إن عودة المغرب إلى أسرته المؤسسية القارية، لن تغير شيئا من مواقفنا الثابتة، بخصوص مغربية الصحراء. بل إنها ستمكننا من الدفاع عن حقوقنا المشروعة، وتصحيح المغالطات، التي يروج لها خصوم وحدتنا الترابية، خاصة داخل المنظمة الأفريقية. كما سنعمل على منع مناوراتهم، لإقحامها في قرارات تتنافى مع الأسس، التي تعتمدها الأمم المتحدة، لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل، وتتناقض مع مواقف أغلبية دول القارة”.

هنا، يُجيب ملك المغرب بكل وضوح على الاستفسارات الأفريقية التي تطالبه بتوضيح موقفه من المبادئ الأساسية الواردة في القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، والتي تقول بضرورة احترام الحدود الاستعمارية، وضرورة حل النزاعات بالطرق السلمية، واحترام السيادة الوطنية للدول الأعضاء. وهي كلها مبادئ لا يحترمها المغرب، بل ويصر في هذا الخطاب على التأكيد على استمراره في انتهاكها.

 رسالة الملك للجمهورية الصحراوية:

أما الجمهورية الصحراوية، فما تزال بالنسبة لملك الرباط “جمهورية وهمية”، حيث يرفض الملك الاعتراف بها، ويعتبر انضمامه المحتمل للاتحاد الأفريقي فرصة ربما، حسب قوله لمنع مناوراتها هي وحلفائها الأفريقيين.

وعليه، فإن الرسالة التي يوجهها محمد السادس للقيادة الصحراوية، هي رسالة مواجهة، وإصرار على الإثم، ما يستدعي ردا صارما، وممنهجا، ومدروسا من الحكومة الصحراوية لوضع حد لهذا التعنت المغربي.

رسالة الملك للشعبين الريفي والمغربي:

تبقى رسالة محمد السادس للشعبين الشقيقين الريفي والمغربي أهم الرسائل التي تضمنها خطاب الملك، حيث لم يلتفت ملك الرباط مطلقا لما يجري حاليا من مظاهرات، ومن انتفاضة للكرامة الريفية، ولكرامة المواطن المغربي ضد سياسة “اطحن امو” وسياسة التجويع والتفقير التي يمارسها نظام المخزن ضد كل الشعوب بدون استثناء.

وبالمقابل، يمكن ملاحظة اهتمام الملك بالإشارة إلى الربح والإغتناء الاقتصادي الذي سيجنيه هو وقصره، بصفته المستثمر الأساسي في كل المشاريع التي وعد بها بعض الدول الأفريقية، حيث أن أهم ثمار ما أسماها بالسياسة المغربية في أفريقيا هو: “تعزيز الحضور الاقتصادي للمغرب، وتطوير علاقاته مع مختلف دول القارة”، إضافة بطبيعة الحال إلى شراء الدعم لغزو الصحراء الغربية.

إذا، المواطن المغربي، والمواطن الريفي المنتفضين في وجه آلة القمع المخزنية، ما يزالان في ضمير ملك المغرب وفي اعتباره مجرد “أوباش”، وفي أفضل الحالات مجرد “إنفاصاليين” و”دعاة فتنة”. وكأننا نستمع من جديد لصوت أبيه الراحل، الحسن الثاني، يرتفع من قبره مطالبا بالمزيد من “طحن” الشعوب ليبقى القصر وأزلامه فوق الجميع.

رسالة الملك لموريتانيا:

لنصل إلى الرسالة التي وجهها ملك المغرب لموريتانيا، ولكل شمال أفريقيا، من خلال إلقائه لخطابه، المفترض أنه وطني، من قلب عاصمة السنغال. الرسالة بكل بساطة مفادها أن الحلم التوسعي المغربي لم ينته بعد، ولن يقف بالتأكيد عند استكمال احتلال الرباط للصحراء الغربية، بل سيمتد إلى ما وراء نهر السنغال.

وبطبيعة الحال، سبق هذه الخطوة مجموعة من الإشارات التي لم يكن آخرها مطالبة المغرب بلكويرة، ثم محاولته فرض أمر واقع في الكركرات، ناهيك عن أزمته التي دامت الآن لأكثر من خمس سنوات مع موريتانيا. ما يقلق المغرب من موريتانيا أن هذه الأخيرة تعمل وتصر على الاحتفاظ باستقلالها السياسي، وترفض الخضوع لإملاءات مغربية أو فرنسية في مجموعة من الملفات. كما أن توصل موريتانيا للحد الأدنى من التفاهم، ومن علاقات حسن الجوار مع الحكومة الصحراوية يشكل بالنسبة للمغرب صدمة وقلقا كبيرين، لأن غاية الرباط الرئيسية هي دفع المنطقة إلى الفوضى العارمة، عبر تصدير مخدراته، وتشجيع الجريمة المنظمة التي يديرها جنرالات ومخابرات القصر أو يساهمون في إدارتها، وطبعا تشجيع بعض الحركات الإرهابية المحسوبة على المخابرات المغربية لإغراق موريتانيا والصحراء الغربية والجزائر في مستنقع جديد من العنف والإرهاب.

خلاصات عامة:

إن إقدام ملك المغرب على إلقاء خطابه بمناسبة غزو الصحراء الغربية من السنغال، يشير إلى مجموعة من الحقائق التي يجب الانتباه إليها وهي كالتالي:

1ــ قلق النظام المخزني مما يجري في المغرب وفي الريف من مظاهرات وانتفاضات ضد الظلم السياسي والاجتماعي، حيث رأى اختيار السنغال، كما قال هو نفسه، “لمكانته المتميزة في أفريقيا، بفضل نموذجه، الديمقراطي التاريخي، واستقراره السياسي والاجتماعي، وديناميته الاقتصادية”، بمعنى أن كل هذه العناصر مفقودة في مملكته، وبالتالي راح يبحث عنها خارجها ليلقي خطابه.

2ــ خاطب محمد السادس المغاربة والأفارقة من دكار ليجدد لهم التأكيد على مواصلة المغرب سياسته الاستعمارية والتوسعية في الصحراء الغربية، وليهدد ضمنيا موريتانيا، التي باتت الآن محاصرة من قبل الرباط وحكومة دكار ولا نقول الشعب السنغالي.

3ــ أراد الملك أن يوجه رسالة تحدي للاتحاد الأفريقي، حيث يصر على أنه سينضم لهذه المنظمة بقوة علاقاته، بغض النظر عن شرعيتها، مع إصراره على مواصلة سياساته الاستعمارية، وفي هذا إهانة واضحة للاتحاد الأفريقي الذي ادعى دائما رفضه للاستعمار، ومناهضته للإحتلال والعنصرية.

وفي الختام، لا بد من الإشارة إلى أن المواجهة الصحراوية مع نظام الاحتلال قد دخلت الآن مرحلة جديدة بالكامل، وتوسعت ساحاتها وتعددت بحيث بات من الضروري اعتماد أساليب، وأدوات واستراتيجيات جديدة وشاملة لإدارتها وتحقيق انتصارات نرتقبها ويرتقبها العالم الحر بكل شوق.

المصدر