يطلق الموريتانيون على زوجة الرئيس لقب “الرئيسة”. ويفضلون هذا اللقب على “السيدة الأولى”. وبما أنّ الأحداث السياسية والانقلابات في موريتانيا جاءت بالعديد من الرؤساء، فهوية الرئيسة كانت تتغير بتغير الرئيس.
تتركز اهتمامات زوجات الرؤساء في موريتانيا على بعض الأنشطة الخاصة بالطفولة والتعليم والمرأة. وغالباً ما يشرفن على المهام البروتوكولية داخل القصر، وعلى بعض الأنشطة الخيرية والاجتماعية والدبلوماسية التي تخدم شعبية الرئيس وتدعم مكانته محلياً ودولياً.
لكن بعض رئيسات موريتانيا تجاوزن الحدود المرسومة لهن، وتدخلن في الحكم. وهو ما شكّل مأخذاً على بعض الرؤساء، تسبب في الإطاحة بهم في انقلابات عسكرية.
ولا يخفى على أحد في موريتانيا تأثير السيدات الأوّل على سياسة الدولة، بدءاً بتعيين وإقالة كبار المسؤولين، والتدخل في الصفقات العمومية، وانتهاء بتسيير ثروة الرئيس واستثماراته. وتؤكد الأحداث والوقائع تورط بعض السيدات الأوّل في إساءة استخدام السلطة واستغلال النفوذ. حتى وصل الأمر إلى محاكمة إحداهن.
وغالباً ما تمثل مرحلة أواخر عهد الرؤساء ذروة فرض الرئيسات سيطرتهن ونفوذهن. فالرؤساء الثمانية الذين حكموا موريتانيا منذ استقلالها عام 1960 عن فرنسا، تركوا الحرية كاملة لزوجاتهم في الظهور العلني، والتأثير في توجهات النظام. لكنّ هذا الظهور رافقته أخطاء وعثرات تسببت في خلاف مع الصحافة والسياسيين، وحتى الفنانين.
من جهته، يقول الباحث سيدي أحمد ولد جدو إنّ “طبيعة المجتمع الموريتاني تمنح للرئيسة نفوذاً أكبر من مثيلاتها في دول أخرى. لأنّ المحيط الاجتماعي يكلف المرأة الموريتانية، في أي وسط، بمهمة تسيير حياة الرجل والتحكم بكل ما يحوم بهذا الوسط. وترتفع قيمة هذه السلطة الاجتماعية تبعاً للمركز الذي يحتله الزوج. ولأنّ المناصب السياسية والإدارية مرتبطة في موريتانيا بسلطة القبيلة وبالاصطفافات العشائرية، فإنّ المرأة تلعب الدور الرئيسي في تبوؤ الرجل مركزاً، بسبب ثقل قبيلتها وتأثيرها في وسطها الاجتماعي”.
ويضيف: “طبقاً لهذه المعادلة، فإنّ المركز الذي يحصل عليه الرجل هو نتاج عمل وتأثير وسطه الاجتماعي، وعلى رأسه الزوجة. في المقابل، فإنّ الزوجة تعمل على استغلال نفوذ زوجها حين يصل إلى مركز مرموق. وتدعم حاشيته بالتعيينات والعطايا؛ حماية لمركز الزوج، واحتراما لتوازنات اجتماعية وعشائرية”.
ويشير الباحث إلى أنّ “ثقل زوجة المسؤول يظهر في التقدير الذي تحظى به واللقب الذي يطلق عليها. فحرم الوزير وزيرة، وحرم المدير مديرة، وحرم السفير سفيرة”. ويعتبر أنّ تأثير السيدات الأوّل في موريتانيا مستمد من هذه القاعدة. لكنه يؤكد أنّ “أخطاء بعضهن الكارثية تسببت في تغيير الحكم، وتهديد حياة أزواجهن”.
وتعتبرختو منت البخاري ، السيدة الأولى الأكثر جدلاً بين رئيسات موريتانيا، بسبب نفوذها القوي إبان حكم زوجها الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبدالله (2007-2008)، وتدخلها في شؤون الدولة وماليتها. وقد تسبب خلافها مع جنرالات الجيش في انقلاب عسكري أنهى حكم الرئيس ولد الشيخ عبدالله، وتمت محاكمته بتهم استغلال النفوذ والفساد.
وفرضت ختو بنت البخاري نفسها على المشهد السياسي، مع إعلان ترشح زوجها سيدي ولد الشيخ عبدالله للانتخابات الرئاسية، وكانت محط اهتمام الصحافة وجميع الموريتانيين. ولعبت دورا محوريا في الحملة التي قادت زوجها إلى الحكم.
وظهرت في وسائل الإعلام تعرض مشاريعها وآراءها في القضايا الاجتماعية. كما أنشأت هيئة خيرية باسمها، وجلبت التبرعات والتمويلات، بفضل علاقاتها الواسعة. ودخلت في جدال مع الصحافة التي انتقدت تزايد نفوذها، وفي مواجهة مع نواب طالبوا بالتحقيق في مصادر تمويل هيئتها.
وفي أعقاب الأزمة السياسية التي عاشتها موريتانيا عام 2008، وتشديد الخناق على الرئيس سيدي ولد الشيخ عبدالله، والمطالبة باستقالته أو عزله، أقنعت ختو بنت البخاري زوجها بإحالة الجنرالات إلى التقاعد، بسبب “تدخلهم الواضح في السياسة”. فنفذ الجنرالات انقلابا قبل إذاعة بيان إقالتهم.
وبعد الإطاحة بحكم زوجها، واجهت بنت البخاري تهما بالفساد المالي، واستغلال السلطة. واقتحمت الشرطة منزلها عدة مرات، واقتادتها قسراً إلى التحقيق. لكن تم تجميد جميع الدعاوى القضائية ضدها، بعد أن توصل الفرقاء السياسيون في موريتانيا إلى اتفاق يقضي باستقالة الرئيس، وتنظيم انتخابات جديدة.
كما أنّ زوجة الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع لها حصة من الجدل أيضاً. فقد تنعّمت عائشة بنت الطلبة بلقب “الرئيسة” أطول فترة مقارنة بنظيراتها (1984-2005). ويعتبرها الكثير من المراقبين من أسباب الانقلاب على حكم ولد الطايع. كما تتهمها المعارضة بالتورط في ملفات فساد، والتربح غير المشروع في قطاعي العقارات والنفط.
وأثار حفل زفاف ابنة الرئيس الموريتاني على الطريقة التقليدية المغربية جدلا واسعا في الشارع الموريتاني، واحتدم الجدل على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حول أسباب تخلي الأسرة الحاكمة عن تقاليد موريتانيا العريقة في الاحتفال بالزواج.
وظهرت ابنة الرئيس محمد ولد عبد العزيز في حفل زفافها الذي نظم الخميس الماضي، في زي مغربي في مختلف مراحل العرس بينما ارتدى العريس جلبابا مغربيا، وأحيت العرس فرق موسيقية مغربية، كما تمت الاستعانة بمنظمي حفلات الزفاف المغربية لحمل العروس على هودج “العمارية”، طبقا لتقاليد المغرب.
ويبدو أن عائلة الرئيس لم تخطط لظهور صور ومقاطع فيديو لحفل الزفاف وانتشارها على نطاق واسع.
وزاد من حدة الجدل والانتقاد تقديس المجتمع الموريتاني لأعراف العرس التقليدي، الذي يفرض على العروس ارتداء “ملحفة” سوداء وعليها رداء أبيض وتغطى وجهها استحياءً وتعبيرا منها عن عدم رغبتها في الزواج، بينما يرتدي العريس “دراعة” بيضاء وعليها رداء أسود.
كما أن الأعراس الموريتانية لا تحييها إلا الفرق الموسيقية المحلية التي تعطي للزفة التقليدية نكهة خاصة.
واستأثر العرس باهتمام مواقع التواصل الاجتماعي بين من اعتبر الأمر اعتداءا صارخاً على التقاليد الموريتانية، وبين من يراه حرية شخصية ومسألة ذوق، خاصة أن العروس ابنة الرئيس أمضت فترات من حياتها في المغرب، وانتقدت غالبية المعلقين تصرف الأسرة الحاكمة لكونها “أول من يتنكر للعادات والقيم الأصيلة”.
واعتبر رواد مواقع التواصل الاجتماعي إحياء زفاف كريمة الرئيس على الطريقة المغربية خروجا على التقاليد وتنكرا للأعراف والقيم الأصيلة للمجتمع، وقال بعضهم أن “ظهور ابنة الرئيس ليلة زفافها في زي بلد آخر قد يُفهم منه عدم انتماء أو تقليل من شأن البلد وإن لم تقصد ذلك”.
وذهب بعض المعلقين في تبريره لاختيار تقاليد المغرب في عرس ابنة الرئيس بأن أصول عائلة الرئيس وزوجته ظهرت جليا في عرس كريمته، بينما يرى آخرون أن الإعجاب بتقاليد أعراس المغرب هي السبب الرئيسي لاختيارها كطريقة للاحتفال بالعرس، لكنهم عابوا على المنظمين عدم المزاوجة بينها وبين تقاليد موريتانيا.
العربية نت (مع تصرف في العنوان)