صرح الناطق بإسم الأمين العام، الفرنسي ستيفا دو جاريك، أن الامم المتحدة تباشر حوارا مع الجانبين المغرب والبوليساريو، والدول المعنية مباشرة للنصح بضبط النفس وتحديد إمكانيات حل أزمة الكركارات، فما هي هذه الإمكانيات التي تخوض فيها الأمم المتحدة مع الطرفين؟ وتلك التي ينفتح عليه التوتر والتصعيد؟
أولا: إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه وبقاء ما كان على ما كان!؟
حسب ما ورد في التقرير، الذي تحدثت عنه جريدة الواشنطن بوسط بتاريخ 29 غشت الماضي، والذي لم تتم مناقشته اليوم، الجمعة 9 شتنبر، مفاده توجيه الأمم المتحدة إتهام لكل من المغرب كما البوليساريو بخرق إتفاق وقف اطلاق النار، فإن الخيار الذي يشتغل عليه مسؤولوا الأمم المتحدة حاليا في علاقة بأزمة الكركارات، هو الصغط على الجانبين لإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، وبقاء ما كان على مكان.
و هذا الطرح ينسجم مع سابق طلب الأمين العام للأمم المتحدة الموجه إلى الطرفين ب “تعليق كل عمل يؤثر على الوضع القائم، والى سحب كل العناصر المسلحين لمنع مزيد من التصعيد”، ودعوته للطرفين بعدم خرق شروط قف اطلاق النار .
غير أن هذا الوضع يستفيد منه طرف البوليساريو بتحقيق فوز تكتيكي، ميدانيا وسياسيا، ويتضرر منه المغرب، كما سيترتب عنه ضرورة الإتفاق على طريقة لتنفيذ جزء من الهدف الظاهر والمعلن في الخطة المغربية بتعبيد الطريق التي بدأه؟ و يستتبع ذلك إشكال آخر، في من سيتكفل بتلك الأسغال؟. ومن سيؤدي ثمن الإنجاز؟ تبعاً للنتائج والآثار السياسية والقانونيية التي تنتج عن ذلك؟
ثانيا: فشل الأمم المتحدة في السيطرة على النزاع العارض لتصلب الطرفين!؟
يعتبر المغرب أن تدخله خلف الجدار الدفاعي لتمشيطه، حق يؤول له، و له علاقة مباشرة بأمنه القومي، يعزز موقفه الأدلة المادية التي حصل في إطار تدخله تطال ضبط أشخاص من لاجئي تندوف، لهم علاقة بالإتجار الدولي في المخدرات، و حجز موجودات وسيارات مسروقة، وعربات مزورة، كما يدفع بكون المنطقة كانت تحت إدارته المباشرة، وتخضع لتقطيع إدارته الداخلية، وأن البوليساريو هو الذي خرق وقف إطلاق النار بتدخله بواسطة مقاتليه لعرقلة العملية وعرقلة حرية عمل تعبيد الطريق.
وبالمقابل فإن البوليساريو تتذرع بأن خروج القوات المغربية خارج الجدار ودخولها إلى منطقة الكركارات، التي تعتبرها عازلك، و تشييد طريق، هو السبب المباشر لتدخلها في المنطقة، التي كانت من مسؤولية الأمم المتحدة، ثم انتقلت للدفع أنها محررة، وتشترط وترهن تراجعها وإخلاء المكان والمنطقة برجوع القوات المغربية إلى أماكنها، و توقف أسغال تعبيد الطريق ، وبناء المينورسو لمركز مراقبة في المنطقة.
وهذه المرافعات المتقابلة، هو التصور الأقرب لفحوى أجوبة الطرفين على الإتصالات التي تباشرها الأمم المتحدة حاليا على أعلى مستوى. بينما انحصر عمل قوات المينورسو في الميدان، و منصب على توجيه النصح للعناصر الأمنية للطرفين لضبط النفس، وعدم صدور أي تصرف أو سلوك إستفزازي من قبلهما، و انتظار ما تسفر عنه الإتصالات المتخذة من طرف الأمم المتحدة على أعلى مستوى بينهما وع الدول المعنية.
وهذا الوضع من المرجح أن يستمر طويلا، فهو نسخة طبق الأصل ومصغر لفشل وتعليق المفاوضات المباشرة، التي انطلقت سنة 2007، بغية الوصول إلى حل سياسي متفق ومتوافق عليه ينهي النزاع، غير أن مأزق العملية السياسية برمتها، والتي إنحصرت و توقفت كان بسبب تصلب الأطراف في وجهات نظرهما، وتمسكهما بمبادراتهما المقدمة منذ 2007، ونفس الشيء هو الذي يحصل الآن بينهما بسبب أزمة الكركارات.
وهذا المؤشر لا يعطي كثيرا من الأمل لإحتمال إنفراج سريع، وبسهولة للوضع الحالي في الكركارات. وهو ما يحلينا مباشرة إلى مناقشة السيناريو الثالث، وتداعياته؟
ثالثا: إندلاع إقتتال، ودحر المغرب لمقاتلي البوليساريو، و نشوب حرب شاملة!؟
في حالة عدم إدراك حل في إطار الإحتمال الأول، و بقاء الوضع على حالته الحالية، والمشار إليه في السيناريو الثاني، فإن إحتكاك العناصر في الميدان، و إندلاع قتال ونشوب حرب، هو الإحتمال المرجح أكثر، لأن قوات الجانبين، متمركزة بعضها البعض على مسافة قريبة لا تنيف على مائة وعشرون مترا، حسب الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك.
وهو حالة شاذة و غير طبيعية، إذ قد تسبب حركة أو إشارة إستفزازية لعنصر من عناصر أحد الجانبين المرابطة في عين المكان ، تحت ضغط النفسي في احتكاك مباشر.
يزيد منه حاجة الأطراف إلى مثل هذه العملية، استجابة لغط فئة الشباب وصقور القيادة لدى البوليساريو، ولتخفيف الصغط الكثيف والمتنوع الذي يمارس على الديبلوماسية المغربية.
هذا، دون نسيان حاجة دول الجوار المعنية إلى قيام ذلك التوتر، فالجزائر ترى فيه متنفس لتصدير أزمتها، وإيجاد تيسير لتدبير ما بعد بوتفليقة، و نفس الشيء لدى رئاسة موريتانيا، لعل الجنرال محمد عبد العزيز يجد في الحرب ثغرة للإستمرار في السلطة، بعد إستنفاذ ولاياته الدستورية، وفشله في الحوار لتعديل الدستور ليسمح له بولاية أخرى.
و يلعب الوقت بتعداد الساعات و الأيام دورا كبيرا في إحتمال حدوث هذا السيناريو المشؤوم، بالنظر إلى التقابل المباشر للقوات وجها لوجه وعلى بعد جد قريبة.
رابعاً: تداعيات الإقتتال السياسية، ، والأممية، وعلى أمن واستقرار المنطقة ؟
إن بداية حرب، والتي تقع في غالب الأحيان بسبب مزاج البشر، أسهل بكثير من التحكم في وقف وضبط عملياتها، أو الرضوخ لأمر جهة في سبيل ذلك، و هو ما يضع المنطقة كاملة تحت التهديد بالخطر المباشر، فلا أحد يقدر على ضبط مدى الحرب؟ وحدودها؟ وامتداداتها؟ ووقتها؟
لكن، يبدو ويظهر أن البوليساريو التي حصلت لديها قناعة في تحقيقها لغاية إعلامية، و سياسية، وداخلية لديها من الوضع القائم، تصر على المغامرة ببعض عناصرها في حالة قيام إقتتال لتحقيق مبتغى آخر.
ذلك أن بداهة دحر القوات المغربية لثلة من مقاتليها، الذين أرسلتهم عنوة وبقصد التضحية بهم، هو غايتها الأساسية في إختيارها التدخل لوقوع الإحتكاك، وقد يكون ظنها أن القتال وقتي ومحدود، لتظهر غذاته بمظهر الضحية، تدغدغ به عواطف المجموعة الدولية، وتستميلها للوقوف في صفها وبجانبها، بإدعاء عدم التوازن في القوة.
و هي تقدر أن من شأن ذلك توفير فرصة وذريعة على الأمم المتحدة، لنقل الملف إلى الفصل السابع، وفرض مبادرتها على المغرب ، تبعا لارتباط النزاع برمته في نظر مجلس الأمن بالسلم والأمن العالميين، يشكله قيام الحرب الشاملة بين الجميع لتصفية كل الحسابات والضغائن الخفية .
على سبيل الختم
إن إرادة إختيار الدخول في حرب جديدة، أكان بسعي جهة واحدة؟، أو بتطابق إرادتين أو أكثر؟ معناه نهاية لمسلسل المفاوضات! و دخول الجميع في حرب شاملة تطال الجميع، ولا تستثني أحداً.
وسيسمح ذلك المناخ للفوضى العارمة ، وتحويل المنطقة إلى هشة، وملاذ لجماعات التطرف والإرهاب وللتدخل الأجنبي، ويعصف باستقرارها. وسيبقى وحده الميدان، والقوة، هو الذي سيفرض الحلول، المجهولة الوصف، و العسيرة في ضبط حدودها و أطرافها، والوقت الذي قد تستغرقه.
صبري الحو
محامي بمكناس
خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء.
عن "راي اليوم"