
ماذا نقول إزاء سيل المعلومات المستفزة التي تتداولها الصحف الإسرائيلية عن مصر؟ ذلك أنه إزاء الصمت الرسمي المصري فضلا عن القيود والضوابط المفروضة حول تداول المعلومات، فإن الواحد منا يسعى جاهدا لأن يكتم غيظه ولا يملك أكثر من التساؤل عن مدى صحة ما يذاع وينشر، راجيا أن يتولى أولو الأمر «تنويرنا» يوما ما إما بتصويب أو نفي أو حتى تأكيد تلك المعلومات. وليتهم يحيطوننا علما بذلك في وقت مناسب قبل أن تقع «الفأس في الرأس» ونفقد القدرة على كتمان الغيظ.
لا أخفي أنني من جيل يعتبر كراهية الصهاينة فرض عين على كل مواطن شريف، لذلك فالأصل أن كل من يصدر عن الإعلام الإسرائيلي سيئ النية ومشكوك فيه، إذ القاعدة عندي تلخصها عبارة «كذب الإسرائيليون ولو صدقوا»، إلا أن الاقتناع بذلك لا يشفي الغليل أو يبدد الغيظ، الذي يمكن أن يتكفل به التصويب أو النفي المصريان. وبالمناسبة فإن المرء لا يستطيع أن يخفي حيرته إزاء مسارعة المتحدث باسم الخارجية المصرية أو المصادر السيادية الغامضة إلى التعقيب على ما تنشره المنظمات الحقوقية الدولية أو بعض الصحف الأمريكية الناقدة لمصر أو على التصريحات التي تصدر عن بعض «الأعدقاء» ــ تركيا وقطر مثلا ــ في حين تلتزم تلك المصادر الصمت إزاء التسريبات التي يتداولها الإعلام الإسرائيلي رغم حساسيتها وأهميتها.
ما دفعني إلى إيراد تلك المقدمة أن بعض الصحف الإسرائيلية تداولت في خلال الأسبوع الماضي أخبارا وتعليقات مثيرة بخصوص نشاط عسكري تقوم به إسرائيل في سيناء، ولم أجد لها صدى يذكر في القاهرة، فقد نشرت صحيفة «يديعوت أحرنوت» يوم الأربعاء الماضي (13 /7) تعليقا لمراسلها العسكري إليكس فيشمان انتقد فيه التسريب الإسرائيلي بشأن قصف مواقع «داعش» في سيناء، وقال إن التسريب سبب أضرارا فادحة لكل من القاهرة وتل أبيب، حيث عبر عن قلقه من أن يؤدي التسريب إلى إعاقة التعاون بين البلدين للقضاء على أنصار داعش الذي يمثل مصلحة مشتركة بينهما.
في الوقت ذاته كان ألوف بن دافيد معلق الشؤون العسكرية في القناة التلفزيونية العاشرة بإسرائيل قد كشف النقاب عن أن الدولة العبرية قامت بتنفيذ أعمال عسكرية سرية للغاية داخل الحدود المصرية، ولم يوضح ما إذا كان ذلك تم بتنسيق مع السلطات المصرية أم لا.
على صعيد آخر نشرت يديعوت أحرونوت مقالة لكبير محلليها العسكريين رون بن يشاى ذكر فيه أن الحكومة الإسرائيلية أحرجت بعدما نشرت بعض وسائل الإعلام المحلية والغربية تصريحات لأكثر من مسؤول إسرائيلي ذكروا فيها أن إسرائيل تنفذ غارات في قلب سيناء، إذ اعتبرت أن تداول مثل تلك التصريحات من شأنه أن يسبب حرجا لا تريده للسلطات المصرية التي لم تشر إلى الموضوع من قريب أو بعيد، إلا أن ابن يشاى أكد المعلومات السابقة قائلا إن بعض الغارات داخل سيناء تمت دون تنسيق مع مصر. وأشار إلى أن ذلك لا يحدث إلا إذا تأكد لدى الاستخبارات أن الجماعات النشطة في سيناء تخطط لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل.
أضاف في هذا الصدد أن المخابرات الداخلية (الشاباك) شكلت وحدة خاصة لجمع المعلومات عن داعش في سيناء، والمعلومات التي تجمعها في هذا الصدد يتم إبلاغها للمصريين أولا بأول.
مما ذكره أيضا كبير المعلقين العسكريين بالصحيفة أن الجيش الإسرائيلي شن غارات جوية في قلب سيناء في شهر أغسطس عام 2013 ردا على إطلاق جماعة داعش صواريخ استهدفت إسرائيل، كما أن إسرائيل شنت في شهر مايو عام 2014 غارة بدون طيار استهدفت قتل شادي المنيعي قائد تنظيم داعش بسيناء وثلاثة من رفاقه.
جدير بالملاحظة في هذا الصدد أن موضوع غارات إسرائيل داخل سيناء أصبح محلا للتجاذب وتبادل الاتهامات بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وبين خصومه السياسيين. إذ ذكر موقع «يسرائيل بلس» يوم الأربعاء الماضي 13/ 7) أن مقربين من نتنياهو يتهمون خصمه ووزير حربه السابق موشيه يعلون بالكشف عن المعلومات لإحراج رئيس الوزراء، في حين أن يعلون يتهم نتنياهو بتسريب المعلومات.
وعلى ذكر التدخلات العسكرية الإسرائيلية فإن نتنياهو كشف بنفسه النقاب في العاشر من شهر مايو الماضي عن أن تل أبيب هددت القاهرة بإرسال قوات عسكرية إلى مصر إبان اقتحام سفارتها في أعقاب ثورة 25 يناير 2011.
الجدل حول النشاط العسكري الإسرائيلى في سيناء، يذكرنا بالتصريحات الغريبة التي أدلى بها في شهر فبراير الماضي وزير الطاقة والبنى التحتية نوفال شطاينتس إذ ذكر أن مصر أغرقت أنفاق غزة بالمياه بناء على طلب إسرائيلي، وهو التصريح الذي مر آنذاك دون تعقيب أو أي رد فعل من القاهرة.
أكرر بأنني لا أثق في المعلومات التي تخرج من إسرائيل، وأكذبها وأنا مغمض العينين، مع ذلك فإن صداها المرجو في مصر إذا سمع فإنه لابد أن يريح القلب ويجبر الخاطر، وفي غيبة ذلك الصدى الذي نفتقده فإننا لا نستطيع أن نخفي الشعور بالقلق والخوف، كما أننا لا نستطيع أن نبقى طويلا نهبا للحيرة إزاء تلك التقارير التي لا نفهم بعضها ولا نكاد نصدق البعض الآخر.
فهمي هويدي