من أسرار قمة الأقوياء

11 يوليو, 2016 - 18:19

كشف النقاب أخيرا عن أن تقسيم تركة الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى لم يتم فقط بين وزير الخارجية البريطاني مارك سايكس ونظيره الفرنسي جورج بيكو.

 لكن طرفا روسيا ثالثا كان موجودا على الطاولة وحضر القسمة لكنه لم يفز بحصته منها فأفلتت تركيا من القبضة الروسية. دلتنا على الاكتشاف قناة «روسيا اليوم» التي بثت يوم 25يونيو الماضي برنامجا بمناسبة مرور مائة عام على توقيع اتفاقية سايكس بيكو في أعقاب الحرب العالمية الأولى (عام 1916). إذ في ثنايا برنامج «رحلة في الذاكرة» الذي تابعه موقع «الخليج أون لاين»، عرضت القناة لأول مرة وثيقة من الأرشيف الشخصي لوزير خارجية الإمبراطورية الروسية سيرجي سازونوف ذكر في إحدى فقراتها ما يلى: «أثناء مفاوضاتي الشخصية مع السير مارك سايكس، والسيد جورج بيكو، تم إعداد وتدقيق المكتسبات الإقليمية من أراضي الإمبراطورية العثمانية، وفي أبريل 1916، وبانتهاء هذه المفاوضات، واستيضاح الرغبات، أخبرتهما بموافقة حكومة الإمبراطورية الروسية على المطالب التي تقدم بها كل من الطرفين، الإنجليزي والفرنسي، فيما يتعلق بإلحاق بلاد الرافدين بإنجلترا، وإلحاق سوريا وكيليكيا بفرنسا، شريطة أن تحصل روسيا في آسيا الوسطى الصغرى على أرضروم، وطرابزون، وبدليس، وصولا إلى نقطة عند ساحل البحر الأسود يتم تحديدها عند ترسيم الحدود الجديدة». أضاف الوزير الروسي قوله إن «جزء كردستان الذي يقع إلى الجنوب من فان وبدليس يجب أن يلحق أيضا بروسيا، مقابل الأراضي الواسعة التي حصلت عليها فرنسا في آسيا الصغرى».
سجل سازونوف في الوثيقة أن تلك هي الخطوط العريضة للاتفاقية التي توصلت إليها الحكومة الروسية مع مفوضي إنجلترا وفرنسا عام 1916 مضيفا أن «الاتفاقية تضمنت بندا منفصلا يشير إلى أن الشرط الأساسي لسريان مفعولها»، هو تحديد «الاستمرار في الحرب (العالمية الأولى) حتى نهايتها المظفرة». واستطرد قائلا: «كنت مؤمنا إيمانا لا يتزعزع بانتصار الوفاق الثلاثي وإرادة أطرافه الصلبة بإيصال القضية حتى نهايتها، ولم أكن أتوقع أن وطني، روسيا، الدولة العظمى الوحيدة التي لن تنفذ الشرط الأساسى انسحبت من الحرب بناء على إرادة قادة الثورة (البلشفية)، وذلك في الوقت الذي لم يتبق فيه وقت أمامها سوى أن تبذل مجهودها الأخير في الحرب لتنتصر وتجني ثمار ثلاث سنوات من الصراع المرير».
حين اندلعت عام 1917 في شهر أكتوبر الثورة التي قادها البلاشفة كان النص على الاستمرار بالحرب حتى نهايتها المظفرة يعد شكليا، لأن الجميع كانوا يريدون الانتصار على العدو، إلا أن الثورة البلشفية أعطت ذلك الشرط الشكلي مضمونا فعليا، الأمر الذي ضيع على روسيا فرحتها التاريخية.
علق على الوثيقة سيمون باغداساروف مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وبلدات آسيا الوسطى في موسكو قائلا إنه: «كان من المفترض ــ بحسب الاتفاقية ــ وباعتراف فرنسا وإنجلترا، أن تلحق بالإمبراطورية الروسية، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى كل من منطقة البوسفور والدردنيل، والقسطنطينية، وجزء من أرمينيا الغربية، تشمل بدليس، وفان، وطرابزون، وأرضروم، ومقاطعة كردستان، والأراضي التي دونها حتى نهر دجلة (...) وهو ما كان سيحقق مكسبا هائلا لروسيا. إذ لولا الثورة البلشفية لكانت ضمت كل تلك المناطق إلى الإمبراطورية الروسية. ورأى باغداساروف، أن روسيا خسرت «بالفعل فرصا هائلة إرضاء للماركسية وأيديولوجيا كانت آنذاك غريبة عن الشعب الروسي، لذلك أدت إلى الحرب الأهلية الدامية، أي إن روسيا أضاعت فرصة التقدم باتجاه الجنوب نحو البوسفور والدردنيل، وخسرت مطامحها بالسيطرة على القسطنطينية».
وبحسب الباحث الروسى فإن «2 مليون عسكري روسى قتلوا في الحرب العالمية الأولى وبالنهاية كان الانقلاب البلشفى حصيلة تلك الحرب (...) منذ ذلك الحين ظل الخطر الأكبر في الإمبراطورية الروسية متمثلا في العدو الداخلي الذي يثير الفتنة وليس العدو الخارجي».
أضاف باغداساروف قوله: مهما كان ما طمحت روسيا إلى ضمه قبل 100عام، فإنها بعد ذلك التاريخ خسرت ليس فقط مليون كم متر مربع من الأراضي التي ضمنتها لها الاتفاقية، بل خسرت أيضا دولا نالت استقلالها عما عرف لاحقا باسم الاتحاد السوفييتي، وهي اليوم رغم خوضها حربا ضد الشعب السوري مع حليفها نظام بشار الأسد، وضمها إقليم القرم من أوكرانيا، إلا أنها أوهن من أي وقت مضى في تاريخها.
يبقى بعد ذلك سؤال كبير حول أهداف وسائل الإعلام الروسية من بث هذه الوثائق التي تتحدث عن القسطنطينية واستعادتها، والأحلام الروسية في التركة العثمانية، بالخصوص مع تأزم العلاقات بين أنقرة وموسكو، عقب تدخل الأخيرة في الحرب مع الأسد ضد الشعب السوري، وإسقاط تركيا لطائرة حربية روسية تخطت مرارا حدودها وسيادتها، والأزمة التي ترتبت على ذلك بين موسكو وأنقرة.

فهمي هويدي