رمضان.. طغيان السياسة وتراجع الإحسان

21 يونيو, 2016 - 00:28

"من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". أخرجه البخاري.
كان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم، منهم عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ وداود الطائي ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين.   
مرت العشر الأوائل ومعها نصف الأواسط وترقب العشر الأواخر ولم تشهد الحياة الرمضانية من الإحياء المفعم على العادة بالرحمة و الإخاء والتعاطف إلا ما يكون من هذه المرة ، وعلى عكس السنوات الخوالي، من موائد الإفطار المضمخة بالسياسية تنظمها الأحزاب في انتقائية شديدة للأماكن التي تبسط فيها فرشها وللضيوف المنتقين حسب الأدوار و المراكز والوظائف والمواقف لينعموا بمتنوع خوانها الفاخر من مأكل ومشرب ومصدر إطراء، ويتادارسوا حولها الآراء والمسائل والقضايا التي يتناقشون فيها ويتجادلون في أبعادها ويستنبطون الأدوار والمهام المنوط بهم اتخاذها أو القيام بها وكذا المواقف حيالها. 
حقيقة مرة نغصت على الفقراء وأضعفت نكهة الشهر. فهل قست قلوب ميسوري الحال والذين لهم بسطة في الرزق ورجال الاعمال أم أن الإختلاف كامن في الأجيال، ومن مضوا من أهلها أو عرفوا أوضاعا من الضعف طارئة كانوا هم الأمة التي خلت بما كسبت من الأجر لها، وأما الجدد الذين تغمرهم الدنيا منذ حين بمتاعها فأمة يكون لها ما تكسب هي كذلك؟ 
حقيقة مرة أيضا لأنها تركت غصة في الحلوق وخلقت واقعا مؤسفا لشهر كريم خلت معه به لياليه من وهج الماضي وتناقص عبق المدائح بما شابها من اصطناع الأداء وضعف قياس الآذان حتى باتت أشبه بالكرنفلات منها إلى حلقات أداء تتيح تمثل مضامين السيرة العطرة لسيد المرسلين وخاتم النبيئين عليه الصلاة و السلام، وقراءة متأنية في مضامينها العظيمة، أداء لا يوصف و لا يقف أمد عند حد قدره الجليل ولا منتهى رسالته الاستثنائية؛ وإنها شبه كرنفالات تشرف عليها في هذا التحول المرير وترتادها، كالموضة الطارئة، مؤسسات انتفاعية تظهر بالمناسبة و طبقة نساء بعض الأثرياء ورموز لوجاهة من رواسب ماش إقطاعي عنيد، يتياهين من ورائها بالحسب و النسب و المكانة الاجتماعية ضمن تراتبيتها في تثمين لطبقية تتقاسم حتى الاحتفاء بالمنايبات الدينية، و المادية في البذخ و العطايا لغير ذوي  العوز وضعف القدرة المادية من الصائمين والمحتاجين.
وإن لم تكن السياسية قد غابت عن المشهد الرمضاني بما سلف فإن المطالبة بالحملات المكثفة لمساعدة الفقراء شهدت تناقصا لافتا وعرف الشارع الرمضاني هو الآخر هجرا بينا لبعض اوجه التصدق والمؤازرة و العطف و الشفقة على المحتاجين وذوي الحاجات والاعاقات، و إن عبقا من تلك الريح غاب عن الأنوف التي كانت تتصيده من مكان لآخر وتحس معه بأن الدنيا ما زالت بخير.

وتراجعت في رمضان هذا العام تلك الانشطة الدينية، الفكرية والثقافية المكثفة التي كانت تشمل وتكبع كل لياليه العبقة برائحة المعرفة و العلم و الأدب و المديح في ما قبل وبعد صلاة التراويح المفرجة العطرة، فترى المدينة وهي في العد التنازلي توشك ان تتجاوز العشر الأواسط إلى العشر الأواخر دون إسهام الحراك الشامل بما عهد من تناول القضايا الانسانية الكبرى:
* في مؤازرة المرضى داخل المستشفيات و المحتاجين في الأحياء الفقيرة، 
* وفي الاهتمام من لدن بعض الأغنياء من رجال الأعمال و الأغنياء وأصحاب الزوايا الدينية بمعاناة المواطنينن الذين تقطعت بهم السبل ومستهم نوائب الدهر وأهرقتهم هموم الحياة،
* واستحضار كل القضايا الانسانية التي تهم الشعب، من زيارات لمرضاه في المصحات و المستشفيات، ومساجينه في الأحباس والزنزانات، ومفقوديه في الخارج كالصحفي "اسحاق" الذي تتضارب حول اختبائه الأخبار الغير مؤكدة.  

وإذا كان هذا ما قد أصبح عليه وضع الشهر الكريم والضيف العظيم فإن الأمر مصاب لا يشاطرنا إياه أي شعب من كل الأمة الاسلامية حيث تزداد عندها عاما بعد عام وجيلا بعد جيل هذه خصال هذا الشهر حتى أضحت هي بلسم الجراح كلما تقرحت بفعل استفحال المادية وطغيانها على كل الخصال الحميدة التي تشكل جوهر وأساس الدين وحمى الإنسانية من البهيمية.

الولي ولد سيدي هيبه