تسعى الحكومة الجزائرية، منذ فترة طويلة، إلى استغلال الأزمة الصامتة بين المغرب موريتانيا، في إطار أجندتها الإقليمية الرامية إلى محاصرة المغرب وضرب مصالحه الإستراتيجية والاقتصادية في موريتانيا كما في دول الساحل والصحراء وجنوب الصحراء الكبرى.
وفي هذا الإطار، لم يتردد عبد القادر مساهل، وزير الشؤون المغاربية والعربية والإفريقية في إعلان دعم الحكومة الجزائرية اللامحدود للسلطات الموريتانية التي أقدمت على طرد العاملين المغاربة في شركة “موريتيل”، وهي الشركة الوحيدة بموريتانيا التي تقدم خدمات في مجال الاتصالات بهذا البلد المغاربي، مبررا ذلك بـالالتزام بإنجاح القمة العربية المقبلة التي تستضيفها نواكشوط، وهو الموقف الذي يبدو أنه يدخل في إطار أجندة الجزائر السياسية الرامية إلى تشويه صورة المغرب أمام الرأي العام الموريتاني بتواطؤ مع النظام الحاكم في موريتانيا، خاصة وأن الوزير الجزائري “عبد القادر مساهل” وفي تصريحات صحافية أخرى لم يتردد في الادعاء بأن الجزائر تعتبر استضافة بلد مغاربي (في إشارة إلى موريتانيا) للقمة العربية في هذه الظروف غير العادية إنجازا ومكسبا لمنظومة العمل العربي المشترك، معربا عن استعداد بلاده لتقديم كل الدعم والعون للحكومة الموريتانية لإنجاح القمة.
وكانت الحكومة الموريتانية، حسب ما ذكر موقع “صحراء ميديا أمس، قد أقدمت على سحب رخص عمل المغاربة العاملين في شركة موريتل للاتصالات في موريتانيا، مؤكدة أن القرار شمل جميع العمال المغاربة، إذ تم منعهم من الدخول إلى مكاتب الشركة أول أمس الخميس، باستثناء المدير العام والمدير الإداري والمالي.
وعزا الموقع الموريتاني قرار سحب رخص العمال المغاربة إلى أمر من مفتشية الشغل الموريتانية، بأن يتم اختيار موريتانيين لشغل وظائف حساسة يشغلها عمال مغاربة حاليا، وهو ما ترجح هذه المصادر أن الشركة قد تكون تباطأت في تنفيذه، والتي تملك اتصالات المغرب أكثر من 50 في المائة من أسهمها ، فيما تعود النسبة المتبقية للحكومة، وتعتبر شركة موريتيل شركة الاتصالات الوحيدة في موريتانيا، حيث تمتلك اتصالات المغرب 51 في المائة من الحصة العامة، برأسمال قيمته 53 مليون دولار، بموجب الاتفاقية التي تم تجديدها سنة 2015 بين اتصالات المغرب والدولة الموريتانية وتمتد إلى غاية 2025، وبالتالي تعتبر أكبر شركة اتصال في موريتانيا حيث يبلغ عدد مشتركيها أكثر من 2 مليون شخص وهو ما يمثل 52 بالمائة من مستخدمي الهاتف النقال في موريتانيا وتلقى منافسة ضعيفة من شركتين إحداهما سودانية والأخرى تونسية، كما جددت الشركة رخصتها العام الماضي لمدة 10 سنوات بما يناهز 100 مليون دولار.
وتعود أسباب الأزمة الصامتة إلى سياسة النظام الحاكم في موريتانيا الذي عمل على تعزيز علاقاته مع النظام الجزائري ضدا على مصالح المغرب الإستراتيجية بالمنطقة، وهي الأزمة التي ستنكشف خيوطها فيما بعد مع رفض موريتانيا سنة 2014 اعتماد القنصل المغربي، الذي اقترحه المغرب بمكتب العاصمة الموريتانية، دون أن تقدم الحكومة الموريتانية أية مبررات عن سبب الرفض، كما هو متعارف عليه في الأعراف الدبلوماسية، وذلك بضغط من الجزائر، الأمر الذي اعتبره المغرب تدخلا في شؤونه الداخلية. كما تعود هذه الأسباب أيضا إلى إقدام الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز على استقبال ما يسمى بـ “وزير خارجية” البوليساريو وأيضا بضغط من الجزائر.
ويؤكد التوتر الجديد، بين البلدين وجود يد النظام الجزائري الخفية داخل الحكومة الموريتانية، والذي استغل طابوره الخامس وفاة عبد العزيز المراكشي، لدق إسفين آخر بين المغرب وموريتانيا، على خلفية الحضور الرسمي لموريتانيا في جنازة الأخير.
إلى ذلك، يرى محللون أن الرئيس الموريتاني، الذي كان يعتبر مواليا للمغرب بعد وصوله إلى الحكم، أظهرت الأيام والحسابات أنه فضل محور الجزائر على المغرب، بعدما كسب نقاطا مهمة على مستوى الاتحاد الإفريقي من خلال الدعم الذي لقيه من الجزائر، حيث ترأس وفد الوساطة في ليبيا وكوت ديفوار، كما ترأست بلاده الاتحاد الإفريقي من خلال الدعم الجزائري، وهو ما أدى إلى تدهور العلاقات الدبلوماسية بين الرباط ونواكشوط، مما جعل المغرب غير متحمس لتسلم دعوة الحكومة الموريتانية لحضور قمة نواكشوط.
وكانت مصادر إعلامية أخرى، قد أكدت أن المغرب بات لا يخفي قلقه من التقارب الجزائري الموريتاني، وانعكاس ذلك سلبا على مصالحه الإستراتيجية بالمنطقة خاصة مع ما يعرف بمنطقة خط طنجة – دكار، وكذلك بالنظر إلى أدواره العسكرية والسياسية في ملف الصحراء، حيث تدرك نواكشوط أن المغرب لن يسمح بأي تجاوز يفتح هذا الخط على احتمالات &معاكسة& لمصالحه، إذ لم يسمح بذلك في وقت سابق، حين منع صفقة تمرير عقد استغلال ميناء نواذيبو المحاذي للحدود البحرية المغربية الموريتانية، الذي كان رئيس الوزراء السابق ينوي منحه إلى شركة خليجية تساهم “سوناطراك الغاز” الجزائرية في رأسمالها.