حرب لها جذور

15 يونيو, 2016 - 02:10

حين أصدر د. علي عبد الرازق كتابه الشهير والإشكالي الإسلام وأصول الحكم قامت الدنيا ولم تقعد لفترة من الوقت، فالسجال في تلك الأيام كان ساخناً ليس فقط حول مفهوم الخلافة وموقعها، بل حول الإسلام ذاته، 

واختصر مؤرخو تلك الحقبة المعارك الدائرة بين دعاة التحديث والاتباعيين بأنها بين العمامة والطربوش، وكان الإمام محمد عبده باعتداله ونفاد بصيرته قد حذر من خطر بعض العمائم على الإسلام، وحين نقرأ اليوم ما كتبه نشعر بأنه كان على درجة كبيرة من الحدس والتنبؤ، ولولا تلك الكوكبة من التنويريين لما قطع العرب شوطاً يقربهم من العصر لأن مضادات الاعتدال والحداثة في تلك الفترة كانت شديدة التوتر ومدججة بكل ما من شأنه أن يحرض الرأي العام ضد المبشرين بالتغيير والتطوير، وما يجري الآن في العالم العربي ليس منقطعاً عما جرى في مطالع القرن العشرين وكأن هذه الحرب لا تقبل البطالة أو حتى الهدنة.
وإذا كان التنويريون العرب في عصر النهضة قد تأثروا بما حملته الرياح من أوروبا وما شهدته من انتفاضات، فإن الأصوليين أيضاً كان لهم نصيب من هذا التأثر، وهذا ما يقوله روجيه جارودي في كتابه عن الأصوليات، حيث يجزم بأن الأصولية أوروبية المولد، وأنها فاضت عن كل الحدود بحيث تمددت إلى القارات الأخرى.
فالغرب لم يكن ذات يوم متجانساً بحيث يحكم عليه بالجملة، بل كان ولا يزال يعج بالتناقضات ومنها أن هناك استشراقاً كولونيالياً ورث أسوأ ما أفرزه الاستعمار مقابل استشراق يحاول إنصاف الآخر كما أن أوروبا الجنرالات بدءاً من بيجو حتى شوارتسكوف ليست أوروبا الشعراء والفلاسفة الذين دافعوا ببسالة عن الحرية ومنهم من تعرض للطعن في هويته وانتمائه الوطني لأنه فعل ذلك.
المسألة إذاً هي ما الذي أخذناه عن الغرب وما الذي تجاهلناه وهل كان الانتقاء منهجياً ووفق رؤية وسياق أم مجرد اختيار على طريقة من كل حديقة زهرة أو شوكة؟
وحسب ما يقول جارودي فإن الغرب الذي أنتج الأصوليات دفع الثمن حين انقلب السحر على الساحر في أكثر من مقال بدءاً من أفغانستان.
خيري منصور