حوار أفكار كبرى في متن سيرة الريف في "بلاد شنقيط" البعيدة، تنْظمه أحداث رواية "دحّان" التي استلهمها الكاتب الموريتاني محمد ولد محمد سالم (1969) من واقع الحياة في بلاده خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، بحسب تصريحاته لـ "العربي الجديد".
يوضّح صاحب "ذاكرة الرمل" بأنه حاول في عمله الجديد أن يقدّم صورة متكاملة، ربما يكون الجديد فيها بالنسبة إلى القارئ العربي، بأنها عن القرى الموريتانية، وما يحكمها من عادات وعلاقات اجتماعية، خصوصاً تلك القرى التي تتألف في الأساس حول "محضرة"، والمحضرة هي المدرسة التقليدية التي ميّزت بلاده وأعطتها طابعها العلمي، ففيها يمرّ الطالب بكل مراحل التعليم من بداياتها حتى يستكمل الكتب في كل مجالات العلوم التقليدية الدينية واللغوية والمنطقية، ويقوم التعليم فيها على الحفظ والاستظهار.
"ربما جلس الطالب فيها من عمر الطفولة إلى الأربعين أو ما فوقها حتى يحفظ كل المتون، ويأخذ عن شيخها جميع معارفه، فيكتب له الإجازة، ويأمره بالذهاب للتدريس"، بحسب ولد سالم، مضيفاً: "في تلك القرى يتمتع شيوخ العلم بسلطة أبوية حانية، وهم لا يتقاضون أي تعويض عن عملهم، بل في بعض الأحيان يتولون الإنفاق على الطلاب إذا كان للشيخ سعة".
صدرت رواية "دحّان"، مؤخراً عن "دار روايات" التابعة لـ "مجموعة كلمات" في الإمارات، وهي تجسّد كيف تنقلب حياة عبد الرحمن أو "دحّان" كما يُلقّب، فجأة، عندما يلتقي هيلين مُدرّسة الإنجليزية في دورة للّغة الإنجليزية نظّمتها إحدى المنظمات الدولية العاملة في موريتانيا، حيث تكتشف هيلين الذكاء الحاد لطالبها، فتوليه اهتماماً خاصاً، وتشجّعه، وتعده بأن تحصل له على منحة دراسية في أميركا، فيتأثر بمعاملتها، ويقع في حبها، ويبني أحلامه على منحة دراسية سينالها في أمريكا حيث يأمل أن يتزوج هناك هيلين، ما ينسيه صدمة الظلم الذي وقع عليه من أستاذه بالجامعة الذي حرمه منحة سابقة كان يستحقها، وينسى أيام البطالة والجوع، لكنّ رحيل هيلين المفاجئ بسبب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 يصيبه بصدمة عنيفة، أدت إلى تقلّبات غريبة في حياته.
توّظف الرواية تقنيات السرد، وتقوم على التناوب بين صوت السارد العليم وصوت المتكلم (البطل)، وتتخللها ضمائر أخرى وحوارات وسرد أحلام وتداعٍ حر واسترجاعات، وغير ذلك من التقنيات الحكائية.
يرى ولد سالم في حديثه لـ "العربي الجديد" أن روايته تمنح القارئ العربي فكرة عن طبيعة المجتمع الموريتاني التقليدي ويساعده على فهم راهنه وواقعه التعليمي، مشيراً إلى أن موريتانيا لم تشهد موجات التشدّد والتكفير التي عرفتها أغلب الدول العربية.
ويُنبّه بأن هذا السرد المتعلق بمجتمع بلاده هو مجرّد جانب من جوانب الرواية، دعا إليه سياق الأحداث، ولم يكتب الرواية من أجله، إذ لا تُملي عليه المواضيع والأفكار ثيمة أعماله، إنما ينطلق من "الحكاية"، وهنا تدخل الأفكار وظواهر الحياة الاجتماعية وطوابع المكان والزمان، لكن بالمقدار الذي يدعم الرؤية التي تجلّت له عندما استوقفته حكاية معينة، أي بالمقدار الذي لا يلغي أصلها.
يذكر أن "دحّان" رابعةُ روايات ولد سالم بعد "أشياء من عالم قديم" (دار الحكمة – موريتانيا، 2007)، و"ذاكرة الرمل" (دار الأمان – الرباط، 2008)، و"دروب عبد البركة" (دائرة الثقافة والإعلام- الشارقة، 2010)، ولديه عملان روائيان قيد النشر، هما: "قرية الضريح" و"بوالصويقات".
العربي الجديد