عندما تتزوج الصغرى قبل الكبرى

10 يونيو, 2016 - 12:28

تصاب أسر كثيرة بالحيرة، حين يتقدّم شاب طالباً يد ابنتها الصغرى، بينما الكبرى أو الأخريات الأكبر سناً ما زلن عازبات. 

وتزداد الحيرة، عندما تدرك العائلة أنّ كلّ مواصفات العريس المميز تتوفّر في هذا الشاب. هل ترفضه وتقف في وجه سعادة ابنتها الصغرى؟ أم تقبل به وتتسبب في إحراج الكبرى؟

في المجتمع الموريتاني، لا يقف المستوى التعليمي ولا السنّ عقبة في وجه اتخاذ العائلة قرار تزويج بناتها. لكنّ المشكلة الأساس هي في أنّ الأسر تحاول احترام تراتبية سنّ الأخوات في الزواج، إلا أنّ ذلك يصطدم أحياناً برغبة الأهل في تزويج الواحدة منهنّ طالما أنّ نصيبها وافي الشروط.

خديجة بنت سعد بوه (51 عاماً) ربة منزل، تخبر أنّ أكثر المواقف إحراجاً في حياتها، كانت حين تقدّم شاب لخطبة ابنتها الوسطى، فيما الكبرى كانت لا تزال عزبة. تقول: "شعرت حينها بالحيرة والارتباك، ولم أستطع اتخاذ قرار إلا بعد فترة من الزمن كانت كافية لاستطلاع آراء من حولي". تضيف: "كنت خائفة من اتخاذ قرار يؤثّر على الكبرى أو يظلم الأصغر منها. لم أتمكّن من الردّ بقبول الخطبة إلا بعدما تأكدت من شعور كل واحدة منهما، وبعدما استشرت العائلة بأكملها بحكم أنّ زوجي متوفّ منذ فترة". بداية، صارحت الوالدة ابنتها الكبرى بموضوع خطبة شقيقتها، "ولم أجد لديها أي اعتراض، بل على العكس شعرت بأنّ فرحتها حقيقية. وراحت تستفسر عن العرس وتهتم بجميع تفاصيله كأنّه فرحها. أمّا المعنيّة، فكان همّها رضا شقيقتها الأكبر وعدم انزعاجها من زواجها". إلى ذلك، اضطرت إلى الردّ على "تعليقات بعض النسوة وعلى أسئلتهنّ المزعجة بخصوص زواج البنت الوسطى قبل الكبرى. وحرصت أيضاً على إبعاد ابنتي الكبرى عن كل المواقف المحرجة، خشية أن تؤثّر آراء النسوة عليها سلباً".

تشير بنت سعد بوه إلى أنّ نساء كثيرات رحن يقدّمن لها "النصائح" ويحذّرنها من تأثّر الحالة النفسية لابنتها بعد زواج شقيقتها الوسطى. كذلك، حذّرتها أخريات من الإقدام على تكرار التجربة وتزويج الصغرى قبل الكبرى. لكن "لحسن الحظ، لم يحدث أي شيء من ذلك القبيل. وبعد فترة، حظيت الكبرى بزوج مميّز، وأقمت لها حفلاً كبيراً يليق بها".
ليست كلّ الشابات الموريتانيات متشابهات، وكثيرات هنّ اللواتي يرفضن زواج شقيقاتهنّ الأصغر سناً قبلهنّ. وأحياناً يظهرن كمن يتنافس في تنظيم العرس الأفخم والفوز بالعريس الأفضل، بالمقارنة مع حفلات زفاف شقيقاتهنّ وعرسانهنّ.

أمّ أحمد على سبيل المثال، واجهت مشكلة كبيرة في هذا الإطار. هي ربّة منزل وأمّ لأربع بنات وثلاثة أبناء، "تَقدّم شاب من عائلة محترمة بطلب الزواج من ابنتي الثالثة. رفضتُ حرصاً على مشاعر شقيقتَيها الأكبر منها، وقد اتخذتُ هذا القرار عن قناعة، خشية أن تتأثّر نفسيتهما وتتقلص فرص زواجهما وتسوء علاقتهما بشقيقتهما". تضيف: "لو قبلتُ زواج الصغيرة في حين أنّ شقيقتَيها حبيستان في المنزل في انتظار الزوج، فإنّ ذلك يُعدّ ظلماً كبيراً لهما"، مشيرة إلى أنّ "حتى أبنائي الأكبر سناً من البنات، يرفضون الزواج والاستقرار قبل تزويج شقيقاتهم جميعاً. نحن باختصار نفضّل تزويج البنات بحسب ترتيب أعمارهنّ".

تجدر الإشارة إلى أنّ الزواج المبكر ينتشر في المجتمع الموريتاني في ظلّ العادات المتعلقة باحترام "الخطبة والنصيب الذي يدقّ الباب". كذلك، فإنّ كثيرين يفضّلون احترام ترتيب الأعمار في زواج الشقيقات، من دون أن يسري ذلك على الأشقاء.
في هذا السياق، يقول الباحث الاجتماعي أحمدو ولد الزين لـ"العربي الجديد"، إنّ "السماح بزواج الأخت الصغرى قبل الكبرى نادر في موريتانيا، بسبب خوف الأسر من القيل والقال والحديث عن عيب ما قد تعاني منه الكبرى. وهذا أمر ينبع من ثقافة مجتمع يتأثر بكلّ ما يقال، خصوصاً عن الشابة المقبلة على الزواج".

ويوضح ولد الزين أنّ "العائلة تخشى جَرح مشاعر البنت الكبرى وتأثرها نفسياً واجتماعياً، وربما أيضاً غيرتها من الحياة الجديدة لشقيقتها. لكنّها لا تعمل على معالجة الموضوع واحتواء مشاعر الكبرى". يضيف أنّ "قرار العائلة يرتبط بقناعتها وبوعيها، وثمّة من يقبل بتزويج الصغرى خوفاً من العنوسة، خصوصاً إذا كانت بنات العائلة كثيرات. كذلك، ثمّة أسر لا تقبل بتزويج الصغرى إلا بعد اقتناع الكبرى وترحيبها بالقرار، وتواصل دعمها من دون أن تحمّلها عواقب تجاوز دورها في الزواج". وإذ يدعو إلى تسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع، يلفت إلى أنّ "الوعي يكبر لدى الأسر اليوم".

العربي الجديد