
كانت ظاهرة المؤرخين الجدد في الدولة العبرية بمثابة نقطة تحول وانعطافة ملحوظة في مختلف مجالات الحياة، ولم يكن المجال العسكري بعيداً عن ذلك، لهذا كانت الفترة التي أعقبت اجتياح لبنان عام 1982 قد أفرزت أصواتاً مضادة لذلك الاجتياح من داخل الثكنات، ونُشرت قصائد ويوميات لجنود ترجم د. البحراوي بعضاً منها في كتابه «الأدب الصهيوني بين حربين»، ثم بدأت ظاهرة أخرى هي التهرب من التجنيد الإجباري، وكان ذلك نتيجة إحساس بعض اليهود بأن ما تم تسويقه لهم على أنه الفردوس الأرضي وأرض الميعاد هو في الحقيقة جحيم، ثم جاءت كتابات إسرائيل شاحاك وبورغ وشلومو رايخ ويوري أفينري لتكشف عن الخديعة.
وما يحدث الآن في الدولة العبرية من أزمات تحاول الحكومة تصديرها منْه ما له علاقة بهذه الظواهر، حيث قال بعض العسكريين، إن ما تفعله حكومتهم بالفلسطينيين هو محاكاة لما فعله النازيّون باليهود،، وهذه اللحظة التي تم تأجيلها عقوداً تحت مختلف الذرائع ومنها بث ثقافة الترويع كان لابد لها أن تأزف، ولكي لا نبالغ في حجم هذه الظاهرة بحيث تبدو نهاية الدولة وشيكة بسبها نقول بأن مجرد الشك في مشروعية وجدوى الأطروحة الصهيونية هو البداية لتشكل أطروحة مضادة، وقد يكون الكاتب شلومو رايخ في كتابه «يوميات يهودي ساخط» هو الأوضح والأكثر مباشرة في التعبير عن الخديعة؛ لذلك قال، إن حاصل جمع انتصارات الدولة العبريّة هو هزيمة شاملة! لأنه ينطلق من مفهوم تاريخي مشحون ببعد أخلاقي.
وقد يذكرنا البعض بالرهان المراهق لبعض الأحزاب اليسارية العربية في السبعينات، وهو انفجار التناقضات الطبقية في الدولة العبريّة، وما نراه ليس في هذا السياق، إنه مجرد رصد لتحولات لم تعُدْ سلطات الاحتلال قادرة على إجهاضها أو مصادرتها!
خيري منصور