سايكس بيكو.. التاريخ يعيد نفسه!!!

22 مايو, 2016 - 12:24

مائة عام مرت منذ أن أبرم الدبلوماسيان الفرنسي جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس اتفاقيتهما الشهيرة والتي تقاسما بموجبها نفوذ بلديهما على الأراضي العربية،

  التي تم تقطيع أوصالها وتفتيت دولها وخلق كيانات داخلها بطريقة أقل ما يقال عنها إنها كانت تعسفية، هذا إن لم نذهب أبعد من ذلك للقول إن آلية التقسيم حينها تمت بطريقة كيدية مسبقة تضن زرع بذور الخلافات والنزعات الحدودية وصراعات التعايش بين الطوائف وهو الأمر الذي دفع العالم العربي ثمنه الباهظ لاحقا ولا زال يدفعه إلى اليوم عبر صراعات دموية وحروب داخلية أهلية أهلكت الحرث والنسل وسال فيها دم الإخوة الأشقاء مدرارا على أراض عربية بدا كما لو أنها متعطشة ولا يطفأ لهيب ظمأها إلا الدم العربي الأحمر القاني..

لقد شكلت اتفاقية “سايكس بيكو” تكالبا على تركة الرجل العثماني المريض حينها، وتم تقسيم المناطق العربية بين النفوذين البريطاني والفرنسي، مع التمهيد لمنح فلسطين وطنا قوميا لليهود عبر وعد بلفور الذي سيأتي لاحقا، ولم يتم في وضع الخرائط مراعاة الفوارق والاختلافات الكامنة التي قد تنفجر في أي لحظة وإنما تم القفز على كل ذلك بطريقة تعسفية راعت فقط مصالح واضعيها، ولقد عانت الشعوب العربية من اتفاقية سايكس بيكو وتداعياتها وعاشت مائة عام من الخيبات والانكسارات والتجارب التنموية الفاشلة، وبدا وكأن الأمر مقصود، فطريقة التقسيم وآليات توزيع النفوذ زرعت البذور لحالة فشل عربي مزمن..
لقد شكلت اتفاقية سايكس بيكو ضربة لما كان يعتقد أنها حالة وحدة عربية ستعقب الخروج من النفوذ العثماني، وأجهز تخلي الحلفاء التقليدين مثل بريطانيا وفرنسا عن الزعامات العربية الطامحة إلى هذا الأمر حينها على الآمال العريضة التي كانت موجودة، وعندما تم فضح الاتفاقية التي كانت سرية كانت ردود الفعل صاخبة، خصوصا أن كشفها من قبل روسيا الشيوعية حينها تزامن مع وعد بلفور بإعطاء فلسطين كوطن قومي لليهود..
كانت اتفاقية سايكس بايكو مجرد بداية لمشروع استعماري طويل النفس يجيد الضرب تحت الحزام، ويضع الصواعق القابلة للانفجار في أي لحظة، فبالإضافة إلى مشروع التفتيت والتقسيم الذي وضعت هذه الاتفاقية لبنته الأولى، جاء إنشاء دولة إسرائيل وزرعها في وسط الجسم العربي ككيان غريب ليقضي على ماتبقى من آمال الوحدة والتقدم، كما أن الرعاية الغربية الرسمية للديكتاتوريات العسكرية التي تتالت على زعامة البلدان العربية الرسمية شكلت هي الأخرى مسمارا آخر في نعش حلم عربي بنهضة حقيقية، ففي الوقت الذي تبنت فيه أغلب هذه الزعامات خطابا ديماغوجيا صاخبا يهدهد المشاعر القومية، كانت أفعالها وسياساتها على النقيض من ذلك تكرس التبعية العمياء والولاء التام للغرب…
اليوم ونحن نستذكر قبل أيام ذكرى مرور مائة سنة على هذه الاتفاقية المشؤومة، نقف مشدوهين أمام حالة يكرر فيها التاريخ نفسه بشكل أكثر فظاعة فالنزاعات والحروب الأهلية تستشري بشكل أكثر في العالم العربي، وما كان دولا في السابق هو الآن في حالة سيلان هلامي وإعادة تشكيل لا تعرف مآالاتها، وآليات الفرز تزدادا ضيقا فقد أصبح المذهب والطائفة بل وأحيانا القبيلة معيار جديدا لرسم الخرائط، وهو أمر تعززه عوامل داخلية عديدة، وتغذيه سياسات غربية تطرح سرا وعلنا خريطة جديدة لمنطقتنا العربية مما يعني أننا مقبلون على حالة من تجزئة المجزء وتقسيم المقسم..
إن هذه الحالة العربية الراهنة، حالة وقوف على مشارف “سايكس بيكو” ثانية،  شخص المفكر الإماراتي جمال سند السويدي خطورتها المستقبلية في  مقاله المنشور بصحيفة “الاتحاد” الظبيانية في الخامس من إبريل الماضي عندما قال ” إن الخطوط الجديدة، التي يُراد رسمها في «سايكس- بيكو» الثانية، هي خطوط طائفية وعرقية معبأة بالأحقاد والعداوات التي ستنفجر دماً وخراباً يغرقان المنطقة كلها في مستنقع الفوضى، وتهدف إلى خلق شرق أوسط جديد بتوازنات مختلفة ومختلَّة لغير مصلحة العالم العربي”..
كاتب عربي مقيم في موسكو*

محمد سعدن ولد الطالب
[email protected]