خجل بلا حدود

18 مايو, 2016 - 18:13

يتوارى المرء خجلا حين يقرأ أن بلجيكا أعلنت عن اعتزامها الدعوة إلى عقد مؤتمر لدعم غزة إنسانيا واقتصاديا. الخبر أعلنه وزير خارجية بلجيكا ديدييه رينديرس في مؤتمر صحفي عقده يوم ١٠ مايو الحالي أثناء زيارته لحي الشجاعية الذي نال أكبر قدر من التدمير أثناء العدوان الإسرائيلي على القطاع في صيف عام ٢٠١٤. لم يكن الإعلان عن الدعوة للمؤتمر السبب الوحيد للخجل لأن الرجل ذكر معلومة أخرى رفعت منسوبه، حين قال إن المشاركين في المؤتمر سيكونون خليطا من رجال الأعمال الفلسطينيين والأوروبيين والإسرائيليين. وإذ يفترض أن يصيبنا ذلك بالدهشة لأول وهلة لأن العرب لم يذكروا ضمن الحضور. إلا أن تدهور مكانة القضية الفلسطينية ضمن أولويات الأجندات العربية خلال السنوات الأخيرة قلب أوضاعا كثيرة، في ظلها أصبح اللامعقول معقولا وصار العبث واقعا ملموسا.

يتضاعف شعورنا بالخجل الذي يمتزج بالحزن حين نقرأ أن ثلاثة أطفال أشقاء احترقوا وهم نيام في غزة بسبب اشتعال النيران في حجرتهم جراء استخدام الشموع في الإضاءة للتغلب على أزمة التيار الكهربائي في القطاع الناشئة عن شح الوقود. الثلاثة من عائلة الهندي هم يسري (٣ سنوات) ورهف (عامان) وتامر سبعة أشهر. وهم من سكان مخيم الشاطئ الشمالي الواقع غرب مدينة غزة. وهم ليسوا أول ضحايا كارثة أزمة الكهرباء، لأن مأساة عائلة ضهير التي تسكن حي الشجاعية أكبر، ذلك أن بيت الأسرة احترق بكامله الأمر الذي أدى إلى موت الأب حازم وزوجته سمر وأطفالهم الأربعة الذين تراوحت أعمارهم بين شهرين وسبع سنوات.

لا يفارقنا الشعور بالخجل حين تصدمنا تصريحات المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي ارناين كوزين عن أعداد الجياع في العالم العربي إذ نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» في 10 مايو حوارا معها ذكرت فيه أنه خلال العام الأخير أصبح في اليمن ٣ ملايين شخص يعانون من الجوع بسبب الحرب الدائرة هناك. فضلا عن أن ٦. ٧ من اليمنيين بحاجة إلى مساعدات غذائية بما يعنى أن كل أربعة يمنيين بينهم ثلاثة أصبحوا يعانون من الفقر..إلى جانب هؤلاء فثمة ٧، ٨ مليون سوري يحتاجون إلى مساعدات غذائية.

أدرى أن الصورة تبدو أكثر قتامة إذا طالعناها من زوايا أخرى إذ قد يقول قائل إن الجياع والذين يعانون من الفقر حالهم أفضل من الذين قتلوا في الحروب الأهلية والتفجيرات أو من نظائرهم الذين غرقوا في عرض البحر هربا من الجحيم ولم تعرف أعدادهم بعد، وهذه نقطة صحيحة إلا أن حزننا على الضحايا الذين فقدوا حياتهم لا ينبغي له أن يصرف انتباهنا عن ملف الذين يعانون من الجوع ومرشحين للموت البطيء، ذلك أنه إذا لم يكن بمقدورنا أن نفعل شيئا للذين فقدوا حياتهم، ولنا أعذارنا في ذلك لأسباب مفهومة، إلا أننا نستطيع أن نفعل الكثير لإغاثة المحاصرين في غزة أو الذين يعانون من الجوع في اليمن وسوريا ولا عذر لنا إذا تقاعسنا في النهوض بذلك الواجب. وما الدعوة التي أطلقها وزير الخارجية البلجيكي إلا نموذجا لبعض ما يمكن فعله للدفاع عن إنسانية أهل غزة، أو لإغاثة ضحايا الجوع في اليمن وسوريا.

أدري أن السعودية تبذل جهدا إغاثيا في اليمن، حيث قرأت أنهم اعتمدوا لذلك ١٤٢ مليون دولار، كما أن قطر لها نشاطها الإغاثي في قطاع غزة، إلا أن ملاحظتي الأساسية أن العمل العربي المشترك الذي لا وجود له سياسيا واقتصاديا عجز أن يثبت حضوره على المستوى الإنساني. فالدول غابت تماما عن المجال الإغاثي. أما منظمات المجتمع المدني في العالم العربي، إذا وجدت، فإن نشاطها يخضع للحسابات السياسية بأكثر من خضوعه للاعتبارات الإنسانية. وكانت نتيجة ذلك أن التعامل مع المليونين فلسطيني المحاصرين في غزة أصبح محكوما بطبيعة علاقة الأنظمة مع حركة حماس، أما في حالتي سوريا واليمن فإن ضلوع بعض الأنظمة العربية في الصراعات الدائرة فيها أثر على أولوياتها، فضلا عن أن أداءها كان من بين أسباب الأزمة.

الخلاصة أن العرب بأنظمتهم وجامعاتهم وهيئاتهم الإغاثية وقفوا جميعا موقف المتفرجين إزاء «النكبة» الجديدة التي تمثلت في عذابات أهل غزة ومجاعات الملايين في اليمن، وسوريا، وكانت نتيجة ذلك أن الدول الغربية، والمنظمات الدولية التي باتت تمسك الآن بمفاتيح الحل السياسي للصراعات الراهنة. صارت هي المرشحة للنهوض بما هو إغاثي وإنساني، حتى بدا وكأن العالم العربي تحول إلى عبء على المجتمع الدولي.

لا أرى أفقا في الأجل المنظور لحل مشكلات المعذبين والجياع في العالم العربي. التي هي من ثمار بؤس أوضاعنا السياسية المتردية. وهذا التشخيص إذا صح فإنه يدعونا إلى تصحيح أوضاعنا أولا إذا كنا جادين في القضاء على تلك المشكلات، الأمر الذي يضعنا أمام تحد أكبر وأكثر تعقيدا، ويعني في الوقت ذاته أن انتظارنا سيطول بحيث يلازمنا الشعور بالخجل والحزن إلى أن يأتي الله بفرج من عنده.

فهمي هويدي