
هل تبالغ السعودية بتخوفها من التهديد الايراني، الذي تُنسج من اجله تحالفات جديدةفي المنطقة تغير ملامحها وطبيعتها السياسية، وتبدل اولولياتها الامنية، وخارطة صراعها بالشكل الذي يكشف مناطق دفعها الاهم.
هنا لاتبدو ازمة جزيرتي “صنافير وتيران” على مضيق تيران المصري، قضية مصرية محلية، بقياس ابعادها الخطيرة على الامن القومي العربي، نظرا لموقعها الاستراتيجي والمثير للجدل، ولاهميتها في خارطة الصراع العربي- الاسرائيلي.
هذا الموقع الجغرافي، والذي يدور حوله حاليا الجدل حول حقيقة الاحقية السعودية للجزيرتين، هو نفسه الموقع الذي يشكل تهديدا او حماية للامن القومي العربي، بحسب الجهة التي سوف تشرف عليه، فهل من مصلحة الامن القومي العربي انتقاله للسيادة السعودية؟
اهمية الجزيرتين العسكريةجعلهما دائما واحدة من منابع الصراع العربي – الاسرائيلي، وواحدة من نقاط الخطر على الامن الاسرائيلي، هذا الصراع الذي يبدو انه يقل منسوبه، بعدما افرط الاعلام العربي – الخليجي بتضخيم خطر ايران على حساب خطر اسرائيل، وبعدما فرطت السياسية العربية بواحدة من اهم نقاط الدفاع في هذا الصراع.
فالسعودية ومن خلفها الخليج، لاتجد في اسرائيل العدو الاول، الذي يجب الحذر منه على الاقل ان لم يكن مواجهته. وخطوط التطبيع بين الخليج واسرائيل مفتوحة ، في حين تغلق مصر كل منافذ العلاقات مع اسرائيل برغم ابرام معاهدة سلام.
اولا ربما من الصعب انكار نية ايران للتواجد والتوسع والتاثير في المنطقة لاسباب اقتصادية اولا، ويبدو ان هذا التواجد الايراني او “التهديد ” هو من يهدد الامن القومي العربي من وجهة نظر خليجية وليس″تحييد تيران” ، ليظهر ايضا ان تيران بمضيقها وجرزها اصبح من الضروري خروجها من خارطة الدفاع القومي العربي، لتبدل الاوليات الامنية.
خارطة الصراع الممتدة عبر التاريخ، اصبحت تركز مؤخرا على الخطر الايراني “التوسعي” ذو النفوذ الميليشاوي في لبنان، العراق ، سوريا واليمن مؤخرا، مع غض الطرف عن الخطر الاسرائيلي الحقيقي، فهناك انقسام عربي على حقيقية التهديد الايراني، لكن الاخطر هو وجود انقسام عربي على التهديد الاسرائيلي.
و أمن الخليج العربي، الذي يرتبط مباشرة بالامن القومي العربي يحدد ايران كمصدر خطر وحيد على امنه القومي، وهو ما دعاه للتحالف مع مصر للدفاع عن امنه الخليجي، وعقد هذا التحالف مع نظام 30 يونيو ، الذي تعهد باكثر من صيغة لحماية الامن القومي الخليجي من اي خطر يهدده ، وان الجيش المصري لن يقف مكتوفا امام اي تهديد، الامر الذي برر اشتراك مصر في “عاصفة الحزم” الخليجية في اليمن، تحت مبرر محاربة اذراع ايران في اليمن “جماعة الحوثي” ، وحماية باب المندب من السيطرة الايرانية.
وبغض النظر على مستوى وفعالية المشاركة المصرية العسكرية في عاصفة الحزم، الا ان تواجدها يؤكد التزامها بحماية الامن القومي الخليجي من التهديد الايراني، لكن هل تلتزم دول الخليج العربي بحماية مصر من التهديد الاسرائيلي باعتبار اسرائيل هي العدو الاول لمصر والعالم العربي، دول الخليج لم تبرم اي تعهد من هذا النوع، وكان تعهدها الوحيد هو مساعدات اقتصادية، فالتحدي الحقيقي الذي تعيشه مصر الان هو تحدي اقتصادي.
بالاخير امن الخليج وان كان مرتبطا بتفاعلات الدول الثمانية “دول الخليج والعراق وايران”، فهو امن دولي نظرا لاشرافه على الممر النفطي الاهم في العالم.
وان كان الدور الايراني خلال العقود الثلاث الاخيرة، قد شكل خطرا على الامن القومي العربي، و لكن في الاخير يجب وضعه في اطاره، دون رفعه مستوى خطره ، لمستوى اعلى من الخطر الاسرائيلي على الامن القومي العربي.
اسرائيل لم تفاجأ
مصر التي يديرها رجل المخابرات السابق ادار الملف بالسرية التي اغضبت الشارع المصري، واكد هو استفراده بالقرار ، فماحدث مؤخرا بين مصر والسعودية ولم يُسرب بعد، سربت صحف اسرائيلية انه جزء من صفقة اسرائيلية – سعودية،عملت عليها المخابرات والسلطات السعودية من فترة، بالاشارة الى بندر بن سلطان رجل المخابرات وقتها، وكذلك عادل الجبير وزير الخارجية الذي علاقة جيدة بالجالية اليهودية في امريكا، منذ كان سفيرا للسعودية في واشنطن.
فاسرائيل تحدثت عن “موافقة اسرائيلية” لاعادة الجزر الى السعودية، وتلمح الى خطوات سرية طويلة مهدت لهذه الخطوة، هذه المباحثات السرية تحدث عنها الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” في لقائه الاخير مع ممثلي المجتمع المصري لشرح ازمة الجزيرتين
حيث اكد رجل المخابرات السابق وجود مباحثات سرية منذ اشهر بين مصر والسعودية، لكنه فضل عدم الافصاح عنها للرأي العام المصري لعدم حدوث اي جدل، وهو الامر الذي ادى الى نتيجة عكسية حيث حدثت صدمة في الاوساط الشعبية والاعلامية المصرية، التي تفاجات بالقرار الحكومي بالتنازل عن الجزيرتين بدعوى انهما سعوديتان “جغرافيا”
وهنا ابلغت القاهرة تل ابيب رسميا “بحسب صحيفة الاهرام الرسمية” بمبادئ الاتفاق بين مصر والسعودية بخصوص الجزر وعلاقة ذلك بمعاهدة السلام بينهما، وهو الامر الذي زاد السخط الشعبي على الحكومة التي فضلت اعلام اسرائيل واخفاء الامر على الشعب .
في الوقت الذي طار فيه ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع الى العقبة للتنسيق مع الملك الاردني، فيما يبدو انه جزء من اتصالات مستمرة ومباشرة مع اسرائيل لتاكيد اتمام الصفقة.
اطمأنت اسرائيل، التي من مصلحتها تعديل اتفاقيةالسلامالان معمصر، وعقد اتفاقية مع السعودية “تعهد مكتوب” ويمكن اعتبار ان هذا الاتفاق الاخير بخصوص الجزر هو جزء من هذه التعديلات.
لحد الان لا يمكن الحديث عن علاقة رسمية بين اسرائيل والسعودية، ولكن الامر ليس مجرد تخمينات، فهناك علاقة اقتصادية، حيث تصل البضائع الاسرائيلية الى السعودية عبر قبرص والاردن.
وبحسب الصحافة الاجنبية والاسرائيلية فهذه العلاقة موجودة مع غيرها من دول الخليج “قطر، الامارت”، الى جانب بعض اوجه التطبيع التجاري، الثقافي والرياضي، اذا نحن نتحدث عن مرحلة مهمة في النزاع العربي –الاسرائيلي، مفصل مهمل تغير خارطة الصراع، حيث تبدو ايران هي الاخطر الاوحد على الامن القومي العربي والخليجي.
واسرائيل التي احتلت جزيرتي تيران وصنافير بعد نكسة 1967 ، وكانت اول من عرف بالاتفاق والمباحثات السرية حوله، علها ضغطت من اجل تسريع الاتفاق لانها تعرف خطرهما على مستقبلها وتواجدها، واستغلت رغبة السعودية بحسم نزاعها مع ايران، فاستغلت السعودية ازمة مصر وعقدت الصفقة.
اذا الذراع الذي استخدمه الجيش المصري لقطع ممر الملاحة الاسرائيلي وقتها في الستينات، مهدد بالقطع، هذا الجيش الذي مازال مسيطرا ومتواجدا ولو بشكل رمزي على واحدة من اهم ادوات حسم الصراع والحرب مع اسرائيل، الجيش الذي لم يطبع، و بالتالي يمكن ان تعود ايام الستينات، وما ادارك ما الستينات.
هل يتحول لممر دولي
يمكن الان ان نقارن بين التهديد الايراني بقطع مضيق هرمز امام الملاحة الخليجية، وايضا محاولة التواجد الايراني على مضيق باب المندب، وبين التهديد العربي- المصري لاسرائيل على مضيق تيران
حيث ان هرمز، وباب المندب، ممرا ملاحة دوليين لايمكن لاي دولة فرض سيطرتها عليهما، لا ايران ولا الخليج ، وتوجد بهما جزر وقواعد عسكرية دولية، ولايخضعان لسيادة دولة واحدة، بعكس مضيق تيران الذي كانت مصر تملك حق اقفاله ، قبل معاهدة السلام.
وبرغم اتفاقية كامب ديفيد الا انه لم يخضع بعد لمعاملة الممر الدولي، ويمكن بعد ان تنتقل ملكيته وسيادته الى السعودية، و ان تم تعديل الاتفاقية لتكون اول اتفاقية بين اسرائيل والسعودية، يمكن ان يعامل معاملة الممر الملاحي الدولي الذي لايحق لاي دولة ان تتحكم فيه او تقفله، ومن هنا ترتاح اسرائيل تماما من خطر تهديد تيران “الستيني” ، الذي يهدد الامن القومي الاسرائيلي، عندها سيكون على اسرائيل ان تلتزم للسعودية بالوقوف معها امام تهديد ايران.
العلم المصري
هكذا ببساطة تبرز خطورة انزال العلم المصري، من على المرر المائي الذي يفصل بين شبه جزيرة سيناء عن شبه جزيرة العرب، ويفصل خليج العقبة عن البحر الاحمر
يجب ان يبقى هذا الموقع العسكري الاستراتيحي بيد الامن القومي العربي، سواء رفع عليه العلم المصري او السعودي ، ولكن ايهما اضمن للامن القومي العربي، كعامل دفاع وحماية ان يرفع عليه العلم السعودي او العلم المصري؟
هذا هو السؤال الجوهري الذي يتجاوز الاتفاقيات الامنية والمراسلات التاريخية والوثائق والدراسات، والجدل المثار حولهما، هذا هو السؤال الذي يتجاوز الجغرافية ويفسر التاريخ ، ولماذا كانت طوال هذه الفترة تحت السيطرة المصرية حتى لو كانت في الاساس سعودية.
هذا الذي يفسر الحرب المصرية من اجلها، وتقديم الشهداء، والتفاني واعتبارها ارض سيادية، وهذا يفسر غض الطرف السعودي عنها والمطالبة بها الان، الان في الوقت الذي تشحن فيه السعودية اسلحتها لمواجهة الخطر الايراني، وتأمل دعم القوى الاقليمية في المنطقة و الشرق الاوسط واولها تركيا واسرائيل.
اذا مصلحة الامن القومي العربي هي الاهم، هي المصلحة العليا، في عالم متغير المصالح ثابت التهديدات، وان كانت اولويات مصر الان اقتصادية، فان هذا لايعني ان تعرض امنها والامن القومي العربي لخطر مستقبلي حقيقي، خطر وجودي.
فهاهي السعودية تؤمن امن اسرائيل، امام الجميع، بمباركة النظام العربي، وهو نظام فردي يقوم على حكم الفرد وليس مشاركة الشعب، والسعودية و بقرار فردي ايضا تشتري امنها القومي والامن القومي الاسرائيلي، وتُعرض بل وتبيع مستقبل الشعوب العربية لخطر حقيقي، خطر وجودي، باخراج الجزيرتين تماما من خارطة الصراع، وتحيدهما، وكشف احدى اهم نقاط الدفاع العربية، لتصبح الخارطة العربية مكشوفة، فكيف لا تقف معها اسرائيل في مواجهة الخطر الايراني، ولكن لماذا وافقت مصر؟
التفريط بالامن القومي العربي
ان كانت مصر تدرك حقيقة الاهمية الاستراتيجية، وهي اكثر من يدركها ودافع عنها ويعرف قيمتها، فلماذا فرطت بالامن القومي العربي، هل هي فقط الضغوط الاقتصادية، ام ان هناك ابتزاز سياسي تمارسه السعودية على النظام العسكري الذي ساعدت بترسيخه، بالانقلاب على نظام الاخوان المسلمين. بالتالي اصبح الخيار المصري ، بين استمرار الدعم الخليجي للنظام المصري، او الاستغناء عن هذا الدعم ، وعندها ستعصف الازمة الاقتصادية بهذا النظام ويكون من السهل دعم نظام اخر “قريب من الاخوان” يقبل بالمساوة السعودية على الامن القومي العربي مقابل الامن السعودي.
المفاضلة هي بين الامن الاقتصادي والامن القومي، ليست عادلة، برغم انه لا يمكن بأي حال من الاحوال الاستهانة بالامن الاقتصادي، حيث يعد اهم ركائز الحكم، وتثبيت استقراره، فلا قيمة للامن القومي في ظل اقتصاد منهار، وهنا يبرز الدور السعودي بالابتزاز والمساومة.
وهنا على مصر ان تقلق ومن خلفها العرب جميعا، حين تتبدل خارطة الصراع وتشكلها اليد الخليجية بحسب مصالحها الاقتصادية والنفطية، وتحد مستقبل الامة العربية بحسب وجهة نظر وحيدة، من طرف خليجي لايرى في الصراع مع اسرائيل قضية تستحق النقاش، ولا قضة وجود.
منى صفوان
كاتبة يمنية