“على الأسد أن ينسى الجولان” هذا ما صرح به رئيس وزراء (إسرائيل) “بنيامين نتنياهو” في مكالمة هاتفية (طازجة) مع وزير الخارجية الأميركية “جون كيري”؟. ستثير هذه المكالمة الأسئلة التالية:
-على ماذا يستند هذا القول وما هي دوافعه الآن بالضبط؟
-ماذا كان رد فعل الوزير الأميركي؟
-ماذا على المعارضة السورية أن تنسى أيضا، وبالأصح ما هو موقفها؟
-كيف ستكون ردة فعل سورية ؟
-ماذا عن موقف حلف المقاومة ؟
-كيف سيكون موقف روسيا الاتحادية؟
-هل سيؤكد مجلس الأمن، ومن أعضائه الدائمين أميركا،على قراراته بخصوص هوية الجولان السورية ؟
*يستند هذا القول على حيثيات وجود الكيان الإسرائيلي ومقدماته الصالحة للتنفيذ في الأصل، التي يمكن حصرها في ثلاث مقدمات:
الأولى: الفكرة الصهيونية المتضمنة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين يعودون إليه. تم إخراج هذه الفكرة إلى حيز التنفيذ عبر وعد “بلفور” البريطاني في عام 1917م.
الثانية: توافر دعم الدول الاستعمارية لهذا الوعد، ومن ثم قيام الصهاينة بتشكيل عصابات مسلحة فوق أرض فلسطين قامت بإرهاب الفلسطينيين وطردهم من موطنهم، تمهيدا لتشكيل الجيش الإسرائيلي ، الذي كان قوامه من تلك العصابات كـ(شتيرن والهاجاناه والإرجون وغيرها).
الثالثة:عقد صفقات ترحيل وتهجير اليهود من كل أنحاء العالم إلى فلسطين العربية، مع كل الدول ذات المصلحة في إنشاء دولة (إسرائيل) في قلب المنطقة العربية.وتسليح العصابات الإرهابية، وتاليا الجيش المنشأ، من قبل تلك الدول، وتأمين تمويل طويل الأمد يمد الكيان الوليد بالحياة.
*لم نتبين حقيقة رد فعل الوزير الأميركي، لكننا نقول وكما أثبتت الأحداث: أن سياسة أميركا في المنطقة العربية هي سياسة إسرائيلية بامتياز، لذلك لا نتوقع أن حمرة الغضب والاحتقان الاستنكاري قد علت وجه الوزير “كيري”! بل نجرؤ على تخمين أنه سيقول لو قال:
((بأن الروس، ومن خلفهم السوريون والإيرانيون، يريدون معرفة الموقف الإسرائيلي من عودة الجولان،وأنت تعرف، السيد رئيس الوزراء، أن لموسكو التزامات أدبية تجاه سورية، من حيث تاريخية العلاقة السورية-السوفييتية، السابقة، من عسكرية وغيرهاـ ولقد بدأت تأخذ منحى تحالفيا عبر التدخل العسكري الروسي بموافقة سورية، وأنتم في (إسرائيل) تذكرون جيدا دعم السوفييت للسوريين في حرب 1973م، والتي كان هدفها الرئيس على الجانب السوري تحرير الجولان. نحن الآن نشارك الروس في البحث عن تسوية للأزمة السورية ، وأنت تعلم يجب أن نسوي كافة المسائل العالقة والمعقدة في المنطقة على وهج نار الأزمة السورية، لأنه لا يمكن أن يحل السلام في المنطقة، وأن تستقر (إسرائيل) في ضوء بقاء أزمات المنطقة المعقدة من دون حلول مناسبة. على كل لكم حربة إبداء الرأي في موضوع عودة الجولان خصوصا في ظل الظروف الراهنة والحرجة، بوجود إرهاب (يتمدد) باتجاه الحضارة الغربية، ولا تنسى أننا في مجلس الأمن اعتبرنا الجولان أرضا سورية على الدوام.لعلكم تُسمعون رأيكم إلى حلفاء سورية خاصة الروس، الأمر الذي يساعدنا في صياغة إجابة أقل تحديا لهم…))
من جانبنا في النهاية علينا أن نذكّر بأن الدولة الأميركية التي لم تحل دون اغتصاب فلسطين من قبل الصهاينة، بل سهلت لهم ذلك، لنسأل :هل ستصاب بغصة حلق إذا ما خسرت سورية من جغرافيتها أرض الجولان لصالح (إسرائيل)؟!
*أما المعارضة السورية التي انتهجت تدمير سورية بدون تردد ، والتي راحت فصائل منها، إسلامية وغير إسلامية تبني علاقات مصالح ذات طابع سلمي غير مشروط مع (إسرائيل) وعبر الجولان، بكل امتهان لحق الدولة السورية في هذا الجزء من أرضها ما يعني أن هذه المعارضة قد نسيت الجولان سلفا، وبدون طلب إسرائيلي؟! ، الجولان الذي يقاتل الجيش العربي السوري العدو الإسرائيلي عبره. على ضوء هذا السلوك التخاذلي، هل يؤمل من هذه المعارضة بكافة أطيافها، أن تتحسس خطر تصريح “نتنياهو” إلى الدرجة التي تذهب معها إلى استنكاره والتصريح ردا عليه بأن الجولان أرض عربية سورية لا يمكن التخلي عنها. في هذا السياق علينا أن نتساءل عن ماهية المباديء الوطنية التي ستعتمدها المعارضة السورية المسلحة وغيرها في ورقتها إلى “دي مستورا” في مواجهة ورقة مباديء وفد الجمهورية العربية السورية الوطنية إلى جنيف ، وها نحن قد علمنا في دمشق من السيد “دي مستورا” أن غرف مؤتمر جنيف ستفتح أبوابها مجددا بتاريخ 15/4/2016م لمتابعة الحواربين السوريين.عند هذه النقطة بالذات، أعتقد أنه:
على الوفد الحكومي أن يحرص في المباحثات السورية-السورية المقبلة والمعمقة على توثيق رأي المعارضة بخصوص الالتزام باستعادة الجولان بكافة الوسائل، من جملة أمور وطنية أخرى قد يتفق عليها.
*ليس أكثر تعبيرا عن ردة فعل سورية، وذا دلالة حاسمة على مضمون مكالمة “نتنياهو: سوى مضمون تصريح الرئيس السوري أمام وفد برلماني روسي زار دمشق مؤخرا، والذي قال فيه” إن الفدرالية ستدمر سورية” ما يعني أنها (مسبحة ستكر) وأن سورية بكل جغرافيتها وتاريخها الإنساني ستدمر، فتفقد قرارها الوطني المركزي، خاصة في قضايا مصيرية كتحرير الأراضي المحتلة واستعادة المسلوبة، والحفاظ على أمن الناس وسلامهم في المستقبل.وهذا أكثر هولا من أن تُستعمر مجددا ، أو تُحتل مثلا؟! فما بالك بالجولان؟ إذا ماتم تقطيع أوصال سورية وتقسيمها طبقا لمخطط أشيع مؤخرا بشكل واسع أنه يحضر لها.إذ أنه في واقع الحال هنالك لواء اسكندرون وهنالك أرض الجولان،خارج نطاق السيادة السورية، وهاهو الشمال السوري مطية التجاذبات الكردية التركية، ويعلن طرفه الكردي حكمه الذاتي ذي التطلع الفدرالي، كما أن الشريط الحدودي مع (إسرائيل) عبر الجولان مهدد جديا بحكم تلك العلاقة التي تربط المجموعات المسلحة فيه بـ(إسرائيل) ربطا(دمويا) جراء تلك الرعاية الصحية التي توليها لجرحاهم وتعويض دماءهم المفقودة (بدماء إسرائيلية) وهم يقاتلون جيش حكومة بلادهم الذي ضحى بآلاف الشهداء على درب الكرامة الوطنية واستعادة الأرض المحتلة. يقاتلون جيش بلادهم على نفس المستوى الذي تقاتله فيه (إسرائيل).إذن سيكون حقا في النظام الفدرالي تدمير لسورية، كما قال الرئيس السوري، إذ ترمي الفدرالية بذلك إلى مساعدة (إسرائيل) في قضية التحكم بالمنطقة العربية تحكما سيطول زمنه بغياب سورية وفقدانها وعيها القومي ،وبالتالي ضياع فلسطين، فتذهب هدرا دماء السوريين والفلسطينيين ودماء كل المقاومين من عرب وغير عرب.
*أما عن حلف المقاومة: نجد أن العصب الذي يربط بين جهاته هو الموقف من رأس حربة العدوان الغربي على العرب والإسلام، والذي تمثله (إسرائيل) وقد سجل هذا الحلف الذي تتوسطه سورية سوابق في هذا الاتجاه أهمها:
-ما أنتجته الثورة الإيرانية من مواقف بدء من تحويل سفارة(إسرائيل) في طهران إلى سفارة فلسطينية عقب نجاح الثورة في عام 1979م، وتكنيس النفوذ الغربي من إيران كنسا عنيفا بكلف باهظة جراء الحصار ومقاطعة الغرب السياسية والاقتصادية لإيران.
-إفشال المقاومة اللبنانية، ومحورها حزب الله ،العدوان الإسرائيلي عليها في عام 2006م، بعد إجبارها (إسرائيل)على الانسحاب منه في عام 2000م، وجعلها تدرك أن قوة المقاومة في لبنان قوة لا يمكن إزالتها بالسهولة التي كان جيشها يتوقعها، وأن الخطر الوحيد الذي يقض مضاجع القادة الإسرائيليين الآن، يأتيها من الشمال..أي من حزب الله، في ظل صمود طويل وإعجازي أبدته سورية، أتاح لحزب الله أن ينخرط في الحرب على الإرهاب إلى جانب سورية، متخطيا جميع التحفظات الجغرافية- السياسية والاجتماعية وهو على حق مثلما تخطت مجاميع الإرهاب تلك التحفظات وهي على باطل. الأمر الذي يعني أن حلف المقاومة، ولواقتصرت قوته على الحدود الدنيا مما يملك الآن، وهو ليس بالهين، سوف لن يتراجع، أمام أي شكل من أشكال التهديد الذي يتلون بكل الألوان(الربيعية الدموية) ولعل (الفدرالية) ليست آخرها.!
* موقف روسيا الاتحادية:
ظهّرت الأزمة السورية عظمة روسيا الاتحادية في موازاة الدولة العظمى أميركا، وها هما تعملان معا لإنجاز تسوية سياسية للأزمة السورية، ومنها سينطلق قطار التسويات في كل اتجاه على مستوى المنطقة العربية، وأكثر من ذلك على مستوى إرساء توازن دولي جديد للقوى العالمية.
عندما يعتمد الحوار السياسي بين الدول العظمى طريقين، سري وعلني، ما ينتج تفاهمات لا تظهر جلها دفعة واحدة على مستوى التنفيذ، ينبغي علينا القول أن موضوع الجولان، قد بحث على هامش الأزمة السورية، وقد كان ساخنا عندما هيّء لأن يكون قاعدة انطلاق للمقاومة ضد الاختلال الإسرائيلي له..وقد قدم محور المقاومة شهداء على هذا الطريق، كان آخرهم الشهيد “سمير القنطار” شيخ المقاومين.قبل ذلك وبعده لم يتوان القادة الإسرائيليين من سياسيين وعسكريين وعلى رأسهم الرئيس الإسرائيلي ورئيس وزرائه، عن الحج إلى موسكو، ليتبينوا الخيط الأبيض من الخيط الأسود بخصوص المقاومة المعلنة ضد (إسرائيل) ومراميها…سيما بعد أن أرخى بظلاله على هذه القضية الوجود العسكري الروسي في سورية بدءا من الثلاثين من أيلول لعام 2015م.أفهمت روسيا الاتحادية (إسرائيل) أن سورية سوف لن تفتح جيهتين، بمعنى أن جبهتها الرئيسة الآن هي داخلية، وغير ذلك مؤجل. لكن مثل هذا الأمر هل يمثل حقيقة الموقف السوري بكل حذافيره ومراميه الوطنية؟
الحكومة سورية متمسكة بوحدة أراضيها، ومن ذلك مشروعها لاستعادة الأرض المحتلة من قبل (إسرائيل) منذ عام 1967م، وإن هذه القضية كانت موضوع ورقة أو(وديعة) رابين التي بنيت عليها محادثات سلام سابقة بين السوريين والإسرائيلين بوساطة أميركية، كان آخرها في زمن الرئيس الراحل حافظ الأسد عندما أنهاها مع الرئيس الأميركي (كلينتون) لما لم يستجب (الإسرائليون) للمجتمعين في فندق”انتركونتيننتال” جنيف” عام 1999 للطلب السوري بالانسحاب الكامل من الجولان طبقا لقرارات الأمم المتحدة، وقد كانت الشعرة التي قصمت ظهر المباحثات في حينه ،اكتشاف الرئيس الراحل حافظ الأسد أن الأميركيين لا يملكون رؤية للحل السياسي لقضية الانسحاب الكامل تخالف الرؤية الإسرائيلية، ولو بفرق مئات الأمتار من الأرض التي هي سورية في الأصل؟! كما كُتب حول هذا الموضوع !؟
إذن روسيا الاتحادية دخلت سورية عسكريا بطلب سوري، وهي بهذا تمتثل للمواثيق الدولية، وقد أعلنت رفضها القاطع لتغيير الأنظمة السياسية للدول بالقوة أو بالتدخلات الخارجية أيا كان مصدرها وأيا كانت دوافعها. وبحكم كونها عضوا دائما في مجلس الأمن أمّنت استصدار قرار يعالج الأزمة السورية ويضع لها حلا سياسيا من خلال الحوار السوري السوري، بدون تدخلات أو شروط خارجية…وهي، مع كل هذه الصفات والمواقف المبدئية، لا أرى أنها قد سلّفت (إسرائيل) موقفا يشجع رئيس وزرائها” نتنياهو” على قول ما قال في مكالمته مع الوزير الأميركي “كيري” ليغدو ما قاله “نتنياهو”عن نسيان الجولان من قبل سورية، ليس برأيي، سوى إسهاما معنويا ضاغطا، بقصد رفع نسبة إفصاح المعارضة عن موقفها المماليء للغرب ومعه (إسرائيل)، وأقله جعل مثل هذا التصريح موضوع اختبار لحقيقة موقف المعارضة تجاه الجولان، كي تستفيد منه إلى أقصى الحدود ، واستخدامه كحجة لصالح احتفاظها به طالما أن جزءا مهما من المعارضة، وخاصة المسلح والمتطرف منها، يطلب عونها، وهو غير مكترث بالجولان، وطالما أن الحكومة السورية ضعيفة بنظره،أو أن هنالك ضمانات مقدمة، ولو مؤقتة أو ظرفية، من روسيا الاتحادية، لا تتيح لسورية الآن إمكانية فتح جبهة ثانية باتجاه (إسرائيل) فتزيد هذه، على ضوء ذلك، من جرعات التطبيع مع أهل الجولان، على أمل أن ينسى من ينسى وطنه وبالتالي أصله السوري وعروبته.؟!
*مرجعية مجلس الأمن لا تستطيع أن تنكر أن الجولان أرض عربية سورية ، وهي تعارض كل القرارات الإسرائيلية ذات الصلة بضم الجولان، وأميركا وروسيا الاتحادية أهم عضوين دائمين من أعضاء مجلس الأمن، وبالتالي هما دولتان عظميان لم توافقا على إجراءات (إسرائيل) فيما يتعلق بضم الجولان أو (صهينته)، هذا بغض النظر عن الهوى الغربي الذي يتعاطف مع الباطل الإسرائيلي قلبا وقالبا.فما على الحكومة السورية هنا، وكعادتها، سوى إيداع احتجاجها لدى الأمم المتحدة على تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي كوثيقة تُضم إلى الكثير من مثلها ضد المواقف الإسرائيلية العدوانية، الأمر الذي لا تدركه ولا تتمتع به المعارضة السورية لعدم آهليتها لذلك، فالحكومة السورية ورئيسها “بشار الأسد”، الذي تصر المعارضة على تنحيته خدمة لمرجعياتها المتآمرة على الدولة السورية، هي من تملك مثل هذا الحق المعترف به من قبل أعلى مرجعية أممية.
وأخيرا
الكثرة لم تكن معيارا للانتصار في التاريخ وفي أهم مفاصله، فكل قضية حق بدأ حملتها فرادى، ثم اجتمع حولهم الناس فانتصروا…والأمثلة كثيرة في التاريخ على مستويي الحق، أكان وضعيا ذلك الحق أم كان دينيا.
” كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين”
علي الدربولي
كاتب سوري