بعد ثلاث سنوات، أو تزيد قليلا، سيكون الموريتانيون على موعد مع لحظة الحقيقة، وحينها سيضطر الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز إلى حسم قراره الذي لا زال يؤجل التعليق بشأنه لحاجة في نفس “يعقوب”، أو ربما لحاجات في أنفس “يعاقيب” كثر، فحينها ستكون الولاية الثانية، والأخيرة دستوريا للرئيس عزيز قد انتهت، وبالتالي عليه أن يحزم حقائبه ويغادر القصر الرمادي، وهو قرار قد يبدو بدهيا بالنسبة للعالم المتحضر والديمقراطيات الراسخة، ولكنه ليس كذلك في بلد يعيش ديمقراطية كسيحة زفت على ظهر دبابة، ومازالت فيه أحذية العسكر ونياشين الجنرالات هي الأقوى صوتا، رغم “الديكور” المدني الزائف والهش…
راوغ الرئيس عزيز كثيرا بشأن إعطاء موقف حاسم من هذا الأمر، فكلما سأل عنه، أجاب بأن الوقت لا يزال مبكرا، ورغم تأكيد المقربين منه أنه لا نية لديه لتغيير الدستور أو الاستمرار لولاية جديدة، إلا أن رفض الرجل لإعطاء جواب حاسم وقاطع، ينضاف إلى مؤشرات أخرى عديدة يترك الموريتانيين في حيرة من أمرهم تجاه هذا السؤال الخطير، ويجعل مستقبل البلد “سياسيا”، وبالتالي اجتماعيا واقتصاديا، مستقبلا يلفه الغموض ويلونه “اللايقين” والضبابية، خصوصا أن كل المؤشرات لا توحي بأن الرئيس الحالي يتصرف تصرف رئيس منصرف، فاشتراطاته الكثيرة تجاه الحوار السياسي، وحديثه “العفوي أحيانا” عن أن المشاريع التنموية ستستمر خلال سنوات عديدة مقبلة، وتغول “محيطه السياسي والاجتماعي”، كلها أمور تعني أننا أمام رئيس يخطط ليبقى، وفي أحسن الحالات رئيس لم يحسم أمره بعد، ومازال يبحث عن “تخريجة” قانونية تبقيه في القصر الرمادي سنوات أخرى بعد انصرام الولاية الرئاسية الحالية..
رغم عدم ثقتي الكاملة تجاه وعود قادة العالم الثالث، ويقيني أن إيمانهم بالديمقراطية والتناوب السلمي على السلطة ليس إيمانا راسخا، إلا أنني أرجح بحكم عوامل موضوعية عديدة بعضها داخلي يتعلق بتزايد الوعي الشعبي وبعضها خارجي يخص الرفض الغربي لللقيام بمغامرات غير دستورية في بلد هش مثل موريتانيا، وفي منطقة قد يتطاير شرر اضطراباتها إلى أوروبا، بحكم كل تلك العوامل أرجح ألا يسعى الرئيس عزيز لتغيير الدستور أو الاستمرار لولاية جديدة، ولكنه في نفس الوقت لن يترك فترة ما بعد حكمه، تسير وفقا لما تشاء إرادة الشعب وصناديق الاقتراع، وإنما سيتم البحث عن بديل من دائرة السلطة الحالية يخلف الرئيس عزيز بحيث يضمن استمرارية مصالح المجموعة الحاكمة ويحصنها من التبعات القانونية التي قد يفتحها أي رئيس من خارج الوسط الحاكم حاليا، وهنا يقفز إلى أذهان الكثيرين اسم الجنرال غزواني بوصفه الخليفة المحتمل، بناء على دور الرجل في مرحلة ما بعد ولد الطائع، وبحكم علاقته “الوثيقة جدا” مع الرئيس عزيز، غير أنني استبعد هذا الخيار، فغزواني يفضل لعب دور “صانع الملوك” بعيد عن أن يلبس التاج، وربما تلعب خلفيته “الصوفية” ونمط شخصيته “البعيدة عن حب الأضواء” دورا في ذلك..
قد يبدو اسم الوزير الأول السابق “ولد محمد الغظف” مطروحا لدى البعض لخلافة عزيز بوصفه أحد أركان النظام الحالي البارزين، إلا أن خلافه المزمن مع الرجل الثاني في النظام “غزواني”، وهو الخلاف الذي كان سببا في منعه من الاستمرار وزيرا أول ، يجعل حظوظه شبه معدومة في هذا السياق، يضاف إلى ذلك، أن أركان الحكم الحالي، وخاصة عزيز وغزواني، لا يريدان أن يعيدا تجربة “ولد الشيخ عبدالله” الذي صنعا منه رئيسا، ثم ما لبث أن انقلب عليهما تحت ضغط مجموعات معينة قربها الرجل بناء على الانتماء “الطرقي” المشترك..، وهنا فإن الخيار قد ينحصر في شخصية “سهلة المراس″ ، مضمونة الولاء، ليس لديها “انتماء قبلي أو “طرقي” قوي، بحيث لا يخشى انقلابها على المجموعات الحاكمة حاليا……..
هذا السيناريو السالف الذكر، قد لا تكون طريقه سالكة، فموريتانيا تاريخها مع الانقلابات طويل، وأحلام العسكر ببلاط الحكم لا تزال موجودة، والمغامرون كثر، ولذا فليس من المستبعد أن نصحوا يوما على “البيان رقم 1″…………….
لا تشكل السنوات سوى لحظة في عمر الدول والمجتمعات، وعليه فإن سؤال “ما بعد عزيز″ يجب أن يطرح الآن وبإلحاح قبل أن تباغتنا الأيام الحبلى بالمفاجآت..
محمد سعدنا ولد الطالب