![](https://mithak.com/sites/default/files/73c630bcb6a9943371556adba9e7228c_L.jpg)
قد يعتقد بعض من يقرأ هذا العنوان أنه ينطوي على مبالغة في الطرح أو أنه يحمل تجنيا، لكنه يتناول ببساطة واقعا تعيشه البلاد وأسئلة حائرة تبحث عن أجوبة موضوعية، يلح المواطن العادي في طرحها ولا يجد لها جوابا شافيا من طرف السلطة والمعارضة معا، بل كلما وجد نفسه يسأل يجد أن السؤال، على طريقة الفلسفة، يزيحه إلى سؤال آخر أكثر إلحاحا وعمقا.
فمنذ الاستقلال والمواطن الموريتاني يبحث عن وطن ودفء وطن ومستقبل لأبناء وطنه الذين عانوا الحرمان والغبن في مقابل ثلة تحكم وتستحوذ على كل شيء من ثروات وامتيازات ومناصب بل وتورثها لأبنائها، بينما لا يجد الكثيرون قوت يومهم بسبب الفقر والفاقة وغياب فرص العمل التي تتيح له توفير حد أدنى من العيش الكريم.
منذ الاستقلال والنخب الفرانكفونية المتغربة ذاتها تتناوب على الحكم وعلى صناعة القرار بينما يتعمق حرمان المواطن ويضيع مستقبل الوطن في ظل غياب خطط ومقاربات كبرى لانتشاله من التردي ووقوفه قويا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحتى ثقافيا إلى جانب دول الجوار من حوله وخاصة تلك التي قطعت أشواطا كبيرة ومتقدمة في نهضة بلدانها ورفاهية شعوبها، بينما نقف نحن هنا لنبحث للمواطن عن قوته وعن سكن يؤويه وعن ماء وكهرباء وخدمات الحد الأدنى كالطرق والمواصلات والوظيفة والدخل ونوزع عليه "الإسعافات" بطريقة تهدر كرامته وهو افتراضا صاحب الثروة والسلطة والامتيازات.
منذ الاستقلال في العام 1960 لم تجد موريتانيا من ينتشلها من التخلف والجهل والمرض والفقر، باستثناء بعض المحاولات الخجولة التي يلتف عليها لاحقا أصحاب المصالح الشخصية ليعيدوا الوطن إلى سكة التخلف والفقر والمرض في مقابل ثرائهم الفاحش على حساب المواطنين.
ومع وصول الرئيس محمد ولد عبد العزيز بدأت بعض الأسئلة تجد أجوبة لها، لكنها ليست شافية على أهميتها، فها هو المواطن أخيرا يحصل على قطعة أرضية للسكن، ولكن من دون توفير سكن قائم، وها هو يحصل على الماء والكهرباء والطرق ووسائل النقل بدرجة كبيرة، ويحصل على بعض العلاجات الأساسية مجانا ولكنها لا تفي لتلبية احتياجات الجميع، ومع ذلك فهي جهود تذكر وتستحق الإشادة عملا بالقاعدة التي تحث على تشجيع من يقوم بالقليل أملا في إنجاز ما هو أهم.
يضيع المواطن ووطنه في خضم صراعات السياسيين وخلافاتهم، ويدفع الوطن والمواطن ثمن تلك الصراعات على السلطة والنفوذ التي تحمل شعار مصلحة الوطن والمواطن، لكن النخب الحاكمة وخصومها في الواقع لا تهتم بهما ولا بمستقبلهما فحين يصل أي طرف إلى الحكم ينسى كل التزاماته إلا ما يبقيه منها على صلة بالناخبين كي يوصلوه مرة أخرى إلى مركز صنع القرار حيث الامتيازات والنفوذ، وهكذا يظل الوطن يبحث عن ذاته.
مع بدايات الرئيس محمد ولد عبد العزيز بدأ المواطن يستشعر خطرا على لصوص المال العام وأملا في بناء وطن وتحقيق رفاهية المواطن، وشيئا فشيئا تسلل هؤلاء المتلونون إلى مراكز صنع القرار ليعودوا تحت مسميات جديدة وشعارات مختلفة ولكن بنفس الأثر السلبي على الوطن فحكموا وتحكموا وبقي الوطن والمواطن أكبر الغائبين.
ربما يعاني نظام الرئيس، في هذه الظرفية، أزمات خانقة ليست من صنعه، فأغلب العائدات تراجعت بفعل انخفاض أسعار المعادن (الحديد والذهب)، وضبابية المشهد بالنسبة للثروة السمكية، حيث يشتري المواطن سمكه بأغلى مما يمكن تصوره، كما يشتري لحومه الحمراء بأسعار خيالية، هناك أزمة بالتأكيد ولكن هل يمكن تبرير إيجاد حلول لها بمضاعفة الضرائب على ذوي الدخل المحدود وأصحاب الأنشطة الخفيفة والإبقاء على أسعار المحروقات مرتفعة لتعويض بعض خسائر عائدات الحديد ؟!
وسياسيا، لا يمكن لموريتانيا، وهي بحاجة إلى دعم بعض الدول العربية بعينها، أن تتبنى سياسة خارجية مستقلة لأنها بذلك تفقد الوعود بتمويل بعض مشاريعها ودعم بعض برامجها التنموية وتحرم نفسها من الهبات والقروض "السخية" التي يعد هؤلاء بتقديمها، ومع ذلك فالمواطن البسيط يدرك كيف كان توجه النظام منذ البداية فطريا وداعما للمظلومين ورافضا للغطرسة، ولكن الأوضاع الصعبة تفرض على صناع القرار العودة خطوات إلى الوراء بحثا عن استقرار داخلي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لا يتأتى في غياب التمويلات والقروض والهبات من بعض الأطراف التي تفرض شروطها المجحفة أحيانا. فمثلا حاول الرئيس ولد عبد العزيز مع بعض قادة القارة السمراء أن يشكلوا كيانا وقوة تستطيع اتخاذ قرارات ومواقف مستقلة ومشرفة من مختلف القضايا الإقليمية والدولية ولكن الظروف الإقليمية والدولية الصعبة فرضت نفسها وأرغمت هؤلاء القادة على الدخول في مسار الأقوياء والإنصات إليهم، ومع ذلك فثمة "بقية أخلاق" .
وعودة إلى تساؤلات المواطن ومستقبل الوطن، فأين ما يتطلع إليه المواطنون كحد أدنى من العيش الكريم، وليس الرفاهية، فهل تكفي دكاكين "أمل" وبعض المشاريع الصغيرة التي تنفذها "وكالة التضمان"، لتضمن كرامة المواطن الفقير وتؤمن له حدا أدنى من الحياة الكريمة؟
صحيح أنها برامج ساهمت في التخفيف من وطأة الأسعار ووفرت بعض المواد بأسعار مقبولة، ولكن هل يكفي ذلك لنتحدث عن حياة كريمة؟
هل يكفي أن نمنح المواطن قطعة أرضية في "الترحيل" أو "الحي الساكن" أو "الجزيرة" أو "لمغيطي" لنتحدث عن ظروف أفضل؟ هل يكفي أن نوفر أجهزة تصوير طبقي وأدوية أساسية وعلاجات مجانية لبعض أصحاب الأمراض المزمنة لنتحدث عن حياة كريمة مع العلم أن كل ذلك يبقى ناقصا في غياب توفير الأدوية السليمة من التزوير بأسعار في متناول هؤلاء الذين أصبحوا عاجزين بفعل المرض والفقر؟
هل تكفي زيادة رواتب العمال بنسبة 30% لنتحدث عن حياة كريمة مع العلم أن الحد الأدنى الذي يمكن لصاحبه أن يعيش في ظروف مقبولة يفرض تقاضيه راتبا لا يقل عن 350 ألف أوقية من دون احتساب العلاجات والإيجار وفواتير الكهرباء والماء. فأين رواتب غالبية موظفي ووكلاء الدولة من هذا المبلغ البسيط جدا؟
إن حالات التذمر التي يعرفها المواطنون والتي تسببت في هجرة مضادة من أحزاب الأغلبية إلى أحزاب المعارضة تعود بالأساس إلى فقدان الأمل من تحقيق تطلعاتهم في غد أفضل، خاصة بعد الوعود الانتخابية التي أطلقها رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز قبل انتخابه في مأموريته الأولى ووعد بالمزيد في مأموريته الثانية. لذلك يئس هؤلاء وعادوا إلى أحزابهم بحثا عن أمل في غد أفضل. ومع ذلك يتصامم صناع القرار ويتجاهلون كل ذلك ويعمل المتلونون على حشد آلاف المغبونين والمحرومين للرد على مهرجانات المعارضة، وهو ما يعني أن على رئيس الجمهورية أن يدرك جيدا أن الحشود التي ستجمعها رموز السلطة ليست معه بل تجلبها سياط الجوع والخوف وستذهب غدا إلى الفسطاط الآخر حين تبقى في مواجهة صناديق الاقتراع لتنتخب خصوم حزبه في المعارضة اليوم.
أعتقد أننا بحاجة ماسة إلى من يبحثون عن سعادة المواطن وعن رفعة الوطن، ولسنا بحاجة إلى من يهزم خصومه السياسيين سواء في استعراضات الشوارع أو في الانتخابات. ما يهم المواطن هو أن يستشعر دفء الوطن وما نتطلع إليه كمواطنين هو رفعة الوطن وأن يتبوأ المكانة التي تليق ببلاد "المنارة والرباط".
أحمد مولاي امحمد
العدد 481 من أسبوعية التواصل بتاريخ 07-03-2016