من نحن… وماذا نريد؟ابرهيم سيداتي

30 ديسمبر, 2025 - 14:31

من نحن، وماذا نريد؟ سؤالان مركزيان يختصران جوهر إشكال الدولة والمجتمع في موريتانيا منذ الاستقلال. فنحن بلد حديث العهد بالدولة الوطنية، لم يعرف المؤسسية بالمعنى الحديث قبل قيامها، إذ تشكّل تاريخيًا خارج إطار الدولة المركزية، متنقلًا بين فضاء بلاد السيبة، وتجربة الإمارات، ثم كيان موريتانيا في ظل الاستعمار، وصولًا إلى الجمهورية الإسلامية الموريتانية. وقد غادر المستعمر دون أن يخلّف بنى تحتية أو مؤسسات قابلة للبناء والتطوير، تاركًا وراءه دولة ناشئة مثقلة بالهشاشة، ومجتمعًا لم يُتح له الزمن الكافي للانتقال الطبيعي من البنية التقليدية إلى منطق الدولة الحديثة.
وفي مرحلة ما بعد الاستقلال، تعاقبت الحكومات دون أن تنجح في تفكيك الإكراهات الوطنية الملحّة، وفي مقدمتها قضايا الهوية، والوئام الاجتماعي، والوحدة الوطنية. فجاءت نقاشات مؤتمر ألاك، ثم أحداث الستينات، وانتفاضة الثمانينات، محطات كاشفة عن عمق أزمة بناء الدولة، لكنها ظلت أقرب إلى لحظات تشخيص منها إلى محطات حسم. فلم تُفضِ تلك التجارب إلى حلول جذرية ودائمة، بل جرى احتواء الأزمات أو ترحيلها من مرحلة إلى أخرى.
ظلت المعالجة في معظمها سطحية وظرفية، ولم ترتقِ إلى مستوى تأسيس مشروع وطني جامع. فلم نحسم بعد سؤال: ماذا نريد؟ ولم نتوافق على تصور مشترك للدولة التي ننشدها، ولا على أسس واضحة لتنظيم العلاقة بين مكوناتها، تقوم على المواطنة المتساوية، والعدل، والشراكة، لا على منطق الغلبة أو الإقصاء. ومن دون هذا الحسم الفكري والسياسي، ستظل الأزمات تتجدد، لأن جذورها العميقة لم تُعالج بعد.
وفي هذا السياق، يشكّل الحوار الوطني المزمع تنظيمه من طرف رئيس الجمهورية فرصة تاريخية لا ينبغي التفريط فيها، ليس بوصفه إطارًا لتبادل المواقف أو امتصاص التوترات الظرفية، بل باعتباره لحظة تأسيس جديدة تعيد طرح السؤال الجوهري: من نحن، وماذا نريد؟ فنجاح هذا الحوار يقتضي أن يرتقي إلى مستوى العقد الوطني الجامع، وأن يتجاوز الحسابات الضيقة، ليضع تصورًا واضحًا للدولة الموريتانية المنشودة: دولة المواطنة والمؤسسات، والعدالة، وسيادة القانون.
إننا اليوم أمام لحظة مفصلية وخيارين لا ثالث لهما: إما اغتنام هذه الفرصة لبناء توافق وطني حقيقي يضع البلاد على سكة الاستقرار والتنمية، وإما إعادة إنتاج الأزمة بصيغ جديدة. وحده الحوار الجاد، المؤسس على رؤية واضحة وإرادة صادقة، كفيل بأن ينقل موريتانيا من منطق إدارة الأزمات إلى أفق بناء الدولة.