
أعلن رسميا عن أول تعديل جزئي علي حكومة معالي الوزير الأول السيد المختار ولد اجاي،
بعد أسابيع من الترقب و الإنتظار والتكهنات التي لا حدود لها .
تم بموجبه تغيير وزراء و تبادل مهام بين أعضاء من نفس الحكومة السابقة،
شمل إحدي عشر حقيبة وزارية .
بدت بصمات الوزير الأول واضحة بشأن التعديل ،
حيث أطاح بأحد قادة الحرس القديم من وزراء السيادة ( العدل ) دون أن يمس التغيير الداخلية ، الخارجية ، الدفاع .
إلا أن الوزير المقال سرعان ماعاد و بالتزامن مع ظهور التشكيلة الجديدة من بوابة القصر الرمادي كوزير مستشار لدي رئاسة الجمهورية.
و في الوقت الذي تم فيه الإحتفاظ بأسماء ضمن التعديل الجديد محسوبة علي الوزير الأول و من مواقع مختلفة لعل أبرزها وزارة العدل .
كما نجت من التعديل أيضا قطاعات وزارية خدمية إجتماعية مثل : الشؤون الإجتماعية، التعليم بشقيه، النقل و التجهيز ، الطاقة و المياه ...الخ .
من جهة أخري حمل التعديل الوزاري وجوها جديدة دخلت المعترك الحكومي لأول مرة و تولت قطاعات هامة و حساسة مثل : الصحة و الوظيفية العمومية .
كما تم إعادة الثقة لشخصيات سياسية و تكنواقراطية قديمة من جيل المتقاعدين سبق و أن كانا أعضاءا في حكومات سابقة خلال العهد الطائعي ( منذ أزيد من 20 سنة ) .
في خطوة و صفها بعض المراقبين بالأقرب لنبش القبور .
رغم ما يمتلكه الوطن من رصيد بشري هائل و كفاءات شابة متعلمة بعضها ذات خبرة مكتسبة دوليا في إنتظار التوظيف أو التعيين في مناصب عليا أو وزارية .
فهل من الصدف
إسناد قطاع الشؤون الإسلامية و للمرة الثانية تواليا لأحد فقهاء الصيد البحري
أم أن الأمر يحتاج لفقه النوازل ؟!!
بالتأكيد ما ميز الهيكلة الجديدة لقطاع المالية و الإقتصاد ضمن التعديل هو إنفصال الإقتصاد عن المالية بعد زواج متعة و مصالح لم يدم طويلا .
و في سياق أعم أنقسم الشارع الموريتاني بشأن التعديل الجزئي ما بين : -
- مؤيد : يري بأن التعديل يدخل ضمن مسار إصلاحي واسع سبق و أن تبنته حكومة معالي الوزير الأول السيد المختار ولد اجاي وفق ما تمليه المرحلة من جهة و ما تقتضيه ملفات يري فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني من جهة أخري بأنها ذات أولوية إستراتيجية ضمن برنامجه الإنتخابي طموحي للوطن . بهدف تحقيق الفعالية و السرعة في تنفيذ الإصلاحات الجوهرية .
- أو مراقب و محلل : يري بأن التعديل الأخير لم يأت بجديد ولم يعكس تطلعات و رغبة المواطن في التغيير المنشود بقدر ما هو إعادة ترتيب موازين القوي داخل النخبة الحاكمة ضمن تعديل يخضع دائما لمحددات و معايير ثابتة محصورة في دائرة :
-التوازنات القبلية و الجهوية .
-المحاصصة الشرائحية .
-تدوير الأشخاص.
-التوزير العائلي و الأسري.
-تمكين الأحزاب الداعمة من داخل الأغلبية من تسجيل حضور داخل التشكيلة الحكومية.
بهذا نظل ندور بشكل منتظم في دوامة من سياسات التدوير التي تراكم الفشل و تشخصن المناصب علي حساب أهمية الموقع و تنفيذ السياسات و البرامج و مراكمة النجاحات.
هذا النمط قد لا يرقي
دائما إلي وصفه بالفساد الصريح .
لكنه يعكس خللا في آلية الإختيار و ضعفا في الشفافية وتغليبا للولاء السياسي و القبلي و الجهوي علي الكفاءة.
و مع الوقت يصبح التعديل بالنسبة للمواطن مجرد تغيير شكلي لا ينعكس علي تحسين الأداء الحكومي أو تطوير الخدمات .
ففي التجارب السياسية للدول المتحضرة و الديمقراطيات المتقدمة لا يحدث التعديل الوزاري إلا نادرا و لأسباب محددة و واضحة .
إما لتصحيح مسار أو إدخال كفاءات جديدة أو مواجهة أزمة طارئة .
إذ يعتبر إستقرار الفريق الوزاري جزءا من إستقرار الدولة .
فيتم إختيار الوزراء وفق معايير شفافة و خطط عمل معلنة،
و يقيم الأداء بشكل مؤسسي يحدد بقاء الوزير أو خروجه.
تأسيسا لما سبق فإن أي تعديل وزاري يمكن أن يكون أداة إصلاح فعالة ،
إذا جاء في إطار رؤية واضحة و ربط بخطط و برامج قابلة للتنفيذ ،
ضم كفاءات وطنية حقيقية مخلصة للوطن تؤمن بالإصلاح و التغيير و قادرة علي الإنجاز .
فحينما يبقي التعديل محصورا في دائرة الأسماء ذاتها .
ضمن التوازنات القبلية و الجهوية و المحاصصة الشرائحية و تدوير الأشخاص و التوزير العائلي. فسيفقد معناه و يتحول إلي حركة شكلية تستهلك الجهد و الوقت و تبقي المشهد السياسي في حالة دوران حول نفسه،
و هكذا دواليك !!
لا شك أن 65 سنة من قيام الدولة المركزية في ظل ما نملك من ثروات وخيرات هائلة و متنوعة كانت كفيلة بالنهوض بالبلاد و العباد نحو واقع أفضل و تنمية أكثر إستدامة .
حفظ الله موريتانيا