2015 أفريقيا على طريق الديمقراطية

28 ديسمبر, 2015 - 12:36

تجنبت العديد من الدول الإفريقية ، في عام 2015 ، سيناريوهات الفوضى والخراب، وأثبتت القارة السمراء قدرتها على شق طريقها نحو الديمقراطية وتحقيق الاستقرار، من خلال تنظيم انتخابات في كنف الشفافية والتعددية. وفي مقابلة مع الاناضول، اعتبر ليسيان بومبو، الخبير في العلوم السياسية والشؤون الإفريقية وعضو هيئة تحرير مجلة "جيوبوليتيك افريكان" المتخصصة، أن خطوات البلدان الإفريقية في 2015 نحو ترسيخ قيم الديمقراطية تعد بمثابة "بداية دمقرطة المؤسسات في إفريقيا". وتتصدر بوركينا فاسو طليعة الدول الإفريقية التي تتابع سيرها الحثيث في درب الديمقراطية، وذلك، بفضل نجاح مسارها الانتخابي في وضع حدّ لمرحلة انتقالية امتدّت لـ 12 شهرا، جاءت في أعقاب انتفاضة شعبية أطاحت، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2014، بنظام الرئيس السابق، بليز كومباوري. وانبثقت مؤسّسات جديدة منتخبة في البلاد، في آخر المطاف، لتبشر بنجاح النموذج البوركيني بعد أن أوشكت بوركينا فاسو على الانعطاف عن المسار الانتقالي اثر محاولة انقلاب فاشلة، في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث أعلن فوج الأمن الرئاسي ( الموالي للرئيس الأسبق بليز كومباوري)، بقيادة الجنرال "جيلبرت دينديريه"، عزل الرئيس الانتقالي "ميشال كافندو" ورئيس حكومته "إسحاق يعقوب زيدا". وفشلت محاولة الانقلاب بعد اصطدامها برفض شعبي على كامل تراب البلاد ووساطات إقليمية وإدانات دولية، لتنتهي باستعادة النظام الدستوري، لكنها أدت إلى تأجيل، موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي كانت مقررة في 11 أكتوبر الماضي إلى 29 نوفمبر/تشرين الثاني المنقضي. وتمكنت بوركينا فاسو، بفضل تعطش شعبها للديمقراطية وحكمة نخبها السياسية، من إجراء الانتخابات يوم 29 نوفمبر/ ، التي انتهت بتتويج روش مارك كريستيان كابوري، مرشح حراك الشعب من اجل التقدم، رئيسا للبلاد، منذ الدور الأول، بعد حصوله على 53.6 % من جملة أصوات الناخبين ليحسم المنافسة الشرسة امام أبرز خصومه، زيفيرين ديابري الذي حصل على 29.5 % من الأصوات، بحسب النتائج الرسمية. وعلى غرار المثال البوركيني، تمكنت كوت ديفوار من اجتياز الامتحان الديمقراطي، لتتابع سيرها الحثيث باتجاه الديمقراطية، في ظل خشية، بعض الملاحظين، من تكرار سيناريو أزمة ما بعد انتخابات 2010، والتي اندلعت على خلفية رفض رئيس ساحل العاج السابق، لوران غباغبو، الاعتراف بفوز خصمه الحسن واتارا، ما دفع بالبلاد إلى حرب أهلية خلفت أكثر من 3 آلاف قتيل، بحسب الأمم المتحدة. وبادر مرشح حزب الجبهة الوطنية الايفوارية، آفي نغيسان، أحد أبرز زعماء المعارضة في البلاد، بتهنئة منافسه الحسن واتارا، بولاية رئاسية ثانية لمدة خمس سنوات بعد حصوله على 83.66 % من أصوات الناخبين، خلال الدور الأول من الانتخابات قبل شهرين. ووعد واتارا الايفواريين، بعد تتويجه رئيسا للبلاد، بمواصلة مشروع المصالحة الوطنية ودفع عجلة الاقتصاد تأكيدا لدور كوت ديفوار الريادي بمنطقة غرب أفريقا. غير بعيد عن كوت ديفوار، أزهر ربيع الديمقراطية في دولة توغو، بعد نجاح العملية الانتخابية التي انتهت بفوز الرئيس المنتهية ولايته، فور غناسنغبي، بالانتخابات الرئاسية بعد أن حصد 58.745% من جملة الأصوات أمام خصمه "جون بيير فابر" الذي تحصل على 34.95%، بحسب الهيئة الانتخابية في البلاد. ورغم توتر الأجواء السياسية بين السلطة والمعارضة التي رافقت الاستحقاق الانتخابي، إلا أن العملية الانتخابية، في توغو، لم تشهد أعمال عنف، على غرار ما حصل في انتخابات 2005 التي خلفت مئات القتلى، بحسب منظمات حقوقية. إضافة إلى ما تقدم، ركبت بنين، بدورها، موجة الديمقراطية الإفريقية وتمكنت من تنظيم انتخابات برلمانية في 27 ابريل/نيسان الماضي، وصفت بالشفافة، وفق الملاحظين، وحصل على إثرها، التحالف الحاكم في بنين الذي يتزعمه الرئيس "بوني يايي"، على 32 مقعدا في المجلس الوطني (البرلمان)، من اصل 83 عضوا وأحرز حزب "الاتحاد يصنع الأمة" المعارض على 13 مقعدا، فيما حصد حزب التجديد الديمقراطي على 10 مقاعد ونال تحالف نهضة بنين- الصحوة الوطنية 7 مقاعد برلمانية (بقية المقاعد تقاسمتها 7 أحزاب أخرى). وكان ايجابيا أيضا ان يعلن الرئيس يايي عقب هذه الانتخابات عدم عزمه تعديل الدستور بما يسمح له بالترشح مجددا في رئاسيات 2016. في السياق نفسه، نجحت العديد من الدول الإفريقية الناطقة بالانجليزية من تنظيم انتخابات سلمية. على غرار نيجيريا، التي تمكنت من تنظيم انتخابات رئاسية اجمعت مختلف ألوان الطيف السياسي في البلاد، على مصداقيتها. ونال مرشح حزب "المؤتمر التقدمي" المعارض، محمد بوهاري على 53.9% من الأصوات أمام الرئيس النيجيري المنتهية ولايته، غودلاك جوناتان، الذي حصل على 44.96% من جملة الأصوات. وفي تنزاينا، فاز مرشح الحزب الحاكم "جون ماغوفولي" بمنصب رئيس البلاد بنسبة 58% من أصوات الناخبين، في الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ورفض ادوارد لواسا، مرشح المعارضة ورئيس الوزراء الأسبق،نتيجة الانتخابات، في البداية، قبل أن يقر بشرعيتها، فيما بعد. الصحوة الديمقراطية الإفريقية لا تتنزل خارج الإطار السياسي والاجتماعي والثقافي الذي يحيط بالقارة السمراء، التي تسعى جاهدة لتجاوز انتكاساتها المتتالية بسبب الصراعات الدموية والتكالب على السلطة، بحسب ليسيان بومبو. وتابع الخبير في الشؤون الإفريقية، للأناضول: "فهم العديد من القادة الأفارقة أن التداول على السلطة، أفضل بكثير من القمع والعنف، من خلال التجارب الأليمة التي عرفتها بلدانهم"، مضيفا أن نجاح الانتخابات في هذه الدول التي تم ذكرها "اعتراف ضمني بأن التداول السلمي على الحكم معطى أساسي للبناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي في هذه البلدان". ولئن نجحت دول كثيرة من انجاز استحقاقاتها الانتخابية في أجواء سلمية، إلا أن بلدان افريقية أخرى فشلت في ذلك، على غرار بوروندي، التي تعيش على وقع أزمة سياسية وأمنية منذ ترشح الرئيس البوروندي، بيير نكورونزيزا، لولاية رئاسية ثالثة، يحظرها الدستور بحسب المعارضة، في أبريل/ نيسان الماضي، أسفرت عن مقتل المئات، ونزوح أكثر من 200 ألف بوروندي نحو الدول المجاورة، بحسب الأمم المتحدة. ويلوح شبح أزمة سياسية في أفق، جمهورية الكونغو الديمقراطية، قبيل الانتخابات الرئاسية المزمع إجرائها عام 2016، عقب رفض جزء واسع من المعارضة والسكان التعديل الدستوري المرتقب الذي سيسمح لرئيس البلاد الحالي جوزيف كابيلا من الترشح لولاية رئاسية ثالثة. أما في الكونغو البرازافيل، فقد رفض جزء كبير من المعارضة نتائج استفتاء 25 أكتوبر/تشرين الأول الذي يرفع العقبة الدستورية التي تقف أمام ترشّح الرئيس المنتهية ولايته، دينيس ساسو نغيسو، لانتخابات 2016، والذي تم إقراره بنسبة تجاوزت 92% من جملة الأصوات. في سياق آخر، وتتجه اغلب الأنظار نحو الدور الأول من الانتخابات البرلمانية والرئاسية في جمهورية إفريقيا، التي سيتم إجرائها يوم الأربعاء القادم، 30 ديسمبر الجاري، لتضع حدا لفترة انتقالية تشهدها البلاد منذ مطلع العام الماضي الذي تهزه نزاعات طائفية، منذ ديسمبر/كانون الأول عام 2013 أسفرت عن مقتل وتهجير وتشريد مئات الآلاف. ومن منظور متفاءل، يرى الخبير في الشؤون الإفريقية أن عام 2016 سيعمل على تأكيد "الصحوة الديمقراطية" التي تشهدها إفريقيا، رغم تخلف بعض الدول عن المسار.

المصريون