ملاحظات سريعة بقلم: بونه ولد الحسن / محامٍ

22 أبريل, 2025 - 20:03

في أزمنة الاضطراب السياسي، كثيراً ما تفاجئ الأحداث الجميع، فتسحب البساط من تحت أقدام التحليل الهادئ، وتربك حسابات الفاعلين. وهذا ما شهدته موريتانيا عقب انقلاب 2008، حين تسارعت التطورات على نحو غير مسبوق، ولم تترك للناس متسعاً للتأمل أو التفكير في مآلات الأزمة.

ظهرت على السطح قراءات متعددة للمشهد. بعضهم حذّر من خطر الانزلاق نحو حرب أهلية، وآخرون تحدّثوا عن انهيار اقتصادي وشيك، فيما رأى فريق ثالث أن البلد بات مهيّأً ليكون ساحة لتجربة جديدة من تجارب إفشال الانقلابات، بعدما كان سابقاً ميداناً لتجارب المؤسسات المالية الدولية.

وفي خضم هذه القراءات، برزت دعوات إلى إقصاء طرفي النزاع: السلطة المنبثقة من الانتخابات، والسلطة التي فرضت نفسها بحكم الأمر الواقع، على أن يُفسح المجال لقوة ثالثة تدّعي تمثيلاً شعبياً أوسع. بينما ذهب آخرون إلى أن مؤسسات الدولة جميعها تتآكل، وأن الإنقاذ الشامل بات ضرورة ملحّة.

في المقابل، اختار البعض الصمت، إما بدعوى التحفّظ، أو خشية الوقوع في مطبّ المواقف المحرجة. وهذا الصمت، في تقديري، ليس بريئاً دائماً، بل يُشكّل – في بعض تجلياته – ما يمكن تسميته بـ”مؤامرة الصمت”، التي تتيح للأزمة أن تتفاقم دون مقاومة، وتمنح المتصارعين فسحة لتوسيع رقعة النزاع.

وما يدعو للأسف أن ساحة النقاش شهدت انحداراً ملحوظاً في مستوى الخطاب. فبدلاً من التحليل العميق، طغت نبرات هجومية، وعبارات جارحة، وتشكيك متبادل، حتى غابت الموضوعية، وحجبت المواقف الشخصية رؤية الواقع كما هو.

وبعيداً عن هذا الضجيج العقيم، تعرّضت شخصياً لحملات تشويه ممنهجة، استهدفت سمعتي، شارك فيها بعض الإعلاميين الذين سخّروا أقلامهم لأجندات لا أعلمها. ورغم أن هذه الحملات طالتني بالاسم والصفة، لم أرَ ضرورة للرد، سوى بتوضيح مقتضب عبر قناة الجزيرة، حرصاً على إجلاء الحقيقة. وفي كل الأحوال، ضاعت على البلد آنذاك فرصة ثمينة.

أشير هنا، على سبيل المثال، إلى ما نُشر بخصوص قضية الأوروبيين الذين أوشكوا على الانسحاب إثر حادثة ألاك. قيل إنني أقنعتهم بالبقاء، وإن ذلك “لم يكن مجاناً”. والسؤال هنا: هل قبضت ثمناً مقابل هذا الدور الوطني؟ أم أن الموريتانيين كافأوني؟ لا هذا ولا ذاك. قمت فقط بما يمليه عليّ واجبي، لكن ما أزعجني حقاً هو ضعف مستوى الاستنتاج.

ورغم محاولات النيل المتكررة، التي شملت – دون مبرر قانوني أو أخلاقي – تفتيش حساباتي المصرفية مرات عديدة، فإنها ظلت خالية من أية شبهة. وإني إذ أذكر هذه الوقائع، فلا أفعل ذلك سعياً إلى تبرئة الذات، بل لتسجيل موقف، والتأكيد على انسجام قناعاتي عبر الزمن.

إن ما يجري في البلد اليوم من محاولات التشويش على مسار واعد، وخطط محكمة يتطلب منا وقفة صادقة مع الذات. لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، لكن من حق كل وطني غيور أن يدلي بدلوه، بعيداً عن التخوين والتشويه. ومن الواجب أن ننتصر لخطاب العقل، وأن ننبذ منطق التهييج، ومنطق تصفية “الخصوم” بوسائل غير شريفة، 
 أدوّن هذه الملاحظات من الأندلس مستحضرا ثقل حضارة تمثلت ما كتب عنها ، وأدرك أن ما قلت يحتاج مقالات مستقلة لتوضيحه. غير أني أرجو أن تجد هذه الكلمات من يقرؤها بعين متجردة، بعيداً عن الانحياز، وأن تكون شاهدة على مرحلة من مراحل صراع عقيم، نحتاج فيه إلى إعادة توجيه العقول نحو تشخيص عوائق الانسجام، وفهم طبيعة الصراع، وتحويله إلى طاقات بنّاءة.
وفي كل الاحوال نحن بخير ، في السلم وفي الحرب ،بفضل الواحد الاحد