حول المقارنة والانتقاد في السياسة الخارجية

26 ديسمبر, 2015 - 22:52

إن الأزمة بين تركيا وروسيا التي تمخضت عن إسقاط تركيا للطائرة الحربية الروسية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي قد تصبح في المستقبل مثالا على استخلاص الدروس في السياسة الخارجية.
وثمة مثال آخر في دروس السياسة الخارجية، وهو يتمثل في مأساة سفينة مافي مرمرة التركية التي أُطلقت عليها نيران إسرائيلية أدت إلى أزمة بين تركيا وإسرائيل.
وثمة فائدة من الوقوف على نقاط التشابه بين هاتين الحادثتين.
ففي اليوم التالي من إسقاط الطائرة الروسية أعلنت روسيا أن هذه الحادثة ستؤثر سلبا في العلاقات التركية الروسية، واعتبرت هذا التصرف تصرفا عدائيا ينعكس بشدة على العلاقات بين البلدين. كما وضعت 3 شروط لعودة العلاقات إلى مسارها الطبيعي (الاعتذار، والتعويضات، ومعاقبة الفاعلين).
وفي اليوم التالي من إطلاق إسرائيل على السفينة التركية (مافي مرمرة) أعلنت تركيا أن هذه الحادثة ستؤثر سلبا في العلاقات التركية الإسرائيلية، واعتبرت هذا التصرف تصرفا عدائيا ينعكس بشدة على العلاقات بين البلدين. كما وضعت 3 شروط لعودة العلاقات إلى مسارها الطبيعي (الاعتذار، والتعويضات، ورفع الحظر عن غزة).

وثمة تشابه في شرطي الاعتذار والتعويضات، في كلا الحادثتين، ولكن الشرط الثالث في كل منهما يعكس اختلاف نظرة الأطراف في السياسة الخارجية وفي العلاقات الثنائية بين الدول.
أي إن روسيا تهدف إلى حل مشكلة الطائرة في إطار العلاقات الثنائية بينها وبين تركيا. أما تركيا فلا تحصر مشكلة السفينة في إطار علاقاتها الثنائية مع إسرائيل، بل تُشرك في ذلك القضية الفلسطينية، وتصر على المطالبة برفع الحصار عن غزة كشرط ثالث لحل الأزمة، وهي بذلك تحاول الاستفادة من الفرصة، وكأنما تحاول استخراج الزيت من الذبابة.
وإن التعريف الدقيق للأهداف السياسية من أهم العناصر التي تحقق النجاح في إجراءات السياسة الخارجية. وقد تعتبرون دولةً ما مخطئةً في سياستها الخارجية أو سياستها الداخلية التي تراها مناسبة لشعبها.
فإن أردتم تغيير أو توجيه ذلك، فإن أهم وسيلة لديكم هي تمكنكم من الحوار. فإن لم يكن هناك مجال للحوار، فسوف تُحرمون من قدرتكم على التعبير عن أفكاركم في بيان الأسباب التي تدعو إلى ضرورة تغيير التصرفات التي ترون أنها ليست محقة. ولذلك ينبغي عليكم التهرب من استخدام خطابات أواتخاذ قرارات من شأنها أن تسبب لكم مثل هذا الحرمان.
أي إن الأزمة الروسية التركية هي أزمة بين دولتين. لذا فإن روسيا تتصرف إزاء الموضوع وفق أداء الدول وفهمها، فهي تتبنى أسلوب حل الأزمة ببُعدها هذا. أفلا تعرف روسيا ما هو الجو السياسي الذي يحدد الغاية البعيدة من وراء هذه الأزمة، وأن تركيا وروسيا تدعمان أطرافا مختلفة في سوريا، وأن ذلك هو السبب الرئيسي في هذا التوتر، وأن هذا الاختلاف هو الذي صعد التوتر الذي أدى إلى إسقاط الطائرة الروسية؟ بلى. وتعرف أيضا أن إدخال ذلك في المعادلة أمر لا جدوى منه. وذلك لأن هذا الموضوع يشير إلى مدى اختلاف وجهات النظر حول مواضيع أخرى بين البلدين. هذا ويجب ألا تتأثر العلاقات الثنائية بالاختلاف في وجهات النظر حول مواضيع لا تتعلق بالعلاقات الثنائية.
وعلى الرغم من أن الأزمة التركية الإسرائيلية هي أزمة بين دولتين، إلا أنه يجب تحديد اختلافات وجهات النظر بين الطرفين التي كانت من العوامل التي أسهمت في حدوث هذه الأزمة.
وكانت تركيا قد تركت إحدى مؤسسات المجتمع المدني في مواجهة إسرائيل لأنها أعلنت أنه ليس بإمكانها إيقاف المساعدات الإنسانية الموجهة إلى غزة عن طريق سفينة مافي مرمرة، وذلك لأنها لا تفرض الرقابة على مؤسسات المجتمع المدني.
وبعد المأساة (إطلاق النيران الإسرائيلية على السفينة) فقد وقعت أزمة بين تركيا وإسرائيل، وقد ذهبت هذه الأزمة إلى ما هو أبعد من العلاقات الثنائية، حيث طالبت تركيا بفك الحصار على غزة كشرط لإعادة العلاقات بين البلدين، مُظهرة بذلك أنها استخدمت تصرفات مؤسسة المجتمع المدني كوسيلة لدعم هذا التصرف بطريقة غير مباشرة.
وإن ما يشكل الخطأ بشكل رئيسي هو النهج الأيديولوجي الذي أصبح نهجا أساسيا في السياسة الخارجية التركية خلال السنوات الأخيرة، والذي أصبح يستخدم السياسة الخارجية كوسيلة يومية لممارسة السياسة الداخلية.
كما أن الاختلاف في منهج السياسة الخارجية وتطبيقها بين روسيا وتركيا ناجم عن هذا الخطأ.
وهذا الالتواء الذي بدأ في سوريا، ظهر الآن في سياستنا مع إسرائيل. وكان من الممكن ألا تتأزم علاقتنا مع إسرائيل، ولكن الآن يتم البحث عن سبل الخروج من هذا المأزق الذي تمخض عن وضع شروط خاطئة لإعادة العلاقات إلى طبيعتها، وكأن الخطأ المرتكبة غير كافية.
وحين ننتقد السياسة الخارجية، يجب التدقيق جيدا في الأخطاء المرتكبة في السياسة الخارجية، وتحديدها بشكل صحيح، كي يصبح النقد صحيحا ومقبولا ومؤثرا.
ويجب التأكيد على أن إعادة العلاقات بين تركيا وإسرائيل إلى طبيعتها سيجعل تركيا قوة فاعلة في الشرق الأوسط، وفي الدفاع عن القضية الفلسطينية.
وإن الاستمرار بالإصرار على شرط رفع الحصار عن غزة من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها يعني الاستمرار بالخطأ. كما أن الجمع بين خطأين لا يساوي صحيحا واحدا.

أونال تشويكوز