
في عالمنا اليوم، تتشكل المواقف السياسية والشعبية بناء على معطيات مختلفة، بعضها عقلي يستند إلى حقائق علمية ومنطقية ، وبعضها عاطفي نابع من تأثيرات إعلامية واشاعات ونوازع نفسية وطائفية وقومية ..
ومن بين هذه المواقف، نجد أن الحكومات العربية جذرت كراهية الجمهورية الإسلامية عند الشعوب بعد انتصار الثورة بقيادة الإمام الخميني . فهل هذه الكراهية مبررة وصحيحة بحسب العقل والشرع والاخلاق ؟ أم أنها نتاج سياسات ومؤامرات صنعتها أطراف خارجية واهواء نفسية وطائفية ومصالح ضيقة ؟.
باعتقادي لا يستند كره إيران إلى أي مبرر عقلي أو شرعي أو أخلاقي، فالعقل السليم يرفض الكراهية العمياء التي تفتقر إلى منطق سليم وحجة واضحة ، والفطرة السوية تدعو إلى التعاون لا الصراع والتزاحم .....
كما أن الشريعة الإسلامية تحث على الوحدة بين المسلمين، وليس إثارة الأحقاد والعداوات بينهم. يقول الله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا" (آل عمران: 103). وهذا تأكيد على أن التفرقة بين المسلمين ليست من الدين، بل هي نتيجة لمصالح ضيقة وخطط تفرق ولا تجمع.
كما أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) قال:
"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" . فكيف يجوز للمسلمين أن يكرهوا بعضهم أو أن يعملوا على إضعاف بعضهم لصالح الأعداء؟.
وعلينا أن نتذكر أن ايران قبل الثورة كانت محكومة بنظام فاسد كان تابعًا لامر.يكا والغر.ب واسر.ائيل ، ومنغمسًا في سياسات تتناقض مع مصالح الشعوب العربية والإسلامية ومع ذلك كان العرب يخافون شاه ايران ويقبلون يده وهم صاغرون ..
والمفروض أن الدول العربية والإسلامية بعد الثورة تفرح بسقوط هذا النظام الفاسد وتمد يدها الى التعاون مع النظام الجديد الذي رفع شعار الاستقلال عن القوى الكبرى الاستكبارية والامبريالية المتغطرسة ، كي يساعدها على قضاياها المصيرية ومنها القضية الفلسطينية.
ولكن بدل من ذلك وقفوا بوجه هذه الثورة بتشويهها بشتى انواع التشويه ودفعوا صدام حسين التكريتي لشن حرب على ايران الإسلام ، مدعومًا من قوى كبرى هدفت إلى وأد الثورة الإسلامية في مهدها .
هذه الحرب التي استنزفت ايران والعراق معا وذهب جراء ذلك مئات الالوف من الضحايا، وأُنفقت فيها أموال طائلة تقدر بالف مليار، كان من الأولى أن تُصرف على نهضة البلدين وتقدمهما وكذلك تقدم الشعوب العربية والإسلامية، بدلا من إذكاء نار الصراع بين أبناء الأمة الواحدة.....؟
ومع ذلك ايران رغم جراحاتها بقيت يدها مفتوحة لكل الدول العربية والإسلامية ، وفي اثناء الحصار والعقوبات الاقتصادية الدولية الظالمة على العراق اسهمت ايران في مساعدة العراق اقتصاديا فكانت المنفذ للعراق ومساعدته بقدر ما تستطيع....
ولم تسهم ايران في اسقاط النظام البعثي بل من اسهم في ذلك اغلب الدول العربية والخليجية وصارت منطلقا للطائرات والصواريخ والجيوش وحاملة الطائرات ....
ولأجل ذلك يمكن القول ان العقل والشرع والاخلاق والفطرة توجب محبة ايران والتعاون معها على كل الاصعدة والمجالات من اجل خير هذه الامة وعزتها وكرامتها بدل الوقوف ضدها ...
إذن، لماذا تستمر هذه الحكومات في بث الكراهية لإيران والتآمر عليها والكيد لها مع اعداء الامة ....؟. قد تكون هناك عدة اسباب ولكن جوهر الأسباب في عدة امور .
الامر الأول.: ذوبان هذه الحكومات في المشروع الامريكي الغربي الصهيوني التطبيعي .
والنتيجة ان هذه الحكومات تاتمر بالاوامر الامريكية والغربية والتي لا ترغب في اي تقارب حقيقي بينها وبين ايران .
الامر الثاني :وهو النظرة الطائفية التي ينظر لها بعض الحكام العرب ولا سيما حكام الخليج والاردن والبعثيين العراقيين في بث الكراهية والعداوة لايران....الأسباب معروفة
الامر الثالث:أن هذه الدولة صاحبة مشروع إسلامي حقيقي صادق بخلاف بقية الدول العربية والإسلامية التي تخلت عن الاسلام المحمدي الاصيل ولذلك فهي تمثل اكبر الخطر على المشروع الامريكي الغربي الصهيوني التطبيعي في المنطقة والعالم .
الامر الرابع: هو الخشية من ايران المتطورة المستقلة ان تؤثر على شعوب المنطقة بفكرها وعلمها ،فلو كان العلم في الثريا ناله رجال من فارس كما ورد عن النبي صل الله عليه وآله، فهي امة حضارية علمية عاملة .....
انني اعتقد ان الحكمة تقتضي أن يعيد العرب النظر في مواقفهم والنظر في الروابط الاسلامية والجيرة والمصالح االاستراتيجية المشتركة التي يمكن أن تجمعهم بإيران في مواجهة الأخطار الحقيقية التي تهدد المنطقة.
فالعداوة المصطنعة بين الشعوب المسلمة لم تكن يوما سبيلا للنهضة والتقدم والازدهار ، بل كانت دائمًا بابًا لاستغلال القوى الخارجية لها ....