الإسراء بالفلسطينيين من جنوب غزة إلى شمالها \ عبد الرزاق قسوم

6 فبراير, 2025 - 13:49
\ عبد الرزاق قسوم/كاتب جزائري

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾،[سورة الإسراء، الآية: 1].

وسبحان الذي أسرى بالفلسطينيين ليلا من جنوب غزة إلى شمالها الخصيب.

وإذا كان من معجزات الإسراء بنبينا محمد، عليه السلام، من مكة إلى بيت المقدس، طي المسافات، ووضع العلامات، واستخلاص المعاني والعظات.

فإن من آيات الإسراء بالفلسطينيين من شمال غزة إلى جنوبها، آية المسيرة الجماهيرية المنتشية، وهي ترسم بأهازيجها ومرحها، ملحمة التحرير، لإسقاط مؤامرة التهجير.

وعلى وقع نشيد “سوف نبقى هنا، لنؤدي فرضنا، ونعمر أرضنا، ونصون عرضنا”، أفرزت ملحمة غزة، هذه المدينة الصامدة التي كانت صخرا جغرافيا، قد يتحطّم، ولكنه فولاذا تاريخيا لا يلين.

أثبتت غزة، بملحمتها الدموية، ومقوماتها الإيمانية، وجماهيرها الملائكية، استهانتها بمسافة المكان، ومعضلة عامل الزمان.

كما قدّم شعبها الفلسطيني البطل والمقاوم، صورة للعالم عن وضعها للمقدمة الصحيحة، للانتصارات المستقبلية التي ترسم ولاشك، الخط البياني المتين، نحو الوصول إلى المسجد الأقصى.

إن حط الرحال في محطة نتساريم بعد تحريرها من الجيش الصهيوني، يترجم مدى صلابة الإرادة، وتجسيد الثبات على تعزيز مقومات السيادة.

سبحان من أسرى بكم، يا أهل غزة، إلى شمالها، لتحطّوا بعزمكم القدير، وصبركم الكبير على مؤامرة التهجير، من غزتكم، إلى بلد الغير، بتواطؤ من المتآمرين المساندين لعصابة الإبادة والتهجير.

إن من معجزات إسراء الغزاويين، الانطلاق من اليقين الثابت الذي ليس هو يقين الإنسان الاجتماعي العادي، ولكنه يقين الإنسان الإلهي المؤمن بربه وشعبه.

من كان يملك غنى في القلب، وقوة في الإيمان، وتموضعا في الحياة، لا يمكنه إلا الثبات على الخطوة المتقدمة، وإن لم تتقدم، واحتقار الضعف، وإن طغى وتسلط، ومقاومة الباطل وإن عمّ وساد.

إننا عندما نخضع تسلسل الأحداث الجارية في غزة، ونقرأها القراءة المتأنية الدقيقة والعميقة، يتراءى لنا من خلالها أناس حملوا في نفوسهم شموسا لقلوبهم، يستضيئون بها، ولعلهم الذين عنيهم القرآن الكريم بقوله: ﴿يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم﴾،[سورة الحديد، الآية: 12]، وذلك ما يفسّر كون كل فرد من جماهير غزّة الزاحفة نحو الشمال، يحمل قوة وطن في جسم إنسان، وتلك آية من آيات الله في غزة.

إن سر الإعجاز في مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين كانوا زاحفين نحو الشمال الغزاوي، يحدوهم الفرح والمرح، ويستبدّ بهم حماس العائد إلى وطنه، إنما كانت قدوتهم ما أبدعته الشحنة الإيمانية المستوحاة من كلمة الألوهية، في بداية النور الإسلامي، فكان النموذج الأمثل لإخراج الأمة وبعثها في رحلة نحو الحياة، لتكون ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾،[سورة آل عمران، الآية: 110].

من هنا استوحى الإسراء الفلسطيني في غزة، قدوته من النور الأول، ليستبين به الطريق الموصل إلى النصر الأول في غزة، قبل أن يتواصل لتحقيق النصر الأكبر، نحو المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وسبحان الذي أخرج أسباب اللذة من أسباب الألم.

إن سر الإعجاز في مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين كانوا زاحفين نحو الشمال الغزاوي، يحدوهم الفرح والمرح، ويستبدّ بهم حماس العائد إلى وطنه، إنما كانت قدوتهم ما أبدعته الشحنة الإيمانية المستوحاة من كلمة الألوهية، في بداية النور الإسلامي، فكان النموذج الأمثل لإخراج الأمة وبعثها في رحلة نحو الحياة، لتكون ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾،[سورة آل عمران، الآية: 110].

لقد سجد العقل الإنساني، بجميع مكوّناته لآيات المسيرة الغزاوية، وإن في ذلك لعبرة.

وتتوالى الآيات والمعجزات في ملحمة غزة العسكرية والسياسية والشعبية، فها هن الأسيرات الإسرائيليات، بعد أن أفرج عنهن، يحملن آيات أخرى للحكم بتهافت كل الدعاوى الصهيونية، وأبرزها:

  • جمال السحنة البادية على وجوههن، وعلى أجسامهن، وكأنهن كن في سياحة، ولم يكن وسط أناس مطوّقين بالحصار، والبعد عن الدار.
  • تعلّمن العربية، والتحية بها، بل وتلاوة القرآن الكريم من بعضهن، وقد تكون من بينهن من أسلمت، بسبب حسن المعاملة في الأسر، وتجسيد الأخلاق الإسلامية في المعاملة معهنّ.
  • الحماية التي حظين بها خلال الأسر، مما جعل الألفة تتعمق بين الحراس والأسيرات، وهو نقيض ما بدا عليه السجناء الفلسطينيون، من هزال في الجسم، وجراح في كل مكان…

وعجبت بعد كل هذا، مما يحدث في رحاب السياسة، فالقادة الأمريكيون الذين يتبجّحون بترديد تحرير الأسرى الصهاينة على أقليتهم، لا يجرؤون على الحديث عن المساجين الفلسطينيين، على أكثريتهم، وطول معاناتهم.

فأين الوفاء لحقوق الإنسان، يا دعاة حقوق الإنسان ظلما وزورا؟

وبماذا يجادل دعاة التطبيع عندنا، والمجادلون عن “حق إسرائيل في الحياة” حينما يجابهون بهذه الحقائق الدامغة، من صلب المعاناة؟

اللهم إننا نبرأ إليك، مما يأتيه بعض المنتمين إلينا، والناطقين باسمنا، عندما يطلقون ألسنتهم بالسوء في حق المقاومة والنبز واللمز والغمز في حماس تحديدا.

إن الآيات ما فتئت تترى كل يوم، في سماء غزة، وجنين، والقدس الشريف، ليظهر الله بها علامات انتصار الحق على الباطل، تجسيدا لقوله تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾،[سورة الأنبياء، الآية: 18].

وبعد، فقد أزفت ساعة النّصر، بعد الليل الطويل الذي عاشه الفلسطينيون، وعانوا فيه القتل، والسجن، والتهجير، والهدم، ولكن ذلك كله تحطّم على صخرة الإيمان القويم، والوعي السليم، والتجلد العظيم.

وها هي المقاومة، بالرغم من كلّ ما قدّمت من شهداء، وما لقيت من عناء، ها هي تخرج أقوى مما كانت عليه، فهي تثخن في العدو، في كل مكان، وفي كل زمان، جراحا وأتراحا، وتقبل المتطوعين من الشباب على صفوفها، بعد ما عاينوه من صمود وثبات.

بل إن استشهاد القادة من الصفوف الأولى، ما هو إلا عنوان على الإقبال لا الإدبار، وعلى الثبات لا الفرار، ويكفي أن يحيى السنوار قد خلفه محمد السنوار، والبقية تأتي.

فإلى مزيد من الثبات، وإلى مزيد من البطولات، فالنصر العظيم قاب قوسين أو أدنى، وقد سلّم بهذه الحقيقة الأعداء قبل الأشقاء، والغرباء قبل الأصدقاء، وذلك هو منطق التاريخ، وقوام السنن، ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾،[سورة الأحزاب،