فلسطين بين التحدّيات والقرار اللمستقل لؤي صوالحة

2 فبراير, 2025 - 19:13

تُعَدُّ القضية الفلسطينية واحدة من أبرز قضايا العصر الحديث التي أظهرت حجم التداخل بين المصالح الدولية والمال السياسي، وجعلتها ساحة للصراع بين القوى العالمية والإقليمية. 
منذ احتلال فلسطين، تحول هذا الصراع إلى اختبار حقيقي لمدى التزام المجتمع الدولي بالقيم التي يدعيها، كحقوق الإنسان والعدالة الدولية. غير أن الواقع أثبت أن القوى الكبرى، وعلى رأسها الدول الغربية، كانت شريكاً في إدامة هذا الظلم عبر سياسات منحازة ودعم غير مشروط لإسرائيل، ما وضع الشعب الفلسطيني أمام تحديات وجودية لا تزال قائمة حتى اليوم.
الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، تبنى سياسات واضحة في دعم الاحتلال الإسرائيلي، سواء عبر المساعدات العسكرية الهائلة أو تغطية الجرائم السياسية والإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين. هذا الدعم لم يكن فقط مادياً أو سياسياً، بل امتد إلى تشويه صورة النضال الفلسطيني ومحاولة نزع شرعيته دولياً. في المحافل الدولية، استخدمت الولايات المتحدة وحلفاؤها نفوذهم لعرقلة أي قرارات قد تُدين إسرائيل أو تفرض عقوبات عليها، ما رسّخ منطق الإفلات من العقاب وجعل الفلسطينيين في مواجهة مستمرة مع آلة الاحتلال دون حماية أو دعم دولي حقيقي.
في المقابل، لم تكن القوى الإقليمية بمنأى عن هذا الصراع. لعب المال السياسي دوراً مزدوجاً؛ فمن جهة، قدّمت بعض الدول دعماً للشعب الفلسطيني، لكن هذا الدعم كان في كثير من الأحيان مشروطاً بأجندات سياسية تخدم مصالح هذه الدول أكثر مما تخدم القضية الفلسطينية ذاتها. ومن جهة أخرى، استخدم المال السياسي كوسيلة للضغط على القيادة الفلسطينية لتقديم تنازلات تتعارض مع الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. موجة التطبيع الأخيرة التي قادتها بعض الدول العربية مع إسرائيل كانت شاهداً على مدى تأثير المال والسياسات الإقليمية في تغيير الأولويات، إذ أُجريت هذه الصفقات تحت غطاء تحسين الأوضاع الاقتصادية، لكنها في جوهرها كانت إضعافاً لمركزية القضية الفلسطينية على الساحة الدولية.
ما زاد الأمور تعقيداً هو الانقسام الداخلي الفلسطيني، الذي أضعف قدرة الفلسطينيين على مواجهة هذه التحديات. هذا الانقسام، الذي تغذيه خلافات سياسية ومصالح فردية، جعل الموقف الفلسطيني أكثر هشاشة أمام الضغوط الدولية والإقليمية. إضافة إلى ذلك، الاعتماد المتزايد لبعض المؤسسات الفلسطينية على التمويل الخارجي جعلها عرضة للابتزاز السياسي، مما قلّل من استقلالية القرار الفلسطيني وأفقده مصداقيته في كثير من الأحيان.
ومع ذلك، لا تزال فلسطين رمزاً للصمود والإرادة الشعبية، رغم كل ما تواجهه من تحديات. المطلوب اليوم هو إعادة بناء البيت الفلسطيني على أسس وطنية موحدة، بعيداً عن الحسابات الضيقة والمصالح الآنية. الحلول لن تأتي من الخارج، بل من الداخل الفلسطيني نفسه، عبر إستراتيجية شاملة تعيد ترتيب الأولويات وترفع من مستوى المقاومة الشعبية والدبلوماسية على حد سواء. يجب أن تكون هذه الإستراتيجية قائمة على التحرر من التبعية الاقتصادية، واستثمار الطاقات الفلسطينية في الداخل والخارج، مع توجيه الجهود نحو فضح الانتهاكات الإسرائيلية وتعزيز حضور القضية الفلسطينية على المستوى الدولي.
القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع على الأرض، بل هي اختبار لضمير الإنسانية. إنها تذكير دائم بأن الحق لا يسقط بالتقادم، وأن الشعوب التي تقاتل من أجل حريتها لن تُهزم مهما طال الزمن. مواجهة مطرقة الغرب وسندان المال السياسي تتطلب إرادة فلسطينية موحدة ووعياً شعبياً قادراً على تجاوز الخلافات وتحدي المؤامرات. هذا الصمود وحده هو الكفيل بالحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الحرية والكرامة والاستقلال.
إن فلسطين اليوم بحاجة إلى قرار مستقل لا يمكن التلاعب به أو فرضه من الخارج. الشعب الفلسطيني يجب أن يقرر مصيره بنفسه، ويجب أن يكون قراره بعيداً عن التدخلات الخارجية التي تسعى لفرض مصالحها على حساب حقوقه. إن القرار الفلسطيني المستقل هو السبيل الوحيد لاستعادة الأرض والحقوق، ولتأكيد أن فلسطين ليست للبيع، وأن إرادة شعبها لا تقبل المساومة.