الديمقراطية كلمة..

17 ديسمبر, 2015 - 16:02

 كنّا بالأمس نتابع مهزلة آل سعود الديمقراطية وقد أصبنا بالاشمئزاز والذهول عندما تابعنا وسائل الإعلام الأوروبية مثل (فرانس 24 والبي بي سي) وهي تغطي الأنشطة الدعائية السعودية التي أعطي فيها للمرأة حق الترشح لعضوية المجالس المحلية في حين منعت من الدعاية لنفسها على وسائل الإعلام المرئية وحتى التجمعات لم يسمح للمرأة أن تخاطبها إلا من وراء ساتر من خشب، ولم يسمح للمرأة أيضا أن توزع صورها إلا إذا كانت تلبس الجلباب الأسود وتغطي وجهها ورجليها ويديها بالكامل بالأسود وإلا منعت وشطب اسمها من لوائح الترشح وأقيم عليها حد الرذيلة من قبل زبانية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

لقد كانت فرانس 24 والبي بي سي يروّجون لهذا العرس الديمقراطي الرهيب وكأنهم يغطون انتخابات في النرويج أو سويسرا، فقد انبرى مراسلو هذه القنوات في الترويج لمحاسن هذا العرس الديمقراطي السعودي ولدخول المرأة السعودية الحياة السياسية وتمكينها من حق الترشح والانتخاب مفاخرين بالمكرمة الملكية اتجاه المرأة ولم نشاهد أية وسيلة إعلام أخرى علقت على هذا الموضوع إلا في سياقه كخبر، ربما خوفا من أن ينالها ما نال قناة المنار والميادين من سعة صدر خادم الديمقراطية وحقوق الإنسان في مملكة الرمال بنجد والحجاز

 

لقد ظهر جليا من خلال متابعتنا لمهزلة آل سعود الديمقراطية مستوى الاحتقار الذي يخاطبنا به أساتذة الديمقراطية وحقوق الإنسان في الغرب ومدى اختلال فهم هؤلاء للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ففي حين كشفت كاميراتهم المتجولة في شوارع مملكة الرمال التطابق المطلق بين سلوك هذه المملكة وثقافتها وبين دولة "داعش" الإرهابية، لم نلاحظ أي تعليق من هذه القنوات على هذا الموضوع على الرغم من أن الريبورتاجات التي قاموا بها لو لم يضعوا لها عنوان الانتخابات السعودية لكان الناظر إليها يتأكد أنها في الرقة أو الموصل أو غوطة دمشق الشرقية شكلا ومضمونًا..

 

لقد تهاوت كذبت الغرب واحترقت شعاراته المزيفة وبان هزالها حين أصدمت بجدار دواعش نجد والحجاز ليتم قصها وتفصيلها على مقاس فلسفة محمد أبن عبد الوهاب وزبانية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكي لا تخرج بالمرأة عن فلسفة الحريم والعورة الإبليسية اللعينة فقد أخرجتها ديمقراطية آل سعود الى جمهورها وهي "مكفنة" في زي الحداد الأسود الذي أمرت به فتاوى ففقهاء الوهابية التي تقول إن المرأة "كلها عورة وهي من بيتها إلى قبرها ومن قبرها إلى النار"....

 

أين منظمات حقوق الإنسان الغربية التي تقيم الدنيا ولا تقعدها حين يتم المسٌ بشعور أحد المخنثين في شوارع باريس او روما من أحد المارة الآتي لتوه من مجتمعات لا تزال تؤمن بالسوية الفطرية للإنسان وتحترم كيانه واستقامته فيساق ذاك المسكين إلى المحاكم بتهمة التمييز الجنسي وإذلال الآخر؟

 

أين أساتذة الديمقراطية المبنية على التنوع وحق الاختلاف والمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات؟ ،، أين كل هذه المعزوفة التي شبعناها من الأبواق الغربية خلال العشرين سنة الماضية والتي تم من خلالها استباحة أمم وشعوب ودوّل والتي جعل منها الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي يافطة للتدخل في شئون الدول وطريقا لإسقاط كل نظام لا يرضون عن مدى ولائه وانصياعه لمتطلبات نظامهم العالمي الجديد؟.

 

لقد ظهر جليا أن كل هذه اليافطات والشعارات تختفي وتتلاشى عندما يتعلق الأمر بأحد البيادق العاملة ضمن مشروع الفوضى الخلاقة الصهيو أمريكي في منطقتنا العربية والعالم فلم نفاجأ نحن حقيقة بما حدث بالأمس في نجد والحجاز فمن كان قبل هذه المهزلة الانتخابية بيومين يستقبل في أفخم فنادقه قاطع الرؤوس البشرية في مشاهد هوليوودية مروعة ويضفي عليهم صفة المعارضة الديمقراطية المدنية ذات التوجه السلمي المبني على حرية الكلمة وحق التنوع في تحدي فاضح لأبسط مقومات الحس الإنساني السليم يستطيع أن يفعل بشعبه أسوأ مما فعل في مهزلته الديمقراطية، فقبل أن يكون للمرأة حق الترشح والاقتراع يجب ان يكون لها أبسط الحقوق وهو حقها في أن تسوق سيارتها بنفسها لا أن تسوقها سيارتها الى السجن المؤبد هو أن يكون للمرأة ولزومها ولأبيها وأبنها وأخيها حق الانتماء إلى الأرض لا إلى العائلة المالكة فالحرية مدرسة متكاملة الفصول والأقسام فمن لا يوجد لديه مبتدأ الحرية الأول وهو الانتماء إلى أرضه وحمل هوية بلاده لا يمكن أن يتطلع إلى ابعد من ذالك فأبشع أنواع الدكتاتوريات وأكثرها ظلما وقهرا عبر التاريخ لم تسلب الإنسان حق انتماءه إلى ارض آباءه وأجداده فنظام آل سعود هو حالة فريدة في تاريخ البشرية فمن أسس بنيانه على هذا النمط من الإلغاء والشمولية لا يمكن له أن ينجب غير داعش وأخواتها فمن ضنّ على مواطنيه بأبسط الحقوق المكفولة في جميع قوانين الأرض وشرائع السماء سيضنٌ مثلما هو حاصل في أدبياته وتوجهاته التكفيرية على كل البشرية برحمة الله وسماحة الإسلام ولن ينجب غير هذا الطوفان من التكفيريين وحملة الرايات السوداء قاطعي الرؤوس وآكلي قلوب البشر.

 

لقد وجد آل سعود ضالتهم في سيطرت الحركة الصهيونية على الولايات المتحدة الأمريكية وعلى النظام السياسي الأوروبي برمته فكانت الحركة الصهيونية خير حليف يستندون اليه في محاربة كلما أنتجه العرب والمسالمون عبر تاريخهم من قيم المحبة والتسامح والإخاء لقد ضمنت لهم الحركة الصهيونية ونظامها الإرهابي في فلسطين المحتلة أن لا يصدر ضدهم أية إدانة من أي محفل دولي وتركت لهم العنان نيابة عنها ليعيثوا في الأرض فسادا وأن ينشروا الخراب والدمار في كل المدن والأمصار العربية والإسلامية وأن يعيدوا بناء ذهنية شباب العرب والمسلمين على ثقافة دينية محذوف منها كل الآيات والأحاديث الداعية إلى الرحمة والمحبة والتسامح وأن يجعلوا من جنة الله ورحمته في ثقافتهم التكفيرية الجديدة قرباناً يقدم إلى كل قاطع طريق والى كل من يمزق ما أمر الله به أن يوصل، ومن خلال بناء هذه الذهنية الجديدة أصبحنا نشاهد شباب هذه الأمة اليوم فيما هم عليه من تزمت وسخط على الحياة حيث ترى الشاب وهو في ريعان شبابه يضع حزاماً ناسفاً أو يركب سيارة مفخخة ويتجه إلى سوق أو مدرسة قد يوجد من بين المداومين فيها أحد أفراد عائلته الصغيرة ليحيل الجميع في ثوان إلى أشلاء ممزقة وهو يكبر ويهلل وبعد دقائق من هذه المذبحة القربان يظهر أفراد تنظيمه وهم يتباشرون بفوز هذا القربان بالجنة وحور العين

 

لقد أنجبت فلسفة محمد بن عبد الوهاب وسدنته في نجد والحجاز بالتحالف مع الحركة الصهيونية العالمية هذا التوجه الموغل في الكراهية والوحشية وبغض الحياة والذي أصبح اليوم يجتاح العالم لا يفرق بين بريء ومجرم فالكل بالنسبة لهم من عمل الشيطان والى جهنم وبئس المصير.

 

ولم نستغرب أن نشاهد عزيزي القارئ مملكة الرمال وهي تستخدم مقدرات نجد والحجاز المالية الهائلة في إطار التغطية على جرائمها ومحاولتها التأسيس لشرخ بين مكونات المسلمين من خلال إنشاء حلف إقليمي تحت يافطة التحالف الإسلامي السنّي لمكافحة الإرهاب وتضم في هذا التحالف الأركان الثلاثة الداعمة للإرهاب فكراً وتمويلاْ وتسليحاً على الصعيدين العربي والدولي وهي بالإضافة لمملكة الرمال تركيا وقطر ولن نستغرب أن يستثنى من هذا التحالف ابرز ضحايا الإرهاب كسوريا والعراق والجزائر، وذلك إمعانا من هذه المملكة في توسيع الشرخ بين مكونات هذه الأمة المبتلاة بحفنة من السماسرة والعملاء المتربعين على كراسي زعاماتها والذين ظلوا دائماً على استعداد لبيع أنفسهم للشيطان مقابل دريهمات لا تسمن ولا تغني من جوع،...

 

إن اصطفاف هذه النظم مع من يرعى الإرهاب فكراً وممارسة وتمويلا وتسليحا واللُهاث وراء فتات مغموس في نهر من دماء الأبرياء ليشكل خزياً وعاراً لهذه النظم ويسقط عنها آخر قناع لاحترام الحرية وحقوق الإنسان.

 

وفي الأخير ستظل الديمقراطية كلمة قابلة للتصريف حسب الأهواء والمصالح "الصهيوأمريكية" في منطقتنا والعالم ولن نكون مستغربين بعد سنة أو سنتين إذا قدمت لنا أمريكا وحلفاءها: (ابو بكر البغدادي، وأيمن الظواهري، وأبو محمد الجولاني) على أنهم رسل للديموقراطية إلى أمتينا العربية والإسلامية، وعلينا أن نتعامل مع هذا الموضوع كحقيقة غير قابلة للنقاش.

محفوظ ولد أعزيز

الأمين العام للحزب الوحدوي الديمقراطي الاشتراكي الموريتاني