زوال الكيان الصهيوني قبل نهاية 2027 / محمد بوالروايح

25 نوفمبر, 2024 - 00:16

لا أعلم الغيب ولست قارئ فنجان، وإنما هي ثمرة قراءات في بعض النصوص الدينية والأحداث التي تسارعت منذ “طوفان الأقصى” بوتيرة كبيرة لافتة للنظر. لقد تنبأ كثيرون بزوال الكيان الصهيوني ولكل مقاربته في ذلك، ولكن أقوى المقاربات التي أميل إليها هي أن الكيان الصهيوني سيختفي عن المشهد قبل نهاية2027، فهو يعيش طوره الأخير، وستكون حربه على غزة ولبنان هي آخر حروبه القذرة قبل أن يلفظ أنفاسه ويعود اليهود إلى الشتات وإلى حياة الدياسبورا كما كانوا قبل أزيد من سبعين عاما.
إن نهاية الكيان الصهيوني وشيكة لن تتعدى عتبة 2027، وستحدث بعد حرب إقليمية شاملة، يفقد فيها هذا الكيان كل وسائل الدعم العسكري واللوجيستي بعد أن يتسع نطاق الحرب الذي يجبر حلفاءه على التخلي عنه والتفرغ لحماية ظهورهم وبلدانهم وشعوبهم. إن نتن ياهو يعلم هذا، ويعلم أن عدوانه على غزة مغامرة كبيرة لن تنتهي إلا بثمن باهظ، وهو نهايته ونهاية الكيان السرطاني الذي غرسته بريطانيا في فلسطين عن طريق وعد بلفور عام 1917 م، الذي سمح لأعداد كبيرة من اليهود المشتتين في مناطق كثيرة من العالم بالمجيئ إلى فلسطين للاستيطان فيها وتشريد أهلها أو التضييق على من بقي منهم بشتى أنواع التضييق وهم المعروفون بفلسطينيي 1948، الذين يعيشون في “إسرائيل” ولكن دماءهم وحميتهم ونخوتهم عربية لا تقبل التحويل والتبديل. سيجهِّز نتن ياهو بعد مغامرته الخاسرة في غزة ولبنان متاعه ويعود إلى مسقط رأس والده في بولندا أو مسقط رأس والدته في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن حديثي عن زوال الكيان الصهيوني قبل نهاية 2027، هو ثمرة قراءات في الأحداث التي بدأت بـ”طوفان الأقصى” وستنتهي بطوفان آخر لا يعلم مداه إلا الله والمتوقع قبل نهاية 2027، وهذه محصلة عن هذه القراءات، التي لا أزعم أنها تحمل الخبر اليقين أو تصيب كبد الحقيقة ولكنها في رأيي تتميز بموثوقية عالية:
1- إن اليهود بطبعهم شعبٌ لا يملك القدرة على التحمل والعيش في الظروف الصعبة ولا يملكون النفس الطويل لخوض الحروب الطويلة، وهذا سيدفع أعدادا معتبرة من جنود الاحتياط الذي يشكّلون العمود الفقري لجيش الاحتلال إلى الفرار من الخدمة العسكرية أو من جبهات القتال، مما سيُربك الكيان الصهيوني ويعطي الأفضلية والأسبقية للمقاومة الفلسطينية أو أي مقاومة عربية أو إسلامية مسانِدة لتمتعها بروح المبادرة والقدرة على التحمل سنوات طويلة، وستكون نتيجة ذلك اختلال موازين القوى وتفكير إسرائيل في التقهقر إلى ما وراء الحدود والذي لن يعصمه من المقاومة التي ستلاحقه في عقر داره كما فعلت في عملية “طوفان الأقصى” قبل عام. إن الجيش المدجج الذي لا يملك ثقة في نفسه لن يستطيع الصمود فترة طويلة، والدليل على ذلك ما حدث في الحرب العربية الإسرائيلية في 1967 و1973، التي رفعت فيها إسرائيل عقيرتها منتظرة دعم دول الإسناد ولولا هذا الإسناد لانتهت وصارت إلى خبر كان. هذا دليل تاريخي، وهناك قبل ذلك دليل قرآني ورد في قصة طالوت وجالوت، التي تكشف الشخصية اليهودية المهزومة التي تتحمس للمواجهة في البداية ثم تتراجع حينما يجد الجد وتُقرع طبول الحرب. يقول الله تعالى: “ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، قال هل عسيتم إن كُتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا ومالنا ألا نقاتل في سبيل وقد أخرِجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين”. (البقرة 246). ويكشف القرآن الكريم نفسية اليهود المهزومة التي تجعلهم لا يستطيعون القتال إلا من وراء جُدر، يقول الله تعالى: “لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصّنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون”. (الحشر 14). صحيح أن هذه الآية نزلت في بني النضير ولكنها تنطبق على كثير من جنود الكيان الصهيوني الذي يأتون إلى المعركة بنفسيات مهزومة ومعنويات محبطة كما أكدت ذلك كثير من الإذاعات والقنوات الإعلامية، وما فرار بعضهم من المعارك مع المقاومة الفلسطينية إلا دليلٌ على صحة ما نقول. إن الحروب تحتاج إلى نفس طويل ونفس مشبّعة بالإيمان والثقة في نصر الله فإذا غاب هذان العنصران، تآكل الجيش تدريجيا ولو كان جيشا عرمرما من شاكلة الجيش الإسرائيلي الذي يفتخر قادته بأنه “الجيش الذي لا يهزم”. لقد صبر بعض بني إسرائيل مع موسى عليه السلام أربعين سنة قبل أن تخرّ قواهم وعزائمهم ويستلموا للعمالقة ولمصيرهم المحتوم. إن قراءتنا لمسار الكيان الصهيوني منذ سنة 1948 تمنحه ضِعف هذه المدة لتكون نهايته المتوقعة قبل نهاية 2027.
2- ارتفاع معدلات الهجرة اليهودية العكسية من إسرائيل إلى مناطق مختلفة في أوروبا وأمريكا، إذ كشفت تقارير إعلامية أن حركة الهجرة اليهودية من فلسطين قد ازدادت وتيرتها بعد عملية “طوفان الأقصى” وتصاعدت حدتها مع العدوان الصهيوني على غزة، وقد صرّح بعض اليهود المهاجرين أنهم اضطروا لذلك لأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان في المستوطنات وفي بيوتهم وأنه قد نفد صبرهم وفقدوا الثقة في وعود نتنياهو الكاذبة الخاطئة التي تزيد الطين بله وتزيدهم عزما على الهجرة. لقد فاق عدد اليهود المغادرين لإسرائيل منذ بدء الحرب في غزة أعداد المهاجرين إليها من روسيا وأوكرانيا فرارا من الحرب الأوكرانية. وشكل “اليورديم” -و معناه في العبرية الانحدار أو النزول- وهم اليهود المغادرون لإسرائيل بعد الهجرة إليها في وقت سابق نسبة معتبرة، تضاف إلى سلسلة الهجرات التي بدأت منذ وقت مبكر حتى في الذكرى العاشرة لاحتلال فلسطين وقيام الكيان الصهيوني، إذ تشير بعض الإحصاءات إلى أن ثلث اليهود يرغبون في مغادرة إسرائيل وإعادة الاستقرار في أوروبا أو أمريكا. ذكرت صحيفة “يسرائيل هيوم” في عدد ديسمبر 2023 نقلا عن مصدر حكومي إسرائيلي أن نحو 370 ألف إسرائيلي غادروا البلاد منذ السابع من أكتوبر 2023، وأضافت الصحيفة نقلا عن المسؤول نفسه أن ما يثير المخاوف فعلا هو هجرة 240 ألف يهودي في مدة قصيرة من السابع أكتوبر إلى نهاية شهر أكتوبر 2023. ولا تزال حركة المغادرة قائمة إلى اليوم وبوتيرة متفاوتة وهو ما دفع إدارة الاحتلال إلى تشديد إجراءات الخروج بفرض “تأشيرة الخروج”، ومع ذلك لم تفلح هذه الإجراءات إلا في تقليص أعداد المغادرين وليس في وقف الظاهرة التي أصبحت مقلقة للكيان الصهيوني.

القلق بشأن زوال إسرائيل يعدّ قضية حساسة لليهود، إذ يثار الشك في مستقبل الدولة اليهودية نفسها. يشير الإسرائيليون إلى أمثلة تاريخية تبين أن “مملكة داود وسليمان”، التي كانت الدولة اليهودية الأولى، لم تستمر أكثر من 80 عاماً، وبالمثل “مملكة الحشمونائيم”، الدولة الثانية لليهود، انتهت في العقد الثامن من تأسيسها، بينما إسرائيل، وهي “الدولة الثالثة” لليهود، تقترب من العام الثامن والسبعين من التأسيس.

3- نهاية إسرائيل لا تعني نهاية يهودها خلال هذا التاريخ، أي نهاية 2027؛ فقد يُخيَّر من بقي منهم بين المغادرة أو العيش في كنف الدولة الفلسطينية كمواطنين كاملي الحقوق كما كانوا إبان الحكم الإسلامي والحكم العثماني، بشرط ألا يشكِّل بقاؤهم خطرا على الدولة الفلسطينية الناشئة ولا يتآمرون عليها أو ينخرطون في حلف المتآمرين عليها. إن نهاية إسرائيل وانضمام من آثر البقاء من اليهود إلى الدولة الفلسطينية الناشئة هي المقاربة التي قدّمها الكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل الذي استبعد نجاح “حل الدولتين” وتوقع “أن منظور نهاية إسرائيل سيكون عبر إنشاء دولة واحدة، عدد الفلسطينيين فيها أكثر من الإسرائيليين”، معلقا: “خلال الـ40 سنة القادمة سيكون هناك دولة كبيرة في فلسطين فيها أقلية إسرائيلية”. إن فرضية الدولة الواحدة ذات الأغلبية الفلسطينية تؤيدها حركة الهجرة العكسية من “إسرائيل”، التي من شأنها أن تقلل من نسبة التمثيل اليهودي في فلسطين وهو ما يسمح برجحان الكفة الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية التي تعيش فيها أقلية يهودية. ويشكل ضمان بقاء التفوق الديموغرافي اليهودي تحديا كبيرا للدولة العبرية التي تحرض -لتحقيق ذلك- اليهود خارج الكيان من الهجرة إلى إسرائيل. ويدخل المخطط الصهيوني بتهجير الفلسطينيين إلى الأردن وسيناء جزءا من السياسة الإسرائيلية لجعل إسرائيل – فلسطين المحتلة– أرضا يهودية خالصة لليهود تحسُّبا لأي خلل في التوازنات الديمغرافية التي لا تخدم سياستها العنصرية.
4- بقاء إسرائيل يشكل خطرا على مصر ودول الطوق، يقول عبد الحليم قنديل لتوضيح هذه الفكرة: “تجد مصر نفسها في الحرب على غزة في قلب الحدث وليست بمعزل عنه، فالمطلوب من مصر أن تكون مصر، فدولتنا عاشت طوال تاريخها مرتبطة بما حولها، ويدخل ذلك ضمن أولوياتها السياسية واهتماماتها الإستراتيجية. وتؤكد التحركات الصهيونية المعادية في رفح ومحور فيلاديلفيا صحة هذه الفكرة، وهذا يحتم على مصر والدول العربية المحيطة بها اتخاذ موقف موحد تجاه الاستفزازات الصهيونية ولمَ لا تشكيل حلف عربي موحد لمواجهة إسرائيل حفاظا على أمنها القومي وتحييدا لإسرائيل المتمادية في سياستها التوسعية.
4- على عكس ما يقوله بعض المحللين من أن الدعم الأمريكي والأوروبي لإسرائيل دعم مطلق وسيتسمر إلى ما لا نهاية، فإن العقلانية السياسة تقول إن هذا الدعم مرتبط بالمصالح الكبرى لهذه الدول، التي إن شعرت في يوم ما بأن استمرار دعمها للكيان الصهيوني سيفسد علاقاتها مع الطرف العربي، عندها ستتخلى عن إسرائيل وتذرها وحدها عير مأسوف عليها وستكون هذه بداية نهاية إسرائيل، هذه الأخيرة التي لا يمكنها الصمود يوما واحدا في حالة رفعت أمريكا وأوروبا غطاء الدعم الذي يسندها ويشدّ أزرها في حربها في عظة ولبنان وعلى حد نعوم تشومسكي: “في السياسة ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم، هناك مصالح دائمة”.
5- فرضية نهاية الكيان الصهيوني قبل نهاية 2027، تؤيدها كما جاء في مقال نشره “TRT عربي” بتاريخ 4 نوفمبر 2023 بعنوان: لعنة العقد الثامن: هل تزول إسرائيل في عام 2027؟”، والذي جاء فيه: “القلق بشأن زوال إسرائيل يعدّ قضية حساسة لليهود، إذ يثار الشك في مستقبل الدولة اليهودية نفسها. يشير الإسرائيليون إلى أمثلة تاريخية تبين أن “مملكة داود وسليمان”، التي كانت الدولة اليهودية الأولى، لم تستمر أكثر من 80 عاماً، وبالمثل “مملكة الحشمونائيم”، الدولة الثانية لليهود، انتهت في العقد الثامن من تأسيسها، بينما إسرائيل، وهي “الدولة الثالثة” لليهود، تقترب من العام الثامن والسبعين من التأسيس”. ومن قبيل الساحة ضد التيار – كما جاء في نفس المصدر- تصريح نتنياهو في 2017 بأنه يجب العمل على استمرارية إسرائيل لمائة سنة أخرى أي إلى سنة 2117، ولكن مع اعترافه بأنه لم يحدث في التاريخ أن استمرت دولة يهودية أكثر من ثمانين سنة.