يميل التحليل وِفق نظرية المؤامرة إلى أن كل شيء كان مُدبَّرا بين الكيان وإيران، نافيا كل الخسائر البشرية والمادية التي تكبَّدها الطرفان أو تكبَّدها حلفاؤهما نتيجة سنوات من الصراع وليس فقط نتيجة الصراع الأخير بعد طوفان الأقصى. إلا أن التحليل القائم على رصد الحقائق الموضوعية لدى الأطراف المتصارعة يُبيِّن بما لا يدع مجالا للشك، أن هناك بالفعل صراعا بين القوى المركزية في المنطقة لا شك فيه، بغض النظر عن الاعتبارات الطائفية أو العرقية أو حتى الدينية بشكل عام. الكيان الصهيوني منذ عقد من الزمن على الأقل بدأ يفقد تدريجيا قدرة الرع لديه.
وقد بيَّنا في مقال سابق بعنوان “إيران تكسر ميزان القوة المعرفي” الصادر سنة 2013 بهذه المساحة بالذات كيف أن إيران بدأت أولا بكسر ميزان القوة العلمي لصالحها لأول مرة منذ أكثر من 10 سنوات وتمكنت إلى جانب تركيا من أن تحتلا معا المواقع الأولى في الشرق الأوسط في جميع التخصصات العلمية، بعدها أصبح بإمكان إيران أن تُعلن تفوقها في مجال القوة الصاروخية ومجال الطيران المُسيَّر، وفي حدود معينة أصبحت لديها القدرة على القيام بهجمات سيبرانية على الكيان وعلى ردع هجماته، بما يعني أن الصراع بين الطرفين ليس ابن اليوم وأنه سيستمر في المستقبل باعتبار مَن سيتحول إلى مصاف القوة الإقليمية الأكثر مَهابة وقدرة على الردع، إيران أم تركيا أم الكيان، أم القوى العربية الأخرى التي بات من خلال موقفها من عدوان فجر اليوم على إيران (إدانة الكيان) بأنها هي الأخرى لم تخرج من المنافسة على قيادة المنطقة، بل إنها تتطلع إلى مكانة أولى بها وبخاصة المملكة العربية ومصر والعراق، بما يعني أن المسألة اليوم إذا كانت بين الكيان الصهيوني وإيران غدا ستُصبح بينه وبين تركيا ومن المحتمل أن يُساهم ردع إيران اليوم في تشجيع باقي القوى المحلية على التنصل التدريجي من هيمنة الكيان والولايات المتحدة الأمريكية التي ترسخت في المنطقة بعد العدوان على العراق في 2003.
وهو ما بدأت ملامحه تلوح في الأفق اليوم من خلال دخول كل من المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات في مجموعة البريكس وشروع مصر في بناء مفاعلات نووية واستعداد المملكة السعودية للحاق بها في المستقبل القريب.
ضمن هذا الواقع ينبغي أن نفهم دلالات الرد والرد المضاد لكل من إيران والكيان. ومن بين ما نستخلصه منه، أن الكيان كما شهدت الصحافة الصهيونية المعارضة ذاتها بعد هذا العدوان الباهت تأكد أنه فقد القدرة على الردع (آفي أشكنازي في صحيفة معاريف)،
بتعبير أكثر بساطة لم يعد كما كان في السابق يخيف الآخرين بتفوقه المُطلَق وقدرته الخارقة على التدمير. فما حدث صباح أمس يُبيِّن أنه برغم الدعم المباشر الأمريكي والبريطاني والفرنسي والحلف الأطلسي لم تستطع القوات الصهيونية مهاجمة أهداف حيوية في إيران، مثل المنشآت النووية والمواقع البترولية أو خزانات الوقود مثل ما فعلت مع اليمن في الحديدة، لأنها باتت تُدرك حجم الرد الإيراني في حال استهداف مثل هذه المنشآت. وهو ما يؤكد انهيار نظرية الردع الصهيونية على جميع المستويات بما في ذلك المستوى النفسي (وهم مهم)، حيث أن الجماهير الإيرانية باتت تستهزئ من طبيعته ولم تضطر إلى اللجوء إلى الملاجئ في كل مرة يتم فيها الإعلان عن بداية هجوم صهيوني، بل العكس هو الذي حدث، كان سكان المدن الإيرانية ينتظرون على سطوح منازلهم لتصوير الصواريخ الصهيونية القادمة لِتصويرها!! بما يعني سقوط حاجز الخوف لديهم واستعادة الثقة في قدرة بلادهم على الدفاع عنهم، خلافا للصهاينة الذين كانوا في الوقت ذاته يختبئون من صواريخ المقاومة في لبنان واليمن والعراق وجنود احتلالهم لا يستطيعون السيطرة الكاملة على شبر واحد من غزة بعد كل التدمير الهمجي الذي ارتكبوه طيلة أكثر من سنة في القطاع، بل ومازالوا يخافون عند سماع اسمي نصر الله والسنوار بعد استشهادهما، ويسارع زعماء عِصاباتهم للاختباء في أقرب الملاجئ لعلهم يتجنبون الهلاك القادم إن اليوم أو غدا.