قومي من تحت الردم / عبد الناصر بن عيسى /اعلامي جزائري

17 أكتوبر, 2024 - 12:02
  عبد الناصر بن عيسى /اعلامي جزائري في صحيفة الشروق أونلاين

يخطئ الكثيرون، عندما يتحدثون عن قومية لبنان، وإيمانه بالقضية الأولى، قضية فلسطين، ويخطئون أكثر عندما يتجاهلون ما قدمه لبنان، من تضحيات ومن تحمُّل للآلام في سبيل القدس وغزة، ويتمادون في الخطإ عندما يختزلون عطاءات لبنان في روائع فيروز وهي تتغنى بزهرة المدائن، وروائع ماجدة الرومي وهي تتوسل سيدة الدنيا بيروت، أن تقوم من تحت الردم، وصيحات مارسيل خليفة وهو يصرّ على أن يبقى اللبنانيون مناضلين في كل مكان.

يحيط بهذا الكيان الغريب الذي زرعته الصهيونية العالمية، كالورم، في أرض فلسطين، دولٌ عربية كثيرة لا شك في أنها شاركت وضحّت في الحروب الكلاسيكية العربية الإسرائيلية، من 1948 إلى 1973، ولكن ما قدّمه لبنان منذ اجتياحه من طرف الجيش الصهيوني في صيف 1982، هو عطاء جاوز الأربعين سنة، ومازال هذا البلد يضحي بسخاء، في سبيل القضية الفلسطينية أمّ القضايا، ليس سندا لأهل غزة وفلسطين عموما، وإنما طرفا في إدخال الصهاينة في نفق الحرب الوجودية، كما قال السيد نعيم القاسم نائب الأمين العام لحزب الله.

لقد حاول الصهاينة على مدار تاريخ وجودهم في المنطقة، زرع الفتنة بين اللبنانيين لتعدُّد مذاهبهم وأديانهم، ونجحوا في جرّ لبنان إلى حرب أهلية كاد فيها لبنان، أن يبيد نفسه بأيدي أبنائه، ولكن الصهاينة الذين ضربوا لبنان خفية فأغرقوه في الدماء، عادوا في صيف 1982 فضربوه علنا وورّطوا بعض ميليشياته في مجزرة صبرا وشاتيلا، قبل أن يقوم من تحت الردم، ويدرك أن الصهاينة هم السرطانُ المزروع في بلادهم، وأدركوا أن نصر فلسطين هو نصرهم، ويمكن الجزم الآن بأن لبنان من أهم البلدان الممانعة والمعادية للصهيونية العالمية، التي بيّنت أطماعها وحاولت تحقيقها بالمجازر التي اقترفتها على مدار سنة في فلسطين، مراهِنة على ثورة الفلسطينيين على المقاومة، وتكرّرها الآن في لبنان من أجل المسعى نفسه.

شربت لبنان من كأس العلقم الفرنسي عدة عقود، وشربت من الفتن التي نجح لبعض الوقت الصهاينة في زرعها بين الأديان والطوائف، وحتى في العرق الفينيقي والعربي، وهي تشرب الآن من تطمينات بايدن، وحتى المتسابق على البيت الأبيض ترامب، ولكن عندما تسمع جملة “العدو الصهيوني” تتردد كلازمة أغنية فيروزية، على لسان الدرزي والسني والشيعي والمسيحي، تدرك أن لبنان على قلب رجل واحد، وما فرَّقه السلم عندهم ذات فتنة، جمعته الحرب، وما غاب عن النائمين والمطبِّعين، كشفه اللبنانيون منذ ما قبل نكبة فلسطين.

كتب الشاعر اللبناني المهجري، إلياس فرحات، الذي عاش في البرازيل، وهو مسيحي، في عشرينيات القرن الماضي:

قالت الأفعى لأمريكا استحي

إن تقليدك لي عين الشطط

أين أنت مني يا من سُمّها

بغية التمويه بالشهد اختلط

أنا لا أنكرُ أنّي حيةٌ

رضيَ العالمُ عَنّي أم سخِط

أنا لا يهتفُ بالسّمِ فمي

ويدي ترسمُ للحربِ الخطط

أنتِ فيكِ السُّمُّ لا حَصرَ

لَهُ، وأنا السّمّ بِنابيَّ فقط.