لا أحد تصوّر بأن العالم، سيشهد في زمن الذكاء الاصطناعي والعوالم الافتراضية، حربا ضروسا، يعمّر قرع طبولها سنة كاملة، وقد تزيد، لا أحد تصوّر بأن الصهاينة الذين اختصروا حربا كلاسيكية أمام جيوش عربية في سنة 1967، في ستة أيام، أنهوها بالضربة القاضية، وباستعمار أراض تمتد من الضفة والجولان إلى صحراء سيناء، وبدأت حرب 1973، في رمضان فأنهوها بالانتصار قبل عيد الفطر، ولا أحد تصور بأن رجال المقاومة في فلسطين ولبنان، بإمكانهم أن يحافظوا على ثباتهم وعلى تحمّل وجعهم أمام أعداء مدججين بالسلاح الأمريكي والتأييد الغربي والخذلان والذل العربي، برغم ما ضيّعوه من أحبة وقادة، فكان نصرا في التلاحم والصبر أدهش الصهاينة، وجعلهم يهذون، بكلمة الزوال الذي صار يطاردهم ويتحوّل إلى كوابيس تؤلمهم.
النظرة المادية للصهاينة وما زيّن أرشيفهم الحربي من انتصارات ساحقة على الجيوش العربية، هو الذي بنوا عليه أحلامهم في الحرب الدائرة على غزة وعلى لبنان، فقد منّوا أنفسهم استسلاما سريعا، كما كان في نكسة 1967 وامتثالا لأوامر الولايات المتحدة الأمريكية كما حدث في رمضان 1973، فما أثّر في المقاومة الفلسطينية الدمار والتنكيل والإبادة وقتل القائد إسماعيل هنية ومجموعة من رفاقه، وما أثر في المقاومة اللبنانية التهديد بتحويل بيروت إلى العصور الحجرية، وقتل القادة والأب الروحي للمقاومة حسن نصر الله، وعلموا بسرعة بأن السنة التي قضوها في الترهيب والدمار والتجويع واستعمال أساليب النازية والفاشية بالاستعانة بقوى العالم وبأهل المنطقة من الخونة، إنما كانت امتحانا، يبدو أن المقاومة حضّرت نفسها له جيدا، فأكرِمت فيه، وأهين الممتحِن.
لم تُحرج سنة الصمود الصهاينة فقط، ومن والاهم من الأمريكان الذين لم يظنوا أبدا، بأن زمن الحرب سيبلغ انتخاباتهم الرئاسية، وستكلفهم هذا الوقت المهدور في تحريك البوارج ونسيان الواقع الأمريكي، والمال المهدور في تسليح الحليف الأول والحب الأكبر “إسرائيل” والأعصاب المحروقة مع كل تهديد للمصالح الأمريكية، وإنما أحرجت أيضا هؤلاء المطبّعين الذين غرّدوا ذات انبطاح، بأن سلامهم وتوطيد علاقاتهم مع الكيان الصهيوني، إنما هو في خدمة القضية الفلسطينية، وصار كل يوم يمرّ وكل ساعة، هو جمرة في أيديهم.. عفوا في قلوبهم.
قتل المشركون المقداد بن عمرو في غزوة بدر وانتصر المسلمون، وقتلوا مصعب بن عمير وحمزة بن عبد المطلب وانتصر بعدها المسلمون في أحُد ومعارك أخرى، وفقدوا في فتح الروم في معركة اليرموك ضرار بن الأزور وعكرمة وأنهوا المعركة بالانتصار وفتح الشام،
وقتل الفرنسيون قادة الثورة ديدوش مراد وزيغود يوسف والعربي بن مهيدي وبن بولعيد وبن عبد المالك رمضان، ومليون ونصف مليون غيرهم، وانتصر الجزائريون، وفقد الفيتناميون أكثر من مليون مقاتل، وانتهت حربهم بطرد الأمريكان من بلادهم، وهكذا قانون الحروب والثورات، كلما اشتدت، فرجت، وكلما زاد عدد الشهداء اقترب موعد النصر.