نتن ياهو ماض في تهوّره، وفي حربه القذرة على غزة ولبنان لأنه يرى أن من “حق إسرائيل الدفاع عن نفسها”، ولا أدري ماذا تعني فكرة الدفاع في مخيال النتن ياهو، هل تفجير أطنان من القنابل الفوسفورية على المدنيين في لبنان وترويع الآمنين وقطع إمدادات الغذاء والدواء واستهداف الرعاة على الحدود “دفاعٌ عن النفس”؟. هل ضرب البنية التحتية في جنوب لبنان بدعوى إضعاف قدرات حزب الله الصاروخية “دفاع عن النفس”؟ هل القصف العشوائي والعنف المفرط في غزة ولبنان “دفاع عن النفس”؟. هل استهداف كل ما يتحرك على الأرض في الضاحية الجنوبية دفاع عن الأرض؟
كل هذا لا يقبله المنطق إلا منطق اللامنطق الذي يفكر به النتن ياهو الذي لا يتفق مع فكرة الدفاع عن النفس، بل هو عدوان قولا واحدا تحت ذريعة واهية وهي توجيه ضربات استباقية محددة ومركزة لحزب الله وللمقاومة في غزة ولبنان كما يدعي نتن ياهو حتى لا يتكرر -كما زعم- مشهد السابع من أكتوبر الذي أدخله وقيادته العسكرية في هستيريا كبيرة حتى أصبحوا يحسبون كل صيحة عليهم، فيحسبون صوت كل آنية في البيت شرا قد اقترب أو مسيَّرة مرسَلة من غزة أو لبنان لضربهم.
نتن ياهو ماض في خطته التدميرية لإفناء الشعب الفلسطيني ولتدمير فلسطين ولبنان وكل مكان، ونحن مقبلون على أيام عجاف ومرحلة عصيبة لا مخرج لنا منها إلا التمسُّك بعرى الاتحاد للدفاع عن وجودنا وحدودنا وعن أرضنا ومقدساتنا. وإن الأسوأ من ذلك أن نُجرّ إلى وضع متأزم ليس من خيارنا بل هو خيار مفروض علينا شئنا أم أبينا، فنحن لا نختار الحرب بل تختارنا ولا نسعى إليها بل تسعى إلينا.
لقد تملَّك الخوف الهستيري نتن ياهو ويظهر ذلك من قسمات وجهه العبوس القمطرير التي تنبئ بالهزيمة النفسية الكبيرة التي يعانيها والتي يحاول إخفاءها بتوزيع بعض الابتسامات المصطنعة في الاجتماعات والمؤتمرات الصحفية حتى تلتقطها الكاميرات وحتى يوهم الجماهير اليهودية الناقمة عليه وعلى حكومته أنه قد وعدهم وعد الحق وأنه متفان في حمايتهم وتأمين حاضرهم ومستقبلهم، في الوقت الذي يكذب فيه ذلك مشهد العدد الكبير من المغادرين لإسرائيل في مطار بن غوريون، فرارا بجلدتهم لأنهم من نسل من قال الله سبحانه وتعالى عنهم: “ولتجدنّهم أحرص الناس على حياة”
نجح نتن ياهو في اغتيال حسن نصر الله وقيادات رفيعة في حزب الله، ونجح في إلحاق الضرر بالبنية التحتية للضاحية الجنوبية في لبنان، ونجح الموساد في تعقب هنية وقتله في إيران، ونجح الجيش الصهيوني في حملة التجويع والترويع في غزة ولبنان، ونجح الشاباك في اغتيال من يعتبرهم “عناصر إرهابية” خطيرة في المقاومة الفلسطينية، ونجح الكنيست في التغطية على إخفاقات نتن ياهو، وقد تنجح إسرائيل في استهداف مزيد من قادة المقاومة في غزة ولبان وإيران.. قد يحقق نتن ياهو كل هذه النجاحات، ولكن هل يستطيع أن يغيّر معادلة الصراع وموازين القوة على الأرض؟ هل يستطيع أن يظهر للعالم صور التدمير المركَّز الذي استهدف الدفاعات الصاروخية لحزب الله، كما زعم؟ هل يستطيع أن يخرج على القنوات التلفزيونية العالمية بصور عن مشاهد الصواريخ المدمَّرة والمسيَّرات المعطلة التي أسفرت عنها عملية “سهام الشمال”؟ هل يستطيع نتن ياهو أن يعيد من يسميهم “أهلنا في الشمال” إلى شمال فلسطين المحتلّة؟ هل يستطيع أن يضمن للإسرائيليين نجاح مغامراته في غزة ولبنان؟ هل يستطيع أن يصمد ولو تطورت الاوضاع إلى معركة إقليمية بعد الضربة الإيرانية انتقاما لمقتل هنية ونصر الله؟.
لا أظن أن نتن ياهو يستطيع أن يفعل كل ذلك، فغاية ما فعله ويفعله وما سيفعله في المستقبل القريب، حسب بعض التوقعات، هو أن يرحل العدوان من غزة إلى لبنان وربما إلى اليمن والعراق وسوريا وإيران، يضرب هنا وهناك، يقصف الضاحية ويضرب في كل ناحية، طمعا في القضاء على شبح المقاومة الذي أقضَّ مضجعه وجعله يتصرَّف كالثور الهائج الذي يهاجم الجميع لكي يحمي نفسه من عدوٍّ مستخِف بين الجموع لا يدري من أي جهة يباغته ليجهز عليه.
كشف بعض المحللين العسكريين عن استشرافات العدوان الصهيوني على غزة ولبنان، وعن امتدادات هذا العدوان المستقبلية في المنطقة العربية وفي إيران، ومن أهم ما توصلوا إليه هو أن نتن ياهو سيجرّ المنطقة إلى أتون حرب إقليمية مدمرة لا تُبقي ولا تذر، تعيد إلى الأذهان ما فعلته أمريكا في العراق وأفغانستان بدعوى محاربة الإرهاب وتصفية المقاومة، فلا الإرهاب أنهت ولا المقاومة أفنت، ولا يزال خطرها قائما ولو انحسر دورها في الميدان.
إن التحليل النفسي لشخصية نتن ياهو من خلال ما يرتكبه من جرائم في غزة ولبان، يؤكد بأنه قد تقمَّص شخصية نيرون وأشرب فلسفة شارون وهو مستعد لارتكاب هولوكوست أفظع وأشنع من الهولوكوست التي قام بها هتلر والتي أسالت كثيرا من الحبر ونفخ فيها كثيرا من أجل تسويق خرافة اليهودي المضطهَد الذي يتربص به كل الأغيار في كل الأمصار والتي تولدت عنها خرافة أخرى وهي خرافة “معاداة السامية” التي حولتها إسرائيل إلى سيف تسلطه على من تشاء ومتى تشاء وكيف تشاء من أجل حماية ما يسمى “أمن إسرائيل”.
سينتهي العدوان الصهيوني على غزة ولبنان ولو بعد حين، وسينتهي معه نتن ياهو إلى خبر كان، تلعنه الأرض والسماء ويلعنه اللاعنون. إن نهاية نتن ياهو وشيكة رغم محاولة بعض المتصهينين إخفاء هذه الحقيقة من خلال تثبيط العزائم وإيهام الحمقى والمغفلين والمهزومين بأن نتن ياهو وإسرائيل يعيشان عصرهما الذهبي وأنه لا حلّ لمناوئيه سوى الاستسلام أو القبول بعرض السلام الذي صيغ على المقاس في مختبرات الموساد.
أقول لمن يمنُّون أنفسهم بانفراج قريب للوضع في غزة ولبنان إنكم واهمون، فالانفراج ليس قريبا كما تظنون، فنتن ياهو ماض في خطته التدميرية لإفناء الشعب الفلسطيني ولتدمير فلسطين ولبنان وكل مكان، ونحن مقبلون على أيام عجاف ومرحلة عصيبة لا مخرج لنا منها إلا التمسُّك بعرى الاتحاد للدفاع عن وجودنا وحدودنا وعن أرضنا ومقدساتنا.
وإن الأسوأ من ذلك أن نُجرّ إلى وضع متأزم ليس من خيارنا بل هو خيار مفروض علينا شئنا أم أبينا، فنحن لا نختار الحرب بل تختارنا ولا نسعى إليها بل تسعى إلينا، وعندها لا نملك إلا أن نردد مقولة طارق بن زياد لجنوده التي رواه ابن خلكان في “وفيات الأعيان”: “أيها الناس، أين المفر؟! البحر من ورائكم والعدو أمامكم، فليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام فى مآدب اللئام، وقد استقبلتم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم غير سيوفكم”. ليس هناك أمل في انفراج وشيك للمعاناة، ولكن يبقى الأمل في الفرج الإلهي “إن ينصركم الله فلا غالب لكم” (آل عمران 160)، ولكنه نصر إلهي مشروط: “يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا لله ينصركم ويثبت أقدامكم” (محمد 7).