تعج الصحافة الالكترونية عندنا بسيل وافر من التجريح وتناول أعراض الناس قدحا وذما؛ وفي تبادل أدوار منسق:إشادات وتنويهات تصدر في الغالب عمن لا يملك لمن لا يستحق.
وتقود هذا الموج الهادر من الأقلام عصابات من جماعة بوكو حرام تمتهن الدفع المسبق للجيوب تحت سيف الإكراه؛ معتمدة في سبيل ذلك عناوين مثيرة تفرزها حالة الهوس المدفوعة بالجشع.
قلوب هذه العصابات أفرغ من فؤاد أم موسى، وأشد قسوة من صم الجلاميد.. إنهم يمتهنون الكذب ويحترفون التملق؛ وبهذا باتوا أشواكا تخز جسم الدولة وهيبتها بحكم لغة النهش في الأعراض.
لا تعينهم جراح المنكوبين، ولا دموع المحزونين، ولا عوز المحتاجين..
يصدرون الأحكام على أهوائهم قبل التأمل والاطلاع حتى ينتفي صدق الخبر، ويستحيل الإنصاف في القول والسداد في الرأي، وينطفئ النور في البصيرة...
يملأون رؤوسهم بسيل من التوقعات والأراجيف والأوها م..
ليس لهم من المقاصد العليا ما يشغلهم، ولا من الاهتمامات الجليلة ما يملأ وقتهم.. وقديما قالت العرب "إذا خرج الماء من الإناء ملأه الهواء".
يسمهم انقباض في الوجه ليفضح ما يعانونه من تذمر النفس، وغليان الخاطر، وتعكر المزاج..
تتخيلهم وحوشا بشرية تقتات على الشواء الآدمي بجشع و تبجح من عقله خواء وفؤاده هواء..
إنهم حاملو لفيروسات الحقد والكراهية، ما يجعلهم أشبه بعصابة من الأفاعي السامة التي تطارد الفضيلة وتنهش أهلها!!
واقع مؤسف؛ بل مخزي؛ يجادل البعض في شأنه بالقول إن الصحافة عندنا مبتذلة لعدم معرفة أصحابها بأصول المهنة وقواعدها؛ ما يجعلها مكمنا لأدبيات الشر؛ حيث تجرد أدعياؤها (حتى لا نقول أصحابها) من حلة التقوى وزينة الهدي فلا تثنيهم يد المراقبة ولا تزجرهم خشية المحاسبة؛ مع أن أغلبهم جبناء يحسب خفق الرياح قعقعة رماح؛ فيطير فؤاده ويغمي عليه شهرا..
أكيد أن الإعلام الرسمي لا يقدم الخبر الطازج والحدث الساخن؛ حيث تمتد رواسبه من انتقاء الخبر وشكل صياغته إلى مضمونه وترتيبه في أسلوب احترازي لا لبس فيه، وفي تهرب خشبي لا يفوت فطنا وغيره، لكن الإعلام "الحر" لا ينقل الخبر حيا، ولا يقدم التعليق المعمق.. بل كل ما هنالك مجرد مكاء وتصدية نصيب أغلب ممتهنيه من أدبيات الرسالة الإعلامية معرفة أسماء المسئولين وعناوينهم ومساكنهم وبرامج تنقلاتهم، وربما ساعات نومهم.. فضلا عن أفضل الطرق لتملقهم والتزلف إليهم!!ّ!
إن إعلامنا بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضي إلى استعادة شرعيته المؤسسية والأخلاقية (إن كان أحرز هذه الشرعية قبل) بعيدا عن نباح هؤلاء وعويلهم، وذلك من منطلق أن حرية التعبير لا تمارس في فراغ، وإنما تتعامل مع واقع اجتماعي معين لابد من احترام قيمه الأساسية بحيث يعد أي ازدراء لتلك القيم تجاوزا للخطوط الحمراء مما يستوجب صد المعتدي بكل سرعة وحزم..
أم أن لهذه العصابات رعاة وحماة قد دبروا الأمر بليل، ولا سبيل لإيقاف الزحف المخيف من هذه العصابات التي تغير كل يوم على أعراض الناس وأخلاق المجتمع وقيم الدولة المدنية..؟؟
سؤال موجه لمن يملكون الإجابة..