حوض آرغين في موريتانيا..طبيعة تأسر الألـبــــــــــــاب

5 ديسمبر, 2015 - 00:03

حوض آرغين، موقع سياحي فريد من نوعه يقع على امتداد أكثر من 200 كيلومتر مربع على طول المحيط الأطلسي بين مدينتي نواكشوط ونواذيبو في الشمال الموريتاني.

ويستمد هذا الموقع روعته من تعايش تضاريس طبيعية، ألا وهي البحر والصحراء، إذ تتعانق في هذا الأرخبيل الدافئ أمواج البحر الصافية مع الكثبان الرملية الذهبية التي تمثل بداية الصحراء الكبرى، مانحة للمشاهد لوحة فنية جذابة.

ويأتي العديد من السياح من مختلف البلدان إلى هذا الموقع للاستمتاع بمشاهدة الطبيعة والطيور والحيتان والسلاحف التي تلجأ إليه للإنجاب، ويعتبر الموقع وهو محمية طبيعية، من بين المناطق الأكثر أهمية في العالم بالنسبة للطيور المعششة (والخواضين المهاجرة) ومفردها (خواض) وهو نوع من الطيور آكلة اللحوم طويلة العنق والسيقان التي تتجمهر على الشاطئ أو فوق عشرات الجزر الصغيرة غير المأهولة المتناثرة في البحر.

وتوفر المياه غير العميقة والنباتات المتنوعة والهدوء النسبي للموقع مناخا ملائما لتكاثر الأسماك والطيور والثدييات البحرية، ويرى الباحثون أن هذه المنطقة المصنفة ضمن التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) توفر المسكن الأكثر رخاءً في الجانب الغربي من المحيط الأطلسي بالنسبة للطيور المعششة في غرب أفريقيا والخواضين المهاجرة.

يقول محمد كامارا، خبير متخصص في حياة الطيور في الحظيرة الوطنية لحوض آرغين: إن المساحات الطينية الفسيحة تؤوي أكثر من مليونين من الطيور الساحلية النازحة من شمال أوروبا وسيبيريا وغرينلاند. وتتميز أسراب الطيور المعششة في حوض آرغين بعددها الهائل وتنوعها الفائق، ويعتقد كامارا أن هذا العدد يتراوح من 25 ألفا إلى 40 ألف زوج تنتمي إلى 15 فصيلة مختلفة، لكن أعداد الطيور التي تمر بالمحمية مرة واحدة على الأقل أثناء السنة ولو لم تكن مقيمة فيها تتجاوز المليونين. ومن اللافت أن بعض هذه الطيور لا تستخدم حوض آرغين إلا للتزاوج حيث الدفء والوسط البيئي الملائم والغذاء الوافر من قشريات وفطريات وأسماك صغيرة قبل أن تعود من حيث أتت في مختلف بقاع العالم.

ويقول الباحثون في هذا السياق إن طائر الجهلول القطبي لا يتزاوج أبدا إلا في هذه المحمية الموريتانية التي يأوي إليها في شتاء كل سنة فيمكث فيها 7 أشهر في حين يتخذ من سيبيريا والمناطق القطبية الأخرى موطنا له في بقية العام.

ومن غرائب حياة هذه الطيور أنها تنظم شأنها تنظيما محكما يحول دون اندلاع النزاعات على مناطق النفوذ، إذ تختار كل فصيلة منها مكانا خاصا للتعشيش في إحدى الجزر الكثيرة تفاديا للاحتكاك بالفصائل الأخرى.

ويضيف كامارا أن الجزر والمناطق البعيدة عن الشاطئ في حوض آرغين تأوي قرابة 59 صنفا من الأسماك وعددا أقل من أصناف القشريات والرخويات، إضافة إلى بعض فصائل السلاحف البحرية، خاصة السلحفاة الخضراء المدرجة على قائمة الاتحاد الدولي للمحافظة على الأصناف المهددة بالانقراض وبعض فصائل الدلافين.

وفي مجال الثدييات، يمكن العثور في حوض آرغين على آثار وجود سابق للغزلان، ويقطن بمحاذاة هذه المحمية شعب أصيل استوطن هذا الموقع منذ آلاف السنين واحتفظ بمعظم عاداته وتقاليده حتى اليوم رغم الحضارات التي تعاقبت عليه ومن ضمنها بعثات المستكشفين الأوروبيين التي احتلت هذه البقعة من الأرض على مدى حقب عديدة.

هذا الشعب الذي لا يتجاوز تعداده اليوم بضع مئات يسمى «إيمراغن» ويعيش بشكل كلي على صيد الأسماك، حيث يستيقظ الرجال في الصباح الباكر فيقصدون البحر، لا سلاح لهم إلا شباك وقوارب بدائية تسوقها الرياح والمجاديف، فيقضون النهار في عراك مع المد والجزر ويعودون في المساء جالبين ما شاء الله أن يهبهم من الصيد، ومن هنا تبدأ مهمة النساء في إعداد الطعام ومعالجة الأسماك بتنقيتها وتجفيفها واستخراج البيض والزيت منها.

وأشار كامارا إلى أن المياه الموريتانية في المحيط الأطلسي، معروفة بأنها من بين أغنى المياه بالسمك في العالم، فهي تشهد إقبالا كبيرا لسفن الصيد المختلفة، وكان لا بد من حماية حوض آرغين حتى لا يفقد ميزته كملاذ آمن للطيور والأسماك، لذلك قررت موريتانيا تحويله إلى محمية طبيعية وإغلاقه أمام الصيد باستثناء السكان المحليين الذين يستخدمون وسائل تقليدية لا تضر بالبيئة البحرية. وأضاف كامارا أنه تم إنشاء مؤسسة رسمية هي «الحظيرة الوطنية لحوض آرغين» المكلفة بالعمل على دفع تنمية ملائمة للسكان المحليين الذين يستخدمون الموارد الطبيعية للحوض وحماية سلامة وإنتاجية الموارد الطبيعية لهذا الموقع السياحي. وتشمل مهمات هذه المؤسسة المنشأة في العام 1976 الحفاظ على النظم الايكولوجية الأرضية والبحرية وفي الجزر وتحت الأرض وفي الجو المتعلقة بهذا الموقع والمساهمة في حماية الأصناف المهددة بالانقراض، بما في ذلك الأصناف المهاجرة التي تمثل الحظيرة بالنسبة لها مكان مرور أو استراحة أو إقامة. ويتعيّن كذلك على الحظيرة الوطنية لحوض آرغين أن تحافظ على المواقع الطبيعية ذات القيمة العلمية أو الجمالية والمساهمة في إعداد الأبحاث حول البيئة، وبالذات البيئة البحرية، وترقية النشاطات ذات الطابع التعليمي في مجال البيئة، ناهيك عن إنشاء فضاء بحري محمي تكون له قيمة ايكولوجية وبيولوجية في المنطقة.

المصدر