لهذا يستمرّ الجدل في زكاة الفطر! /سلطان بركاني

1 أبريل, 2024 - 03:34

 

تناقلت كثير من الصفحات على مواقع التواصل، هذه الأيام، منشورات تحذّر بكل حِدية من إخراج النّقود في زكاة الفطر، وتجزم بأنّها لا تكون مجزئة وتبقى معلّقة في رقبة صاحبها، بل ذهبت بعضها إلى التحذير من أئمّة المساجد الذين يذْكرون للنّاس أنّ زكاة الفطر قدّرت هذا العام بـ150 دج. وتداول بعض المتعصّبين كلمة مكتوبة وأخرى مسموعة لأحد مبرّزيهم يقول: “حتى لا يخدعوك: إذا سمعت إمام مسجدكم يقول إنّ زكاة الفطر 150 دج؛ فاعلم أنّه مضلّ للنّاس”!
في خضمّ المأساة التي يعيشها المستضعفون في قطاع غزّة، والأخبار التي تتحدّث عن وصول تعداد الشّهداء إلى 33 ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنّساء، وعن تجاوز عدد المساجد التي هدّمت كليا أو جزئيا 1000 مسجد! فضلا عن استمرار مأساة الفزع والجوع والتشريد؛ كان يفترض في المسلمين، إذا لم يفكّروا في الوسائل التي تمكّنهم من إيصال زكاة فطرهم إلى غزّة، أن يراعوا الوضع ويتركوا خلافهم في المسألة وتتّسع صدور بعضهم لبعض.. لكنّ هذا لم يحصل، حيث انطلق السّجال المحتدم، ككلّ عام، وبدأت المعركة قبل المنتصف من رمضان! وكانت الأحكام الحدية سيّدة الموقف، يتداولها شباب ما عادت هموم الأمّة تخالط قلوبهم أو تستوعبها عقولهم، لأنّهم يرون أنّ الانتصار لرأي معيّن في مسألة فقهية خلافية، يعدّ انتصارا لحقّ على باطل وهدى على ضلال! وهو ما قد يكون أهمّ عندهم من الانتصار على الصهاينة المحتلين، على حدّ قول أحدهم: “جاهد بالسّنن”!

كان لا بدّ -والواقع هذا- من محاصرة هذا السّعار المحموم، ومن الردّ على هذه الجرأة في تضليل ما لا يقلّ عن 90 % من المسلمين الذين يخرجون زكاة فطرهم مالا، وبيان أنّ الرّأي القائل بجواز إخراج القيمة في الزكاة، ليس رأيا شاذا كما يعرضه هؤلاء المتعصّبون، إنّما هو رأي معتبر قال به عدد من الصّحابة في الزكاة عامّة وفي زكاة الفطر خاصّة، كابن مسعود وابن عباس ومعاذ بن جبل، وكثير غيرهم، حتّى قال التابعيّ أبو إسحاق السبيعي: “أدركتهم -يعني الصحابة- وهم يعطون في صدقة رمضان الدّراهم بقيمة الطّعام” (مصنف ابن أبي شيبة: 3/ 174).

وهو الرأي الذي قال به الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- وأنفذه في خلافته، فعن قرّة قال: “جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: نصف صاع عن كلّ إنسان، أو قيمته نصف درهم”.. وبه قال الحسن البصري، وطاووس بن كيسان وسفيان الثوري. (مصنف ابن أبي شيبة: 3/ 174).. وبه قال أبو عمرو الأوزاعي، وأبو حنيفة النعمان وفقهاء مذهبه، وأحمد بن حنبل في رواية عنه، والإمام البخاري، وشمس الدين الرملي من الشافعية، ومن المالكية: ابن حبيب وأصبغ وابن أبي حازم وابن وهب.

وكان لا بدّ من ردّ هؤلاء إلى الحكمة التي لأجلها شرعت زكاة الفطر، وهي إغناء الفقير عن الحاجة يوم العيد، ٨ تعمّ الفرحة كلّ البيوت، وهذه الحكمة كانت تتحقّق في الزّمن الأوّل بوجود الطّعام الكافي لأفراد الأسرة، لأنّ الفقير يومها لم يكن يجد أيّ صعوبة في امتلاك منزل، كما لم تكن به حاجة إلى غاز أو كهرباء أو تكاليف يحصل بها على الماء، ولم يكن أغلب النّاس يجدون صعوبة في الحصول على الكسوة أو في علاج مرضاهم… إنّما كان الفقراء في ذلك الزّمان يحتاجون إلى الطّعام، خاصّة التّمر والشّعير، فإذا توفّر الطّعام الأساسيّ أمكن الفقير أن يقايض به حاجات أخرى لا يملكها، لأنّ أغلب المعاملات في ذلك الزّمان كانت تتمّ بالمقايضة، وما كانت النقود تستعمل إلا في نطاق ضيّق، في الحاجات التي تعدّ فيها الدّراهم بالسرر، كالديات مثلا.

أمّا في زماننا هذا فقد تعدّدت ضروريات العيش، وتنوّعت حاجات الفقير، ولم تعد مقتصرة على الطّعام، بل أصبح السّكن حاجة ضرورية صعبة المنال، وأضحى علاج المريض ضرورة تحتاج إلى مال، والكسوة أمست تستنزف ميزانيات كاملة، وهكذا فواتير الكهرباء والغاز والماء… فهل تُرى الفقير المعدم يستغني إذا تدافع النّاس عند بابه يضعون أكواما من اللوبياء والعدس والحمص والفرينة والأرز؟ هل تفي الكميات الكبيرة التي يحصل عليها من العجائن والبقوليات بحاجات ضرورية أخرى؟ هل تمكّنه من دفع إيجار البيت الذي يستأجره أو سداد فاتورة الكهرباء والغاز أو علاج ابنة مريضة تتألم في زاوية البيت أو شراء الحليب لرضيع يبكي من الجوع…؟ وهل سيفرح هذا الفقير يوم العيد وهو يرى أبناءه قد حَبسوا أنفسهم في البيت لأنّ أباهم لم يشتر لهم كسوة العيد؟

إنّنا أحوج ما نكون إلى مراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية، لتحقيق المصالح التي لأجلها شرعت أغلب الأحكام، أمّا الإصرار على إهمال الواقع بدعوى التمسّك بالنصّ، فهذا سيوقع المسلمين في الحرج، خاصّة من يعيشون منهم في الدول الغربية، بل سيصدّ كثيرا من النّاس عن دين الله وهم يرون أتباع هذا الدّين يصرّون على التمسّك بالآصار والأغلال وعلى العنت وعدم مراعاة تغيّر الزّمان وتبدّل الواقع!

الخلاف حول إجزاء القيمة في زكاة الفطر لن ينتهي، وليس من الضروريّ أن ينتهي إذا بقي في المستوى العلميّ، وكان النقاش حوله بالأدلّة الشّرعية، من دون أن يُقْدم أحد الطّرفين على تضليل الآخر أو تسفيهه، لكن إذا وجد في الأمّة من يصرّ على اعتبار الخلاف معركة، فعندئذ وجب على أهل العلم أن يقولوا كلمة في وجه المتعصّبين الذين يصرّون على تشتيت كلمة المسلمين وعلى محاكمة العلماء والدّعاة وأئمّة المساجد والتحذير منهم لا لشيء إلا لأنّهم تبنّوا رأيا بدا للمتعصّبين أنّه مخالف للنصّ أو مرجوح أو خاطئ!
المصدر :صفحة الكاتب في فسبوك

 

إضافة تعليق جديد