بيان صحفي:
في يوم 04 دجمبر، أصدرت محكمة الجنايات المختصة في الجرائم الاقتصادية، بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، حكمها الابتدائي بعد 11 شهرا من المرافعات العلنية. وحكمت هذه المحكمة على الرئيس السابق، الجنرال محمد ولد عبد العزيز، بخمس سنوات من السجن النافذ، والحرمان من الحقوق المدنية، وبغرامة مالية من خمسين مليون أوقية جديدة (1.250.000 يورو)، مع مصادرة أمواله المتحصل عليها من الفساد، حسب المخالفات الواردة في منطوق الحكم، والمتعلقة بـ”تبييض الأموال”، و”الإثراء غير المشروع”. وامتنعت المحكمة، قبل المرافعات النهائية للدفاع، عن تنفيذ التماس النيابة العامة بإصدار حكم على الرئيس السابق بالسجن 20 سنة. وتمت تبرئة ولد عبد العزيز من 8 تهم تتعلق كلها بجرائم في حق القانون خاصة اختلاس المال وتبديد الممتلكات العامة.
وبدون إستثناء، استعاد الباقون حريتهم (وزيران أولان، موظفون سامون، وحفنة من المقربين: تجار ومستغلي نفوذ) من البراءة إلى الحكم مع وقف التنفيذ، خرج هؤلاء سالمين من دينامية جبر الأضرار المتبعة. وكان من حظهم أن أي حكم جالب للعار والمذمة، لم يصدر عليهم بالرغم من نصوص الشريعة الواردة في مجال المخالفات المتعلقة بانتهاك حرمة الممتلكات.
وكما كان منتظرا من قبل الرأي العام المستنير، أعطى القضاة الأولوية، هنا، لقرار سياسي يبتغي تنقية شوائب واجهة القطب المهيمن، و هو على أعتاب رئاسيات 2024. فالحكم وضع الرئيسَ محمد ولد عبد العزيز، “رئيس الفقراء” الشهير، خارج المنافسة، وهو من كان، بالأمس، معبودا كالمُخَلِّص المُجير، ليصبح، اليوم، محلّ التبرُّؤ، المطرود من الرحمة، والفريسة السائغة للمتزلفين من الناس.
من البداهة بمكان، أن النواب، أصحابَ مبادرة لجنة التحقيق البرلمانية في ظل الجمعية الوطنية التشريعية الفارطة، كانوا يشجعون تبعية القاضي للسلطة التنفيذية. وكمثال غير شامل البتة، استثنوْا من التحقيق الصفقات المشكوك فيها للهيئة المكلفة بالحالة المدنية حيث الرصيد الكبير من الاحتيال العائد لسنة 2022.
وعلى مسافة متساوية بين الإفلات من العقوبة والتظاهر بالفضيلة، جاءت المحكمة لتعزز منطق الأقوى.
منذ 1978، تزدهي وتعيد الأحكامُ العسكرية وتمظهراتُها المدنية إنتاجَ نفسها على نمط سِفَاح المحارم بفضل هذا التوازن المصطنع الذي تحلُّ فيه الحججُ الواهية محل دولة القانون. وتجسد البنية العرقية-القبلية للنظام تضافر التزوير والتباهي بغير المستحق والتدليس. وهكذا لا يخشى فيها اللص الساطي إلا سوء الطالع الملازم لزعزعة التحالفات والهذيان الانقلابي. وفي المقابل، يقبع آلافُ المواطنين، من أصول جنوب-صحراوية، خاصة من ذراري العبيد، في السجون، في حين أن القانون كثيرا ما تغافل عنهم. ومعلوم أن بعض هؤلاء، المجاهيل، المحرومين من حماية الأطراف ذات التأثير، ينجبون ويموتون في محبسهم، دون أي مثول أمام المحاكم. بهذه الطريقة يسري الخلل إلى العدالة في الجمهورية الإسلامية الموريتانية بين التفضيلات غير الموضوعية واللبس واعتماد عادة فرض الأمر الواقع. وهكذا تضرب العدالة بيدها الثقيلة، وبشكل غير قانوني الأكثرية البائسة و مبتوري “الأنساب و الأحزاب”.
وهو ما يعبر عنه، على الدوام، كل الناجين من التطهير العرقي لسنوات 1986-1991 وورثة الضحايا. بَيْدَ أنه تجدر الإشارة كما يجدر الارتياح بأن قادتنا لن يحسوا، من بعد، أبدا أنهم فوق واجب المساءلة التي أصبحت، حاليا، حتمية داخل مركز دينامية التناوب. الآن تتوقف الحصانة عندما يصبح الحاكم خارج ممارسة السلطة التي تمنحها له صناديق الاقتراع الخاضعة، بالطبع، لهراوات الأمن.
بالمقارنة مع الفضاء الإفريقي-العربي، تمنح موريتانيا لنفسها، بالرغم من النواقص المذكورة آنفا، تقدما ملحوظا على طريق الشفافية والعدل. وإننا لنرحب بذلك. وإن الفرصة تفرض على رئيس الجمهورية أن يعمل بصرامة أكبر ضد مواصلة تدوير المفسدين المفترسين الوطنيين. إنهم يواصلون نشاطهم في قلب جهاز الدولة وفي الخارج، لدرجة أن البلاد أصبحت تجر وراءها شهرة تتمثل في كونها مختبرا لجرائم النُّخَب الإدارية والمالية.
في انتظار تطور الملف نحو قرار نهائي، وفي انتظار استئناف محتمل، فإن المناضلين والمنتخبين الذين أمثلهم يقتصرون على التعليق الحَذِر وضبط النفس.
ومن منطلق الشعور بالشرف وواجب الحياء و التعاطف مع الأقوياء المطاح بهم فجأة، فإنه لا أحد منا يرغب في أن يُثقل كاهل المتهم، رغم ما ستقولون، قرائي الأعزاء، بأن مزاجه السّاخط سبّبَ لنا الكثير من المعاناة والعذاب والازدراء والإهانة.
النائب بيرام الداه اعبيد
بروكسل ، 08 دجمبر 2023