حرصا من المجلس الأعلى للفتوى والمظالم على رفع الالتباس، و إنارة الرأي العام حول ما قدمه من تعديلات، وآراء، وملاحظات حول مشروع قانون محاربة العنف ضد المرأة والفتاة، الذي أحيل إليه منذ فترة للدراسة وإبداء الرأي الشرعي، وذلك في إطار المهام والاختصاصات الموكلة إليه، وتوضيحا لمساهمته في تمحيص، وتهذيب، وتنقيح هذا القانون الذي سيتم عرضه أمام الجمعية الوطنية، فإننا ننشر لكم النص الكامل لكلمة الدكتور إسلمُ ولد سيد المصطف/ رئيس المجلس، بمناسبة انطلاق أعمال الورشة التحسيسية حول مسودة مشروع قانون محاربة العنف ضد المرأة والفتاة التي نظمتها وزارة العدل في قصر المؤتمرات بنواكشوط في الفترة من 19 إلى 20 سبتمبر2023:
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على نبيه الكريم
بادئ ذي بدء لا بد أن أقدم كامل الشكر وعظيم الامتنان لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني على تمسكه الشديد، وحرصه القوي، لا على المسحة الإسلامية العامة للدولة الموريتانية فقط، بل وعلى الالتزام الصارم بالمبادئ والنظم والقوانين الإسلامية، وليس ذلك منه بالشيء الكثير، كما هو معروف.
وبما أن المجلس الأعلى للفتوى والمظالم هو هيئة دستورية، تقدم الرأي لفخامة رئيس الجمهورية في القضايا الشرعية، فيما رأى أن يستشيرها فيه، فإنه - وفي هذا الإطار- وردت على المجلس رسالة تحيل مشروع القانون- سيئ الصيت- الذي كان يسمى: "قانون النوع"، تطلب رأيه فيه.
وبعد دراسة متأنية ودقيقة قدم المجلس رأيه، وأعاد المشروع إلى وزارة العدل علما بأن النسخة التي أحيلت إلى المجلس كانت قد أدخلت عليها تعديلات مهمة قبل أن ترسل إليه.
وإدراكا منا لضرورة التحرك لإنصاف المرأة الموريتانية، ووضع حد لما تعانيه بعض النساء الموريتانيات، وثقة منا في قيادتنا الحالية وتمسكها الشديد بالمبادئ، والأحكام، والقيم الإسلامية، فقد تعاملنا مع مشروع النص بمرونة بالغة غضضنا الطرف فيها عن كل ما يمكن السكوت عليه شرعا كالعقوبات الواردة في النص، باعتبارها عقوبات تعزيرية يرى المختصون أنها تخدم المصلحة العامة.
فقد حورنا بعض المواد القانونية، واقترحنا إلغاء بعض المواد التي رأينا أنها لا يمكن تهذيبها، وأَحَلْنَا إلى مسؤولية الدولة ما كان مسندا لغيرها ثقة منا بالحكومة الموريتانية، وكنا نرى أن مدونة قانون الأحوال الشخصية لا ينبغي أن تطالها يد التغيير من خلال هذا القانون، لأنها في حقيقة أمرها تنظيم ديني بحت، منظم بالقرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وأنه إذا كان القائمون على الأمر يرون ضرورة تحسينها، أو تحيينها فإن ذلك ينبغي أن يكون من خلال مراجعتها هي نفسها مراجعة عامة، لا من خلال هذا القانون لما في ذلك من تشرذمها، وتعريضها للتبديل، لا للتهذيب، أو للتحسين.
أيها السادة والسيدات
أنتم تدركون جميعا أن الكينونة الأسرية، بما فيها من مشاعر وعلاقات، تقوم على أساسين: غريزي وقانوني اجتماعي، وأنها جعل من الله سبحانه وتعالى، وآية من آياته الدالة على قدرته توازي آيات خلق الإنسان والكون الطبيعي كما قال تعالى: ﴿وَمِنَ اٰيَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ إِذَآ أَنتُم بَشَرٞ تَنتَشِرُونَۖ (19) وَمِنَ اٰيَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنَ اَنفُسِكُمُۥٓ أَزْوَٰجاٗ لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحْمَةًۖ اِنَّ فِے ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوْمٖ يَتَفَكَّرُونَۖ﴾.... إلى آياته التي تَمَدَّحَ بها سبحانه وتعالى.
فهي ليست تقليدا عرفيا، ولا نظاما اجتماعيا وضعيا، وهي تؤسس لمبادئ جوهرية في الحياة، كحفظ النوع البشري، وحفظ النسب والنسل، وحفظ العرض. ويستحيل تبديلها أو إلغاؤها لأنها كما قلت جَعْلٌ من الله سبحانه وتعالى، وآية من آياته.
وبالجملة فالمجلس الأعلى للفتوى والمظالم يرى أن المشروع الذي أحاله إلى معالي وزير العدل، بما فيه من تعديلات، وآراء، وملاحظات يلبي كافة المقاصد، والمطالب التي تطمح لها كل الجهات للرفع من مستوى تكريم المرأة، وإنصافها، وتحسين موقعها القانوني والاجتماعي. ولا توجد فيه بطبيعة الحال مخالفات شرعية ولا انحرافات أخلاقية، بل تمت فيه مراعاة درء المفسدة، والحيطة في الأمور، واعتبار المآلات والعلاقات.
والله ولي التوفيق.