يستهين البعض بقمة “البريكس” الخامسة عشرة، التي تنعقد بعاصمة جنوب إفريقيا يوم،٢٢اغسطس، ٢٠٢٢ ولا يرى فيها سوى محاولة أخرى لن تصمد كثيرا لمواجهة الغرب، ككثير المحاولات التي سبقتها، في حين يرى آخرون بأنها ستكون بداية تغيير كبير في ميزان القوة الاستراتيجي والاقتصادي العالمي، انطلاقا من قارة المستقبل، إفريقيا.. ما الذي حدث ويُتوقَّع أن يحدث في واقع الأمر؟
لنلقي نظرة سريعة على ما حدث منذ بضع سنوات بين دول مجموعة “البريكس” ودول مجموعة الـ 6 (الولايات المتحدة، اليابان، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا):
ـ بالنسبة إلى الصين تغلب اقتصادها على بريطانيا في 2005، ثم على ألمانيا في 2010، ثم على اليابان في 2015، وسيتعادل مع الولايات المتحدة الأمريكية في 2030، ويُحقِّق الانتصار الكبير في 2039، ويصبح بعيدا عن الاقتصاد الأمريكي سنة 2050 بما يساوي 45 ترليون دولار مقابل 35 ترليون دولار للولايات المتحدة…
ـ بالنسبة إلى الهند تغلب اقتصادها على إيطاليا في 2015، وعلى فرنسا في 2020، وسيتغلب على ألمانيا في2025، ويصبح ثالث اقتصاد عالمي بعد الصين والولايات المتحدة في حدود سنة 2050 بما يساوي 27 ترليون دولار..
ـ بالنسبة إلى روسيا، تغلب اقتصادها على إيطاليا في 2017، وسيتغلب على فرنسا في 2025، وعلى ألمانيا في 2030… ويُصبح سادس اقتصاد عالمي في 2050 بنحو 5 ترليون دولار…
ـ بالنسبة إلى البرازيل سيتغلب اقتصادها على إيطاليا في 2025، وعلى فرنسا في 2030، وعلى ألمانيا في 2035، ويصل إلى 4 ترليون دولار سنة 2050 قريبا من روسيا واليابان..
أما إذا جمعنا فريق البريكس في مواجهة مجموعة فريق مجموعة السبعة (الستة + كندا)، فالنتيجة ستكون عريضة لصالح البريكس في حدود سنة 2040 (82 مقابل 50) ترليون دولار…
هذا، استنادا إلى إحصائيات مراكز البحث الغربية (انظر مثلا www.goldmansachs.com في نقطة world order in 2050، وكذلك carnegieendowment.org في نقطة brics-dream… أما استنادا للتطورات الأخيرة ما بعد حرب أوكرانيا، فإن قواعد اللعبة ستتغير تماما وبالضبط بعد قمة “جوهانسبورج” المنعقدة اليوم …
ما الذي سيحدث بعدها؟ بعدها ستتوالى الهزائم على الفريق الغربي:
أولا: في المستقبل المباشر (من هنا إلى سنتين) سيتم حرمان الغرب من نهب اقتصاديات الدول الضعيفة في إفريقيا وآسيا ولو بالقوة، وبالنتيجة، سيتم تجفيف منابع السرقة واحدة بعد الأخرى من دول الساحل إلى جنوب وشمال القارتين الأسيوية والإفريقية، والمسار بارز للعيان اليوم بوضوح… مالي، بوركينا فاسو، النيجر، أفغانستان، اليمن… إلخ.
ثانيا: في المستقبل القريب (من سنتين إلى 5 سنوات من الآن)، سيتم إبعاد بعض الدول الرئيسة في العالم عن الهيمنة الغربية وتعزيز اقترابها من الشرق وقبولها بدرجات متفاوتة ضمن مجموعة البريكس مثل الأرجنتين، المملكة العربية السعودية، مصر، الجزائر، لبيبا، نيجيريا، المكسيك، إندونيسيا… إلخ
ثالثا: في المستقبل المتوسط (من 5 إلى 15 سنة من الآن)، سيتم تعزيز البريكس بمجموعة كاملة العضوية من بين الـ 23 مُرَشَّحا اليوم، وفي هذه الحالية سيتقدم موعد لقاء الحسم من سنة 2039 بـ 4 أو 5 سنوات، أي ستكون بداية هزيمة الغرب سنة 2035 ه بدل 2039. وسيكون لذلك تأثير جيواستراتيجي على العالم أضعاف ما أحدثته الحرب العالمية الثانية به بعد أن يكون قد مر قرن بالضبط على اندلاعها.
رابعا: في المستقبل البعيد (ما بين 15 و25 سنة من الآن)، أي ما بعد سنة 2039 وإلى غاية 2045 (يكون قد مر قرن بالتمام على نهاية الحرب العالمية الثانية) سيحدث الانقلاب الكبير للنظام العالمي وتبدأ موازين القوى تتغير بالفعل نحو الشرق والجنوب…
هكذا، ينبغي أن ننظر للمستقبل الجيوسياسي للعالم، وأن تتخذ كل دولة قرارتها ضمنه بروية.. فالغرب الذي يرى نفسه في طور الأفول لن يستبعد أي وسيلة للبقاء… ولكن هيهات، يبدو أنه قد فاته الأوان، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وسيغلب البريكس السبعة في بضع سنين ويومئذ يفرح المستضعَفون…