قراءة تحليلية لبيان الحركة الشعبية التقدمية.. إشيب ولد اباتي

23 يونيو, 2023 - 20:17

لعل من الأهمية بمكان اصدار هذا البيان السياسي مهما كان نشره في  غير وقته المناسب  في شهر رمضان، شهر الثقافة الدينية، والعبادات، حيث كان معظم قراء المواقع منهمكين في العبادات..
وقد  حمل البيان الرسائل التالية:
أ - تحميل النظام السياسي مآخذ سياسة افقاره للتجربة الدديمقراطية  في بلادنا بدلا من اغنائها بما يعزز العمل المدني، ويؤسس له بقواعد ركينة، ومن أوالياتها اعطاء الرخص لمختلف القوى المدنية  السياسية، بينما وفع العكس، إذ  منعت التراخيص للاحزاب السياسية، وبذلك عطل العمل السياسي لقوى  الحراك السياسي المتنامية، والعمل على الحد منها، والتحكم  فيها، ليسود في الخارج  الانطباع، بأن الوعي السياسي في موريتانيا منحصر في الاحزاب  السياسية القبلية والجهوية، والعرقية التي تتعاطى مع النظام على أساس الطاعة  مقابل المنافع المتبادلة..!
ب -  تقديم المستوى السياسي النسبي للتجربة الديمقراطية حديثة العهد، نظرا لعجز النظام السياسي عن مساعدة الحراك السياسي على توعية المواطن الموريتاني، وإيجاد بيئة سياسية وثقافية،  تنمي العمل السياسي خارج أطر النظام القبلي، ونفوذه العتيد على انظمة الحكم السابقة مذ تأسس النظام السياسي قبل نصف قرن ويزيد...!

ج -تقديم  البيان لرؤيتين سياسيتين : رؤية  سياسية توصيفية لما عليه الواقع السياسي الارتدادي،، ورؤية تحمل مشروعا سياسيا مكتملا الشروط، والغايات، ومستقبل التطلعات، وبمعنى توضيحي،  جمع البيان الذي اصدرته هيئة الحزب (تحت التأسيس)، بين رؤية وصفية لثوابت النظام السياسي في موريتانيا أثناء حكم نظام ولد غزواني، وهو نظام  مخضرم الى حد، الميل الى الازدواجية بين المدني في مظهره، والعسكري في مضمونه،  وذلك لتجسيده  البالغ الدلالة  لكون رأس النظام،  انتقل من العمل العسكري، إلى العمل المدني، وبدون حزب سياسي مرخص، بل ترشح تحت رعاية نظام الحكم السابق بهدف تبادل الحكم العسكري تحت شعارات المدنية الصفيقة: انتخابات ممولة من المال العام، وانتخاب افراد هامشيين في العمل السياسي للمنافسة في الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي لم ينجح في وضع قطيعة مع التجربة السابقة  لاغتصاب الحكم الذي كان يراوح  في مكانه من الظرفية المدنية - ولم تصل مستوى الحكم المدني - الى العسكرية في التسيير، ومعاداة الطيف السياسي للحراك السياسي المدني، غير ان ذلك لم يؤد الى تكثيف  المآخذ  دوليا عليه،  نظرا للولاء للخارج، والاحتماء بفرنسا للتي تعادي الأنظمة الوطنية، وتتحالف مع الأنظمة التابعة لها، رغم فجاجة  الأسس المدنية الصفيقة.
وكذلك واقع الحال عندنا، إذ  لم تتغلب سمات  الحكم المدني منذ تسعينيات القرن الماضي على النظام العسكري في نظام ولد غزواني، مما جعل توصيف الحكم قابلا للتركيز على  خلفية  " المركب" من نقيضين،  إذ  هو  عسكري بأقل  من مائة بالمائة، و مدني بنسبة أقل من المتوسط الحسابي، لذلك لم تصل  نسبة التوازن، لا  في مظهره، او  تسييره، وهذه الأزدواجية  حاملاها الذراع القبلي، والمدني الوظيفي معا،، علاوة على اتكاء على عناصر تيار "الاسلام السياسي" الذي جمع رموز الابراهامية الطرقية ، والاخوانية ذات العلاقة الرمادية بالانظمة الموالية لأمريكا في الوطن العربي، وتركيا..

ولم تخل الترشيحات للحزب الحاكم من تعيين العسكريين، و ذويهم من قادة الجيش، وقادة الأمن، مثال "محمد بنب ولد مكت"، وهو رجل المخابرات المتقاعد الذي رشح للنيابيات من أجل  أن يكون رئيسا عسكريا على الجمعية الوطنية، وذلك في محاولة لاخراج  العملية السياسية من اوهام الخوف التي  تعترض النظام الذي يهيئ للمأمورية المنتظرة بهذه السياسة التصفوية  بما يعنيه ذلك من اخراج العمل المدني من بعده السياسي إلى مجال الأوامر العسكرية النافذة في مجال الانتخابات السياسية التي يميل النظام إلى اعطائها مضمون  المعارك العسكرية..
وفي مواجهة رجالات المأمورية القادمة، تعالت النداءات الرافضة لترشيحات الحزب الحاكم لرجالات الأمن،  والعسكر،، ونحيل القراء الكرام الى ما كتبه الصحافي عبد الفتاح ولد اعبيدن من مكة المكرمة في موقع " اقلام حرة" بتاريخ (٠٩/ ٠٤/ ٢٠٢٣م)عن  ((..محمد بمب ولد مكت ،، اكسبته المخابرات والمؤسسة العسكرية عموما ، وطبيعه الذكية، قدرة فائقة على توصيل الخبر الصحيح للسلطة..))
كما كتب مناهضا سياسة الاقصاء للمدنيين /الدكتور شماد ولد مليا نافع/ في موقع" اقلام حرة " بتاريخ ١١/٠٤/٢٠٢٣م   تحت عنوان اشكالي: هل سيخلف ولد مكت، ولد باية؟ وما هي الرسالة ..؟
 والمقال يعارض ترشيح العسكريين من طرف حزب النظام الحاكم،،والاقتباس التالي يؤسس لتيار  فكري معارض لهذه السياسة، إذ كتب (( .. ادعو الناخبين الى الامتناع عن التصويت للائحة الوطنية المختلطة لحزب الانصاف،، تعبيرا عن رفضهم لاحتكار منافذ الرئاسة على مخرجات المسار العسكري..))  
وجاء في بيان  الحزب في اطار تحديده للعوامل المجهضة للحياة السياسية، نظرا ل " غياب الشفافية، وطغيان العامل القبلي، وفساد الحياة السياسية" في التجربة الديمقراطية الوليدة التي تستظل بجناحي القبيلتين الحاكمتين، وتقودها كارزمية المشيخة على مسرح الحياة السياسية  المسنودة بتبعية العسكر القديم للامبرياليتين المصارعتي النفوذ، وذلك لاستمالة  قيادة نظام الحكم في بلادنا رعاها الله...!
والسؤال الختامي، هو ما هي الرؤية التي قدمها حزب الحركة الشعبية التقدمية  تحت التأسيس في بيانه، في مواجهة مظاهر التخلف السياسي التي تعكسها سياسة احتكار العمل السياسي على احزاب قبلية وجهوية، تتقاسم مع حزب النظام مآخذه، وميوله، واتجاهاته لابقاء بلادنا محرومة من  التغيير الحداثي الذي تقوده قوى الحراك السياسي الوطني والقومي؟
(يتبع)

إضافة تعليق جديد