الدكتور محمد ولد الراظي: محمد العيسى خطيبا في عرفة: إذا رأيتم فقيها قد ركن لسلطان.. فاتهموه”

11 يوليو, 2022 - 16:24

 تعكف أمريكا علي التحضير لمشروع ربط دول التطبيع مع الكيان الإسرائيلي بنظام دفاع جوي مشترك……يقود هذا المشروع أكثر رئيس أمريكي نصرة للمشروع الصهيوني جو بايدن صاحب المقولة الشهيرة عنه ” ليس عليك أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا…..أنا صهيوني”.

 

وقد سبقت دول التطبيع الإعلان عن هذا المشروع بخطوات تحضيرية لتسويق العلاقات مع إسرائيل دينيا ووطننا كما فعل الفسطاط الآخر بفرية دين إبراهيم.

 

يدفعون بفقيه مطبع ومعروف بعراب كل مسالك الصدود عن الثوابت الدينية والأخلاقية للأمة  لإمامة الحجيج في عرفة وتكاد تكون الخطبة تردد نفس اللغة التي سمعناها من قبل للتبشير ب”الدين الإبراهيمي” ……

 

فما الذي أصاب فقهاء الدين عندنا وكيف استسهلوا المنكرات بهذه الدرجة من السفور وكيف يرضون أن يكونوا خدما للسلاطين وبرامجهم وسياساتهم بدل أن يكونوا دعاة حق وهداية ؟

 

العلاقة في أمور الدنيا أمر يسير فهمه لأن أطرافها تشترك في محددات الفعل وفي الغايات المرجوة ومدياتها الزمنية وحسابات الربح والخسارة…تبدأ بتعارف قد يكون عرضيا وقد يكون بمناسبة أو لسبب وتتعزز كلما عمت الفائدة طرفيها وتنفرط بسرعة ودون سابق إشعار بمجرد أن يحصل بها غبن أو يتراءي لأحد الشركاء منفعة أكبر أو مكسب أعم أو جدوائية أكثر في مواجهة إكراهات اللحظة والمكان……في عالم السياسة  تنشأ العلاقة ثم تزول ثم تعود ثانية وتزول ثم ثالثة ثم  رابعة ثم أدني من ذلك أو أكثر علي وقع حركية سوق متقلب يميل يمينا وشمالا ويعلو ويهبط  بتسارع عجيب لا شبيه له إلا ما قد يلاحظه المرء من رعشات أرقام  علي شاشات أسواق المال وفي برص الأسهم والسندات.

 

لكن بعض العلاقات يكون أكثر تعقيدا حين السعي لتلمس فهمه و الأسباب التي تجر إليه والدوافع التي تحرك بعض أطرافه وتزداد صعوبة فهمه حين الولوج لدائرة المباح والممنوع  والمعلن والمضمر وحرية الفضاء الأرضي وإكراهات السماء….

 

من هذه العلاقات الخاصة والإستثنائية والمريبة علاقة الفقيه بالسلطان لأنها علاقة بين من يقول إن  دار البقاء غايته ومبتغي أمله وبين من يتحرك كما لو كانت  الدنيا وحدها دار القرار……فما الذي سيقدمه الواحد منهم لصاحبه !!!!!

 

ركز الإسلام كثيرا أيام الدعوة المكية علي توجيه الإنسان للإيمان بوحدانية الله سبحانه وتعالي كمدخل لإنتاج الإنسان المسلم الصالح والقابل لحمل تفاصيل الرسالة الخاتم ودقائقها وتوصيلها للناس كافة……وهذا التوحيد الذي يبدأ به المسلم حياته الدينية يهيئه نفسيا بالقبول بوحدانية السلطة الأرضية وحين تملك هذه السلطة الأرضية ذراعا فقهية تكون طاعتها بالنسبة له كما لو كانت من طاعة الله عز وجل…..هنا تتهيأ الظروف ليجد الفقيه نفسه قبلة للحاكم يسوقه للناس وينزع الأشواك من طريقه في سبيل ترسيخ أركان حكمه….يخشاه الساسة حين يدير لهم الظهر وينآي ويطمئنون إليه حين يلتفت ويدنو…..فتبدأ حركية المزاد.

 

كان بإمكان  الفقيه أن يظل مستقلا تماما عن السلطة سواء في مجال الأداء الوظيفي الذي يحتمي بحرمة دور العبادة وأماكن التحصيل المعرفي وسواء علي المستوي المادي من خلال ما توفره  الأوقاف والأحباس من مصادر رزق مستقل عن السلطان ……وقد مكن ذلك الكثير منهم من أن نآي بنفسه بعيدا عن دائرة السلطة بطانة السلاطين في حين لم يكن البعض الآخر بنفس الدرجة من التوفيق….

 

كانت العلاقة تنشأ غالبا بين الفقيه والسلطان حين يصل الأخير للحكم ولم يخرج عن هذه القاعدة إلا عمر بن عبد العزيز.

 

 يذكر التاريخ أن أول علاقة بين حاكم وفقيه   بدأها سليمان بن عبد الملك حين أوصي بالعهد لعمر بن عبد العزيز بإشارة من رجاء بن حيوة أحد كبار فقهاء ذاك الزمن…….

 

لم يسْع الخليفة عمر بن عبد العزيز لخدمات الفقيه الناصح من أجل كسب ود الرعية بالدين  لأن الرجل زاهد في عرض الدنيا عادل في إدارة الحكم وكانت عينه دوما تنظر لما بعد الموت…..

 

 منذ ذلك التاريخ والعلاقة قائمة بين السلاطين والفقهاء ولكنها تأخذ أشكالا محتشمة حينا ولم تخلُ حقبة من تسجيل عناوين مميزة لفقهاء كبار انشغلوا بالدين وحده عما سواه….لكن هذه العلاقة تأخذ اليوم أشكالا يطبعها سفور كبير وتكاد تصبح بلا حدود….اختلطت المعرفة بالرأي فضاع الصواب الشرعي وضاعت ضوابط الحكامة والحكم….تبدأ رحلة الفقيه والسلطان علي براق يطوي بهما مسافات بعيدة في مجابات تيه حاضر أمة ضائع ومستقبل يائس.. …

 

توظيف الدين لخدمة السياسة يعني توطين اجتهادات بشرية في حقل المقدس الديني فتصبح هذه الفتاوي المحكومة باحداثيات زمنية ومكانية متغيرة وبالكثير من المحددات الذاتية جزءا أساسا من مرجعية الصواب والخطإ والأدهي من ذلك والأمر أنها مع مرور الوقت تصبح هي المقدس الأول والمرجع الأول للأجيال التي لم تشهد علي إنتاجها…..التجاذب الحاصل اليوم بين الطبعتين الخليجيتين للإسلام المسيس والحراك القوي في وجه هذه السوسة التي يقولون لها “دين ابراهيم” ستكون آثاره أكثر خطورة علي الأجيال القادمة التي سترث فتاوي لم تشهد علي نشأتها ولا تعرف عن أصحابها شيئا غير أنهم  فقهاء لهم  حواريون كثر ووسائل نشر ودعاية هائلة جعلت منهم مصدرا مقدسا من مصادر القبول الشرعي….. وستكون المهمة أسهل بالنسبة  لرعاية مثل هذه المشاريع مع تلك الأجيال وستكون أقل كلفة…..تسييس الدين في حد ذاته مساس من جلاله لأنه يصبح مجال اجتهاد البشر وحين يكون مجالا لذلك ولأن البشر مختلف في السياسة فيكون إذن مختلفا في الدين المسيس مما يخلق مجال الفرقة الكبري في أمور الأرض وأمر السماء…….ولا دليل أكبر علي هذا الأمر من تجييش الفقهاء دينيا من أجل تأصيل فتنة داخلية عقدية بين الشيعة والسنة لخدمة أجندات الصراع السياسي بالإنابة بين مشيخات خليجية وإيران…..اليوم تتصالح الأنظمة السياسية ويبقي الشرخ العقيدي الذي أصله فقهاء الدفع مستمرة أفقيا وعموديا في الجغرافيا وفي الزمن…..

 

وليس الدين وحده هو الضحية ولكنه الأهم من بين ضحايا سوق الفتيا والرأي…..فالكثير من الكتاب والمفكرين الذين يحسنون صياغة الموقف وتعليله ويعجزون عن إنتاج موقف علمي رصين مستقل يساهمون في هذه الجريمة الكبيرة التي يحركها حلف من أعداء الأمة…

 

السياسة تجمع بين الناس كل الناس وقد يلتقي فيها من لا دين له بمن يدين بدين وقد يلتقي فيها المسلم واليهودي والمسيحي والزرادشتي والبوذي…..لأن السياسة فن حكم ابتدعه البشر لخدمة الحياة فيما الدين من أمر السماء ولا تصرف في ثوابته إلا من الله والله عز وجل قال كلمته بأن الدين عنده الإسلام……

 

راي اليوم

 

إضافة تعليق جديد