رسالة إلى "الحقوقية" آمنة بنت المختار، حول ما يجب أن تعرفه...بعد المؤتمر الأخير..                       

18 فبراير, 2022 - 15:17

مصداقا لقوله تعالى:                                                (ولايجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)                                                     
استمعت - لصوتيات وتسجيلات لرئيسة "رابطة نساء معيلات الأسر"السيدة الحقوقية أمنة بنت المختار، حول تداعيات ملف" "ولد المحجوب" المتعلق بالنزاع العقاري، الذي حكمت فيه المحكمة العليا -حسب الوثائق- بثبوت ملكيته السيد/ محمد ولد المحجوب للقطعة الأرضية محل النزاع، ونفذ له الحكم بواسطة العدل المنفذ،وبموجب هذا التنفيذ استكملت الإجراءات القضائية في هذا الملف،ولم يعد هناك مجال للتقول فيه بعد أن قال القضاء كلمته النهائية.                              
وحيث لم تحترم السلطات الأمنية الأحكام القضائية، ولم توفر الحماية للأشخاص وملكياتهم، فقد وقع ما وقع ؛مما أدى إلى إطلاق النار -دفاعا عن النفس-وتدخل الأمن بصفة مخالفة للقانون،وفي مشهد مُروِّع ومّريب، أثار الراي العام من خلال التعسف والشطط في استعمال القوة ضد "ولد المحجوب وولد النمين" في سابقة يندى لها الجبين وتتفطر لهولها الأكبادوتشيب لوقعها نواصي الولدان...                           
في مشهد يأباه الدين والقانون والأخلاق، وتأباه كرامة الإنسان.                                                                                                                                         "قانون القوة" ظاهرة خطيرة ومدانة، وانتهاك لحقوق وكرامة الإنسان  ومخالفة للقوانين والنظم والأعراف.                                                     
ولن اطيل عليكم في ذكر التفاصيل؛ فالقضية معروفة لدى الراي العام. وما يهمني -كمحلل يبحث عن الحقيقة-  أن أعرف ما علاقة النزاع -الذي حسمه القضاء لصالح" ولد المحجوب"- بالقضية التي تتكلم عنها الحقوقية أمنة بنت المختار، وتتهم فيها الإمام/ محمد المحجوب باغتصار قاصرة، في وقت سابق على النزاع في القطعة الأرضية ب "عرفات"..                                       
اتهام "منظمة نساء معيلات الأسر" لولد محجوب" بالاغتصاب والزنا والإجرام...                                                           
ومن هنا تتبادر إلى الذهن عدة تساؤلات، يتحد فيها الإشكال، وتختلف مثارات السياق...
لماذا لا تدين الرئيسة آمنة بنت المختار -كحقوقية- انتهاك كرامة مواطنين موريتانيين ظلما من طرف مفوض شرطة عرفات 2  ومعاونيه، ظلما وعدوانا، وعلى مرأى ومسمع من المواطنين ،ومعاملتهما بطريقة وحشية غير لائقة!!؟                                أليس هذا العمل مخالفا لحقوق الإنسان!!؟  كما تدين أي اعتداء عليها كحقوقية من أي جهة كانت ...                                                            
وهل أن حقوق الإنسان شعار يخضع للمصالح الشخصية، ويوظف عند الاقتضاء!!؟                             
  إن مسألة حقوق الإنسان لاتخضع للمعايير المزدوجة؛ وهي من المبادئ السامية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية وتضمنتها القوانين الإقليمية والدولية، ولم يعد يمكن القفز عليها بحال من الأحوال...                    
وإن انتهاك حرمة رجلين مسنين مسالمين، سلّما نفسيهما لسلطات الأمن دون مقاومة ولامواجهة،لهو أكبر انتهاك لهذه الحقوق، ولا ينبغي السكوت عليه من المواطنين العاديين، أحرى من المنظمات الحقوقية، والمدافعين عن الحريات العامة؛   فحقوق الإنسان لا تتجزأ والمعيار فيها موحد، والعدل أقرب للتقوي.                                                           وبعد هذا التمهيد، أعود إلى هذه القضية التي تتكلم عنها الحقوقية أمنة بنت المختار..                                                 رفعت هذه القضية ضد السيد/ محمد ولد المحجوب، إلى المحكمة المختصة منذ سنتين، بعد استكمال جميع مراحل التقاضي، أصدرت الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا في غرفة مشورتها القرار رقم: 299/2020                                   القاضي برفض طلب النقض أصلا، والمؤكد للحكم الاستئنافي القاضي بتبرئة السيد/ محمد ولد المحجوب من التهمة الموجهة إليه. 
وثبتت براءةالامام من هذه التهمة التي وجهت إليه، كل مشمولات الدعوى مماهو باطل ولا أساس له من الصحة. ويفند هذا الحكم  ما ذهبت إليه الحقوقية في اتهاماتها الجزافية والتي لابرهان لها عليها، اللهم إلا بمجرد الاتهام..                     
  "والدعاوى مالم تقم عليها** بينات فأصحابها أدعياء"
والحق احق أن يتبع.                                                                       إن تهمة كهذه المتعلقة بالزنا والاغتصاب تلحق المسلم في دينه وعرضه، وتعرضه، وتعرضه للمعرة والإهانة؛ لذا جاء الشرع الحنيف بحماية أعراض المسلمين وجودا وعدما، ولم يتساهل في وضع الزواجر والعقوبات لكل من يتهم أخاه بما لادليل له عليه.. 
قال تعالى:                             
  { لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}
ومن هذا المنطلق فإنني أذكر رئيسة "رابطة نساء معيلات الأسر" بما جاء في الشريعة والقانون من "أن المتهم بريء حتي تثبت إدانته".                       
وقد ثبتت بالأدلة القضائية القاطعة براءة المتهم/ محمد ولد المحجوب، من كل ما نسب إليه ....
  وقد ورد على لسان الحقوقية أمنة بنت المختار كلمة "المتهم والمجرم".                           
  وأذكر الحقوقية بأمر مهم-لاينبغي أن يغيب عن الحقوقيين أمثالها-ويتعلق بالفرق بين "المتهم""والمجرم"
فالمتهم، وهو الظنين بارتكاب اي فعل جرمي، مهما كان نوعه، ويظل بريئا مالم تثبت إدانته"قضائيا" بالأفعال المنسوبة إليه.                                                          والظن هو أكذب الحديث، كما قال صلى الله عليه وسلم. 
قَالَ جل من قائل:                        
  (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)                                                           
   إن مبدأ "المتهم برئ حتى تثبت إدانته" يعتبر قاعدة عامة من قواعد الشريعة والقانون، وهو  من أهم مبادئ العدالة الجنائية، كما يعتبر من أهم مبادئ حقوق الإنسان، وعنوانا من عناوين الحرية وهو-إضافة إلى كل ذلك- ضمانة قوية تضمنتها كل دساتيرالعالم.                                                     
وقد انطلقت في الفكر القانوني الحديث كمبدأ دستوري بعد أن نص عليها إعلان حقوق الإنسان والمواطن، وتضمنتها ديباجة الدستورالفرنسي سنة: 1789،وأصبح هذا المبدأ قاعدة دولية لا يمكن إنكارها أو تجاهلها بعد أن نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 ،بالقول إن:  "كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً حتى تثبت ادانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات للدفاع عنه". 
ويتفرع من هذه القاعدة مبدأ (ان الشك يفسر لصالح المتهم) (الأصـــل بــراءة الذمــة والانشـغـال عـــارض). وإن من أهم نتائج مبدأ أصل البراءة (إلقاء عبء الإثبات على عاتق سلطة الاتهام). فإن فشلت سلطة الإتهام أثناء إستجواب المتهم في هدم قرينة البراءة بإقامة الدليل القاطع على ذلك، ظل المتهم على براءته، ولا يكفي أن يبنى الاتهام على قول دون دليل، ولا يكلف المتهم بإثبات براءته. على عكس الخصومة المدنية، فإن عبء الإثبات يمكن أن ينتقل إلى عاتق المدعى عليه الذي يصبح مدعياً يقع عليه عبء إثبات ما يدعيه إذا ما أثار دفعاً، ولم يقتصر موقفه على مجرد الإنكار.
-وقد أكد العلماء على أن الشريعة الاسلامية تعتبر المصدر الأول لقاعدة أن الشك يفسر لصالح المتهم، والتي يمكن ردها إلى الحديث النبوي الشريف 
"ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم "
فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله، فلأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة". صدق رسول الله صل الله عليه و آله سلم.
وقد أسس الفقه الإسلامي أصل البراءة على قاعدة استصحاب الحال(أي البراءة الأصلية)وهي:              
بقاء كل شيء على ما كان حتى يوجد ما يغيره أو يثبت خلافه. فالأصل إذاً استدامة إثبات ما كان منفياً أو نفي ما كان منفياً، أي بقاء الحكم إثباتا ونفياً حتى ينهض الدليل المغير. وفي ذلك يقول العلامة الشيخ محمد أبو زهرة -رحمه الله-: " الاستصحاب يؤخذ به في قانون العقوبات ، وهو أصل فيه، لأن الأمور على الإباحة ما لم يقم نص يثبت التجريم والعقوبة، وإن قضية "المتهم برئ حتى يقوم دليل على ثبوت التهمة" هى مبنية على الاستصحاب ؛ وهو "استصحاب البراءة الأصلية". واعتماداً على هذا التأسيس استنبط الفقه الإسلامي قاعدة "أن ما يثبت باليقين لا يزول إلا بيقين مثله، ولا يزول بالشك".
والتعريف الاصطلاحي للمتهم: 
هو:" من يُدّعى عليه بفعل مُجرَّم توجب عقوبته".                   ويعرف الفقه الإسلامي المتهم (المدعى عليه) بأنه:" من أدعى عليه شخص بحق, سواء كان دماً أومالاً عند قاض أو مُحكّم". 
فكلمة "متهم" وصف يطلق على الشخص الذي يواجه ادعاء جنائيا، ومن هنا فإن الشخص المواجه بادعاء جنائي يتحصن بالبراءة حتى آخر لحظة قبل ثبوت التهمة، فوق مرحلة الشك المعقول.                     
  وإن عددا كثيرا من المجتمع يجهل ما تعنيه كلمة "متهم" والكثير منهم يخلط بين مصطلحي؛ "المتهم و المجرم" ولايدرك الفرق بينها ،والفرق بينهما كبير وكبير، أو هو أقرب إلى الفرق بين الحية بالياء، والحبة بالباء؛  خصوصا اذا ما انتهى التحقيق ببراءة المتهم. فالمتهم هو من لم تثبت إدانته بثبوت التهمة عليه والمجرم هو من ثبتت ادانته بالفعل المنصوص على تجريمه قانونا.               
وعليه فإن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.                             والمجرم مذنب حتى يستوفي عقوبته.
وأذكر الجميع  بقوله تعالي :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)                                    (وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وأليه أنيب)                                          صدق الله العظيم 

بقلم: الكاتب والإعلامي أحمد عبد الرحيم الدوه

إضافة تعليق جديد