هل يكتب “تيك توك” نهاية “الفيسبوك”؟

8 فبراير, 2022 - 12:34

هذا الصّعود المُتوالي الذي نجح به موقع “فيسبوك” على مدار سنوات (18 عاماً)، يبدو أنه بدأ يصطدم بحواجز عديدة، ومطبًات عالية، تطرح تساؤلات حول استمراره، والإطاحة به من على عرش أكثر مواقع التواصل الاجتماعي زيارةً، والأمر ليس فقط مُقارنات بأعداد الزيارات والمُستخدمين، بل هي أرقام خسارات اقتصاديّة، فقد أعلنت شركة “ميتا” أو فيسبوك سابقاً عن انخفاض سهمها الأسبوع الماضي بنسبة 26 بالمئة، وتراجع قيمتها السوقيّة بأكثر من 230 مليارًا.

بطبيعة الحال هذه ليست أنباء سارّة للرئيس التنفيذي للموقع الأزرق مارك زوكربيرغ، والذي يقول إن شركته كانت تمر بمرحلة انتقاليّة صعبة، وانتقاله لما يُسمّى بالعالم الافتراضي “الميتافيرس”، وحتى مع هذا العالم الافتراضي الذي يُتيح تجربة افتراضيّة واقعيّة، لا يزال الفيسبوك عاجزًا عن المُنافسة مع شبكات جديدة، طرحت أفكارًا خلّاقة، ولافتة للمُستخدمين، وأغلبهم من فئة الشباب، والمُراهقين، الذين افتتنوا على سبيل المثال بموقع “تيك توك” الصيني، و”رأي اليوم” في هذا التقرير تُقدّم عددًا من الأسباب التي تُفسّر تراجع الفيسبوك والذي خسر أخيرًا نصف مليون مُستخدم يوميّاً في آخر ثلاثة شُهور من العام 2021 تُجملها بالآتي:

أوّلاً: لا بد من الاعتراف الصريح أن قاعدة حريّة الآراء ومنصّة الجميع التي رفعها “الفيسبوك”، ليست قاعدة واقعيّة، فالموقع الأزرق، قام بحجب صفحات النشطاء الفلسطينيين، والصحفيين، والمُناضلين، ودعم رواية دولة الاحتلال الإسرائيلي في المُقابل، ولم يُمارس حيادًا أقلّه، وفي حالة عدم الحجب يستخدم الموقع “خوارزميّاته” للتحَكّم في مدى وعدد ظُهور المنشورات الفلسطينيّة في صفحات أخبار المُستخدمين، وتحديدًا في ظل الحُروب والعُدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، وهو أمر دفع نشطاء فلسطين لاستبداله بتطبيقاتٍ أخرى كتيك توك الصيني الذين نجحوا من خلاله في تغيير معالم الصّورة في حرب “سيف القدس” الأخيرة، وتزايد حالة التضامن العالمي معهم.

ثانياً: يستخدم الفيسبوك لغة خوارزميّات مُعقّدة، تتحكّم بالموضوعات التي يُفضّلها مُستخدميه، وبالتالي هو قادر على إظهار ما يُريد، وحجب ما يُريد عنهم، مُتبَعاً بمنافع إعلانيّة بحتة، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى حريّة مُستخدميه باختيار الموضوعات التي تستهويهم، بقدر ما تخدم الفيسبوك ذاته.

ثالثاً: لغة الخوارزميّات التي يستخدمها الفيسبوك، وغيره من المواقع الاجتماعيّة الأمريكيّة، غير موجودة في تطبيق “تيك توك” الصيني، واسع الانتشار، وبالتالي هذه الميزة تسمح لأصحاب الحسابات في “تيك توك” بسرعة انتشار أكبر، ومُتابعين أوسع، بل بمقاطع مرئيّة قصيرة، لا تتعدّى الدّقيقة مُعظم الأحيان، وهو ما يُفسّر نموّ وانتشار “تيك توك” ووصول عدد مُستخدميه إلى أكثر من مليار حول العالم، كما ومُراعاته فرض رقابة على المُحتوى المُتعلّق بالإساءة للأطفال.

رابعاً: يُتّهَم موقع الفيسبوك بأنه يقوم بالتجسّس على مُستخدميه ما يُعرف باسم مُراقبة نشاط الحسابات، وهو أمر وضعه قيد الانتقادات، والتساؤلات، وفرض الغرامات من قبل بعض حُكومات الدول.

خامساً: لم يقتصر تحيّز الفيسبوك فقط للإسرائيليين على حساب الفلسطينيين، بل وقع الموقع الأزرق في حالة التحيّز العُنصري للمنشورات والمقاطع التي تُعزّر حالة الإسلاموفوبيا، وكان الفيسبوك منصّةً للتحريض على أقليّة الروهينغا أيضاً.

سادساً: توالت الفضائح التي عصفت بموقع الفيسبوك، بخُصوص تفضيله الرّبح على السّلامة، وهذا عزّزه ما كشفته الموظّفة السّابقة فيه فرانسيس هاوغن، التي أكّدت أن الخدمات التي يُقدّمها الموقع الأزرق تفافم المشاكل النفسيّة لدى المُراهقين، كما أنها تُؤجّح الفرقة، وتُضعف الديمقراطيّة.

سابعاً: رغم استثمار الفيسبوك أو اسمه الجديد “ميتا” في خدمات مقاطع الفيديو لمُنافسة تيك توك المملوك لشركة بايت دانس الصينية العملاقة للتقنيات، إلا إنها لم تجْن من هذا الاستثمار سوى القليل من الأرباح.

ثامناً: وفي حين يتراجع الفيسبوك وشعبيّته، يقدّم “تيك توك” المملوك لشركة بايت دانس الصينيّة نفسه للعالم كما يقول مكانًا فريدًا لاجتماع الثقافات حيث لا حدود للإبداع، مكان يفتح لكل شخص الباب ليستكشف ويبدع ويشارك المحتوى الذي يحب، وخلال العام 2021، اتّجه أكثر من مليار شخص إلى المنصّة للحُصول على محتوى ترفيهي، ومُشاركة الأشياء التي تُبهجهم مع الآخرين وتعلّم أشياء جديدة، وتم تحميله 656 مليون مرّة خلال العام الماضي.

تاسعاً: بحسب تقرير شركة آبتوبيا المُتخصّصة في مُتابعة سوق التطبيقات، فإن تطبيق تيك توك احتلّ المركز الأوّل في قائمة التطبيقات الأكثر تنزيلاً على أجهزة المُستخدمين خلال العام الماضي.

عاشرًا: الصّحف ووسائل الإعلام حول العالم تتّجه لمُخاطبة جُمهورها ضمن وسائل إضافيّة على المنصّات الافتراضيّة، وفيما كان الفيسبوك يعمل على تعزيز ذلك بتعزيز صناعة المُحتوى الإخباري على منصّاته، بدأت صُحف عالميّة بالفعل التفكير باستغلال انتشار التيك توك الواسع عالميّاً، وتقديم أخبارها ومُحتواها من خلاله، والسبّاقون إلى ذلك هُم الرابحون يقول الخُبراء التقنيّون، وصُنّاع المُحتوى.

الحادي عشر: تُدرك الصين أهميّة تطبيقها “تيك توك” واسع الانتشار أو المعروف محليّاً “دوين”، والتي حاولت الولايات المتحدة فرض بيعه لشركات تقنية أمريكيّة، أو حجبه داخلها، إلا إن الصين تنبّهت لهذا الفخ الأمريكي، وفي ظل مُنافسة اقتصاديّة، وسياسيّة بين البلدين، وعدّلت قواعد الصّادرات لعرقلة بيعه، ويبدو أن طُموح “تيك توك” يتعدّى الإطاحة بالفيسبوك، ويتّجه نحو تنويع مُحتواه الترفيهي، إلى المُنافسة في قطاع الوظائف بالدول الغربيّة، ليُصبح المُنافس لموقع الوظائف “لينكد إن” أيضاً.

يبدو أن كل مُؤشّرات القيادة والسيطرة قادمة من الصين، بدءًا من صناعاتها، مُرورًا بأسلحتها، وجيشها، وإعلامها، ووصولاً “لتيك توكّها”، فماذا سيفعل الأمريكيّون؟

”رأي اليوم” اللندنية

إضافة تعليق جديد