موريتانيا بين التعريب والتغريب

15 فبراير, 2020 - 17:02

قد يُخيّل إليك وأنت تقرأ هذه السطور وكأنها تحمل شحنات من التحامل والتعميم، لكن الأمر ليس بتلك الصورة، أو ليس ما أعنيه أو أهدف إليه من خلالها. هي مجرد تساؤلات نتجت عن تراكمات مختلفة جعلتني أتوقف تماما عن مطاردة "سراب" الاعتراف بعروبة بلدي موريتانيا وأهجر الإعلام العربي الذي لطالما تسولتُ عند بابه مجرد ذكر ولو لاسم البلد بشكل صحيح أو حتى وروده في نشرة الأحوال الجوية على الأقل.

موريتانيا تعبت من كونها تعيش حبا من طرف واحد وآن لها أن تتخلص منه وتسأل نفسها إن كان اعتراف الآخرين بعروبتها سيحل مشاكلها من صحة وتعليم واقتصاد إلى آخر القائمة، وهل قدّم لها العرب على مر السنين سوى تصدير التجاهل والسخرية على المستويين الشعبي والرسمي، ومنها تصريحات الوزير اللبناني الذي حتى وإن قيل إنه خرج قبلها بلحظات من حانة إلا أنها تعبر عن وجهة نظر رسمية أكدها رئيس وزرائه حين رفض المبيت في العاصمة أثناء انعقاد القمة العربية، وزادت عليها شرطية في مطار بيروت عندما أوقفت صحفيا موريتانيا ورفضت أن تسمح له بالعبور بحجة أنه ليس عربيا فما كان منه إلا أن طلب منها أن تفتح "الويكيبيديا" وتتأكد بنفسها ففعلت وأدركت الأمر ثم تداركته بابتسامة مزيفة تحمل الكثير من الاعتراف بالتجاهل حتى لا أقول الجهل وكيف لا وهي تصدّق موقعا يتيح لكل متصفح خاصية تعديل ما عليه من معلومات وتكذّب شخصا يقف أمامها ولسانه يفوق ألسنة العرب والعجم فصاحة.

عن نفسي تخلصتُ تقريبا من تلك الحمية الزائدة وذلك الحماس المشتعل لكل ما هو عربي وإن بقيت ترسبات يسهل عليّ التحكم بها وأتعامل مع الأمور ذات الصلة من خلالها برزانة وعقلانية وتحييد كلي للعاطفة. كما أن غياب أو تغييب موريتانيا عن المشهد العربي عمدا أصبح أمرا روتينيا بالنسبة لي، وأتفهم استغراب بعض العرب من كون موريتانيا تنسب لهم أكثر من استغرابهم من تصدرها لائحة الدول العربية الأكثر حرية وتعبيرا وهنا لا يفوتني أن أنوّه بتراجع قناة الجزيرة عما اعتبرته آنذاك خطأ بجعل الكويت تتصدر القائمة واعتبرتُه بأريحية مجرد حلقة جديدة قديمة من مسلسل التغريبة الموريتانية ولا تُلام الجزيرة على هذه الهفوة التي يبررها التاريخ والجغرافيا وطريقة التعاطي العربي العربي. كما أني لا ألوم إعداد نشرة الأخبار على التلفزيون الأردني والذي لم يكلف نفسه البحث عن صورة الرئيس الموريتاني والذي سلّم الراية للعاهل الأردني أمام كاميراتهم ووضع مكان صورته صورة الرئيس الصومالي.

لم يعد يستفزني ظهور خارطة بلدي على الفضائيات العربية خاوية على عروشها من أي رمز أو إشارة لوجود حياة على تلك البقعة رغم تجميل خرائط جيران لنا نتشارك معهم نفس الحدود وإن كانوا ينطقون موريتانيا موريطانيا، لم أعد أهتم كثيرا بالكتابات القادمة من وراء الحدود والتي تطعن في وجود موريتانيا قبل طعنها في عروبتها، كما أني شفيتُ تماما من نوبات الغضب التي كانت تنتابني حين يذكر أحدهم بلدي بسوء ومستعد لاستضافة صحفية مصرية وإقناعها بزيارة أخرى بدل الماضية والتي وصفتها بالأخيرة والسبب حسب اعتقادي أنها تفضل التفرغ للكتابة عن تحويل المصريين نهر النيل إلى حمام أكرمكم الله مما ضاعف نسبة الإصابة بأمراض الكبد وليست لدي مشكلة في مصافحة صحفي لبناني كبير انضم للجوقة وهاجم البلد بعبارات قاسية والتعبير له عن أسفنا عن كون فنادقنا لا تقدّم "الكبسة".

ولا مشكلة في الانتظار خصوصا إذا كان مع التركيز على العمل الجاد والمستمر بغية رسم أهدافنا والسعي إلى تحقيقها وبعدها نفكر في الأهداف الدرامية، فحال العرب لا يساعدنا أبدا على التعلق بهم وإنما يحثنا على أن نحمد الله ونشكره على إصابتنا بما سماها "محمد حسنين هيكل" آنذاك بلعنة الجغرافيا، لعنة أتاحت لنا فرصة الاستمتاع باستقرار وأمن أصبحا فريدين في منطقة تملأُها الصراعات والحروب والنزاعات وليس في الأمر شماتة أو تشفٍّ أبدا؛ وإنما يدخل في باب ذكر الحقائق مع تمنياتنا طبعا لكل الدول العربية بأن تنعم بالاستقرار وأن تدُبَّ الحياة في شرايينها من جديد وأن تعود رائحة الياسمين لممرَّات دمشق وحلب وحمص بدل رائحة الدم المنتشرة، وأن تتوحد ليبيا وتعبر مصر خط "بارليف" الجديد ويعود اليمن سعيدا كما كان إلى آخر اللائحة.

موريتانيا تحتاج في هذه الفترة أن تتمسك بلغتها العربية وتفتح ذراعيها مستقبلة من يريد النهل مما تحتويه مكتباتها الورقية والبشرية من معارف متعهدة في الوقت نفسه على البقاء على عهدها محبة للعرب ومرحبة بهم بين ظهرانيها وأن تجود بما تملك وتبيت على الطوى ضيافة لهم لكنها تحتاج أكثر إلى أن تركز على بناء هوية جديدة تشمل جميع مواطنيها، هوية لا يشعر معها هذا الطرف بأنه أغلبية ولا ذاك بأنه أقلية، هوية جامعة لكل ما يوحد أفراد الشعب ومانعة لأي أمر من شأنه التفريق بينهم، هوية لا يشعر معها الشعب بعقدة دونية ولا بمركب نقص، هوية تجعله يفخر بما هو عليه وأن اختلافه عن العرب تاريخيا وجغرافيا ومجتمعيا ميزة تُحسب له لا عليه.

 

 " بتصرف " 

المصطفى ولد البو

صحفي

إضافة تعليق جديد