"الصحراويات" يتغزلن : تطور أم انفلات؟

30 مارس, 2019 - 15:48

قبل أربع سنوات تأسست جمعية في مدينة السمارة جنوب المغرب، حملت على عاتقها حماية الموروث الثقافي الحساني، وهي أول منظمة مدنية تعنى بشعر "التبراع" (كلام شعري منظوم تبدعه النساء الحسَّانيات تغزُّلاً في الرجال). هذا النوع من الشعر يُكتب ويُلقى في سرية تامة، وفي تجمعات نسائية مجهولة، إلا أنه في السنوات الأخيرة، وبحكم الثورة المعلوماتية، تمردت هؤلاء النسوة اللواتي اخترن مواقع التواصل للظهور وتسجيل إبداعاتهن بأسمائهن، ولعل أشهرهن؛ فرحة منت الحسن صاحبة ديوان جمعت فيه "تبراعها"، وكذلك أميلم منت الفروي، وفتيحة نصر صاحبة ديوان "قلب شهرزاد".

في الوقت الذي يتم فيه تداول شعر المتغزلات عبر صفحات تختص بهذا النوع، أو عبر بعض الحسابات المهتمة بالثقافة الصحراوية، تنوعت ردود الأفعال في مواقع التواصل الاجتماعي  بين الإيجابي والسلبي، حيث اعتبر الكثير  أن هذا التقدم في البوح من النساء مباشرة في العالم الافتراضي وبأسمائهن شئ جريء ومشجع، لأن المرأة الصحراوية امرأة قوية حتى في التعبير عن مشاعرها، مثلما غرد ولد بويا بكار "لا خوف على المرأة الصحراوية، فهي ذكية، ولما لا تستغل التكنولوجيا في التعبير عن مشاعرها فهي التي تحتفل بطلاقها الذي تعتبره الكثير من الأقطار العربية وصمة عار". 

فيما أخذ أحمد المتقي على هذه الجرأة التي اعتبرها بعيدة عن المجتمع الصحراوي الذي من شيمه الحياء والحشمة بقوله "يبدو أن التكنولوجيا ستدمر ما تبقى من سمو قيم المجتمع الحساني المتمثل في الاحترام المتبادل".

الباحث بنعبد الفتاح سالم  تساءل في تدوينة له على حسابه الشخصي في "فايسبوك": "هل يشكل كسر تابوهات من نوع إعلان شاعرات يسطرن التبراع عن هوياتهن وأسمائهن الحقيقية، والاحتفاء بهن فرصة لممارسة حق طبيعي تكفله الأعراف الكونية الإنسانية في التعبير عن مكنوناتهن وتقديم إبداعن وعلامة على التقدم والتطور الطبيعي الذي يدشنه مجتمع حديث عهد بالبداوة لا زال يتلمس خطواته الأولى في تدشين عصر المدينة، أم سيشكل منحى خطيراً سيفضي إلى القضاء على ما تبقى من أعراف وتقاليد تحكم العلاقات في ما بين الأفراد داخل مجتمع له خصوصيته التي باتت مهددة بسبب الانفتاح على الثقافات الأخرى؟".

وعلق الناقد الفني الدكتور محمد أزلماظ على ديوان "قلب شهرزاد" للشاعرة فتيحة نصر في تصريحات صحافية بقوله "انخرطت نصوص ديوان قلب شهرزاد في نقد لاذع لأوضاع عشق الرجل وحالاته العاطفية وانفعالاته الجوانية، بغية تفكيك بنى العشق الذكوري، وإعادة صياغة الرؤى الغزلية والنسيب، انطلاقا من الذات الأنثوية في رؤيا تتغير بتغير الزمن والظرفية المعيشية، مقنعة برنين الوجدانية المتمردة على انتكاسات إحباطية لا تشاطر الرومانسية التنميطية الحداثية الواردة في أشعار وفاء العمراني ومالكة العاصمي المغلفة في السرديات الكبرى، وإنما خلقت لنفسها هوية وجنسية تكمن في شعر عبر التبراع. إنها تجربة فنية جمالية متفردة أبدعتها الشاعرة فتيحة نصر، حيث تتوجه به في التغزل بالرجل إلى القارئ والمجتمع بصفة عامة".

والتبراع، بحسب الباحثة العالية ماء العينين كلمة تعني حرفياً "الوجيز" أو "المقتضب"، وهو نص شعري مكثف وقصير جداً، يجد هويته الجمالية في فعل الوجَازَة والاقتضاب، واقتصاد الكلمات، والاكتفاء غالباً بسطرين شعريين بدون قَوَافٍ إجبارية دائماً، لكن مع صرامة في التقطيع الداخلي. 

هو كذلك نوع من الشعر الشعبي النسائي السائد المنتشر على امتداد فضاء الثقافة الحسانية (جنوب المغرب وموريتانيا)، ومكنتها أطروحة الدكتوراه في موضوع "الإبداع النسائي في الأدب الحساني" من الإطلاع على العديد من النماذج الشعرية الشعبية النسائية محلياً وعلى مستوى ثقافات أخرى أجنبية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك ما يُسمى بالعروبيات أو الرباعيات، وهو شعر المرأة الفاسية، وبحسب ماء العينين، أن المرحوم أحمد الفاسي سبق له وأن كتب بحثاً قيماً جمع فيه الكثير مما تفرق من هذه الأشعار، وهناك أيضاً بعض النماذج في الشعر الأمازيغي السوسي، ولكنها تدخل في إطار المحاورة بين الرجال والنساء.

وبحسب الباحثة، فإنه على المستوى الخارجي يبرز شعر نساء البشتون لدى الأفغان، كواحد من أهم التجارب الإبداعية النسائية الشعبية، وتقول "إن في شعرهم المدهش بكل المقاييس والمعروف باللاندي نماذج مذهلة، وقام بنقل بعض أشعارهم إلى الفرنسية سيد بهاء الدين مجروح بمساعدة أندري فيلتير".

ويواصل العديد من الكتاب النبش في الثقافة والتراث الحساني من بينهم الدكتور عبد الحكيم بوغدا الذي أصدر أخيراً كتاب "ظاهرة التبراع في الشعر النسائي الحساني"، وهي عبارة عن دراسة في النسق السوسيوثقافي والجمالي، إذ اعتبر فيها أن "التبراع بانتمائه إلى الأدب الشعبي الحساني دليل على غنى الروافد الثقافية الشعبية بالمغرب، وعلى أن الثقافة الشعبية الحسانية بمختلف مكوناتها من أغنى الروافد التي تبرز التنوع الثقافي المغربي، ثقافة أفرزت في دواخلها أصواتاً نسائية متعددة برعت في فنون القول المختلفة، من قبيل الحكاية والمثل والشعر، خاصة شعر التبراع الذي عُدَّ مشتركاً إبداعياً مَيَّزَ الأدب الحساني على امتداد بيئته الجغرافية، من واد نون شمالاً إلى الضفة اليسرى لنهر السنغال جنوباً".

" شبكة حياة اجتماعية"

إضافة تعليق جديد