فالي ولد محمد لحمد " أقلمن ": فتى بكته المساجد والمحاظر والمنابر والبشر

15 ديسمبر, 2018 - 16:03

عندما يرحل فتى لا كالفتيان ضن الزمان بمثله، ويختطفه المنون وهو في ريعان شبابه، وقد أغدق الله عليه من درر المعاني والصفات والمواصفات التي تنوعت أزاهير رياضها الغنّاء، وتدلت ثمارها زهدا، وتقى، وورعا، واستقامة، وكمال خلق، وحسن معاشرة..
حين يرحل شاب نشأ في طاعة الله، وحب المساكين، وبر الأهل والأقربين؛ فقد حق للأرض أن تنتفض من أطرافها، وأن تزلزل زلزالها، وأن تدخل زمن أحزانها وتأوهاتها وآهاتها..
كيف لا؛ وقد انطفأت منارة كانت ترسل إشعاعات خيرها في الربوع وفي كل الأرجاء، وانطفأ مصباح أنار القلوب وتملك الأفئدة والألباب؟!
لذا لكم أن تتخيلوا معي -وألم الفراق ما زال متقدا- كم هو صعب رثاء مثل هذا الشاب الذي أفنى حياته في طاعة الله وخشيته ومراقبته، فعاش سعيدا، وفارق الدنيا سعيدا، ليكتب سيرته بمداد الذهب والمجد والفخار..
أعذرك يا كل الحروف ويا كل الكلمات إنك صاغرة، عاجزة، وقاصرة عن الوفاء بمعشار حق هذا الفتى الفريد؛ ثناء عليه، وتعريفا بمكانته العالية، وتعدادا لمناقبه التي لم تجتمع لأحد في زماننا غيره، في حدود معرفتي.. 
أشهد بما علمت، ولا ازكي على الله أحدا.

سبحان الله الباقي بلا زوال؛ فلكل أجل كتاب، وقد قدر الله وما شاء فعل؛ فجف القلم بما هو كائن...
لكن هذه هي الدُّنيا نضارة أَيْكة: إذا اخضر منها جانب جف جانب
فلا تكتحل عيناك فيها بعبرة : على ذاهب منها فإنك ذاهب

يدرك المرء دون كبير عناء أن الجموع التي حاصرت الرفوف والممرات وعنابر الحجز في "عيادة" النجاح زائرة؛ كانت أومودعة، ما كانت لتتوافد من كل فج عميق لولا أنها تعلم علم اليقين أن الفقيد "قلمن" رحمه الله كان مشكاة مضيئة طلعت من الحوض الغربي، وكان مولده "برج سعد" في بيت من بيوت الكرام "الغر"؛ حيث تلقى التربية الحسنة من أصالة منبعه، و نهل من المعرفة والسلوك والأخلاق الكريمة؛ فكان نموذجا بين أقرانه استقامة وتقوى، صواما قواما مستغفرا بالأسحار، لم يره أحد غاضبا ولا متشنجا ولا رافعا صوته ولا مخاصما، بل مبتسما، وقورا، عفيف اللسان، طاهر الجنان، يقبل على العبادة إقبال الناسكين، وبشوق الخاشعين المتقين. 
كان قدوة بسلوكه وأفعاله، قبل أن يكون كذلك بلسانه، مظللا بأخلاقه وبهائه، وبطيب سجيته وحلاوة معاشرته، لا يجد المرء منه إلا أخوة كريمة، وجيرة أمينة، وودا خالصا..
سل عنه ساكنة "تمبدغة" فيقولون لك:
كان مثل السنان كضوء البدر صورته ----- جلد المريرة حرا وابن أحرار
هناك في "تمبدغة " ستجد قلوب ممتلئة بحبه، وألسنة ناطقة بذكره، وأفئدة تنبض بتقديره وإجلاله واحترامه..
لقد اسعد كثيرين بقطوف كرمه؛ لذا ستفتقده وتبكيه الشهامة والاستقامة والصدق والنزاهة، وستفتقده وتنعيه المساجد وصلة الأرحام، وستفقده وتحن إليه المحاظر التي عرفت لطف جميله وحسن صنيعه، سيفقد أهل الغربة ابتسامته اللذيذة ومودته الطيبة وإيمانه الصادق وكرمه الأصيل.. 
سيفقد الفقراء والمحتاجون سندا وداعما وظهيرا ونصيرا لا عوض له إلا من الله. 
إن المصيبة لعظيمة وإن الرزء لجلل، لكن مصيبة الرزء وإن جل خطبها تهون أمام ما أعده الله تعالى لمن ثقلت موازينه قال تعالي: (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ).
يا حي ياقيوم، يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، ارحمه واغفر له واعف عنه وأدخله فسيح جناتك، وارفعه من ضيق اللحود إلى جنــات الخلود، واجعل قبره أول منــازل الجنة، واجعله من خيرة من تظلهم بظلك يوم لا ظل إلا ظلك.
يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما

نقلا عن صفحة اعل ولد البكاي على الفيسبوك

إضافة تعليق جديد