أخطر لحظة تنتظر الجزائر.. مات الرئيس.. لم يمت بعد الرئيس...

14 نوفمبر, 2016 - 21:07
إسماعيل القاسمي الحسني

إسماعيل القاسمي الحسني

أذكر أن الشاذلي القليبيي رحمه الله، قال في لقاء معه أنه ما من موقف شعر فيه ببالغ الحرج و العجز، كذلكم الموقف الذي كان يقاسيه، لحظة يسأله دبلوماسيون عن صحة الرئيس الحبيب بورقيبة، الذي كان في حالة صحية معقدة، لا تختلف كثيرا عن حالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حاليا،  رجل مُقعد بلغ مرحلة من العمر يستعيذ بالله كل عاقل من بلوغها؛ و بحكم منصبه كان لابد عليه أن يكذب، كان مرغما على الادعاء بأن الرئيس بورقيبة بخير، شعور الشاذلي بالمرارة، لا يعود لاضطراره للكذب فحسب، و إنما لعلمه بمعرفة السائلين بحقيقة وضع الرئيس، منهم من كان يريد فعلا مجرد الاطمئنان، لكن منهم كذلك من كان يريد التشفي و السخرية منه، و استفزازه بصفته أمينا عاما لجامعة الدول العربية حينها.

حضرني هذا المشهد الذي عرضه الراحل الشاذلي لقليبي، هذا المشهد العربي البائس و التعيس، لحظة استقبلت رسائل عديدة من أشقاء بمختلف الدول العربية، تحمل في طيّها سؤالا واحدا: بلغنا  خبر مفاده موت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، و أردنا أن نتحقق من صحته من خلالكم.

و إلى غاية كتابة هذه السطور بكل أمانة لا علم لي بصحة الخبر من عدمه، غير أنني لاحظت أنه كلما ذهب المعني لفرنسا قصد تتمة العلاج أو مراجعته، إلا و تسرب خبر موته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، و من صفحات يعد بعض أصحابها إعلامي فرنسي بارز، أو شخصية سياسية جزائرية يفترض أنها قريبة من مصادر المعلومة. و اللافت أن الخبر سرعان ما يطير بين الجزائريين ليحدث حالة من القلق و الخوف من القادم.

لم تكتفي النواة الحاكمة في الجزائر، و عبر طبقة “العلق” التي يمكن وصفها بالسياسوية، بتعديل الدستور و إلغاء المادة التي تحدد  تولي منصب رئيس الجمهورية بعهدتين فقط، و إنما ذهبت أبعد من ذلك بإطلاق عددها، و ساعة عبرنا عن اعتراضنا القوي لهذا العبث، لاعتبارات نزعم أنها موضوعية، أذكر تلكم الحجة البلهاء التي رفعها كمبرر، رئيس ما يسمى بالمجلس الشعبي الوطني، و التي لخصها بالادعاء أن تحديد عهدتين بحد ذاته ليس من الديمقراطية في شيء، متسائلا ماذا لو أراد الشعب أن يزيد رئيسا ما عهدة ثالثة و رابعة؟ ألا تعتبر تلكم المادة أداة حَجْر عليه و تمنعه حقه؟ طبعا هنا صفقت طويلا مجاميع “العلق” تحت قبة المجلس التشريعي، فهذا مخرج و تحليل عبقري لا محالة.

و حجتنا كانت ترتكز على المنطق الآتي باختصار شديد: هذا الرئيس و طبقته و بطانته، حكمت الجزائر من يوم استقلالها 1962 الى غاية 2008 (عام تعديل الدستور)، ما يعني فترة زمنية كافية فوق الضرورة و الحاجة، لتهيئة رجال و نساء على قدرة و كفاءة لإدارة حكم البلد، و نحن بين نتيجتين لهذا الحكم الممتد لقرابة نصف قرن، فإما أنهم نجحوا بالفعل في إعداد خلف عالي التكوين و التأهيل و الخبرة، و هنا يكون من الأفضل أن يستلم دفة الحكم بوجودهم، حتى تبقى فرصة المراقبة و التصويب؛ و إما أنهم فشلوا فشلا ذريعا و مدويا، في إعداد مسؤولين يتحملون من بعدهم حكم الجزائر، و هنا يرتفع السؤال بحجم السماء: كيف لرئيس و طبقة و بطانة فشلت على مساحة زمنية واسعة، أن تنجح في ذلك لمدة عهدة أخرى أو اثنتين؟.

و منذ عام فقط خرج علينا رئيس ديوان الرئاسة  أحمد اويحيى، بجواب على منطقنا كان صادما، فمن حيث أراد الإشادة بعظمة فخامته، أقرّ بالفشل المدوي و الصارخ في إعداد كفاءات مؤهلة لقيادة الجزائر على مستوى الهرم؛ حين اعتبر في ندوة صحفية بأن ترشح الرئيس المريض و المقعد و العاجز كليا، إنما كان تضحية منه و حماية لاستقرار الجزائر، و لو لم يضحي لاستحال تقدير الى أين كانت ستؤول أوضاع البلد. لا أدري هنا إن كان سيشعر بالسكينة الراحل الشاذلي القليبي أم لا، أمام حالة رسمية تمارس الدجل كحالة تنفس، و ليس في مكاتب مغلقة، و إنما على رؤوس الأشهاد.

الحقيقة أن تصريح احمد اويحيى يختصر المشهد البائس و الوضع الكارثي للطبقة الحاكمة في الجزائر، و صراحة لكم تمنيت كمواطن جزائري ألا أصدّقه، و لكن على ما يبدو لأول مرة رجل من بطانة الرئيس يصدق من حيث لا يدري و من حيث لا يريد. و تساءلت: ماذا إذن لو مات الرئيس في عهدته الثالثة، و لم يصل لمفصل العهدة الرابعة ليتنازل و يضحي فيترشح لإنقاذ الجزائر من مصير مجهول؟ ماذا كان ليحدث؟ أهناك إقرار بالفشل و العجز أكثر من هذا !!! نعم صدق مدير ديوان الرئاسة إذا اعتبرنا أن قيادة البلد لا ترتكز على البُعد الوطني، و لا قطعا على الكفاءة العالية، و إنما على توازن مناطقي و قبلي صرف، تتشكل منها “قبيلة” السلطة الفعلية، صدق الرجل و ليته فسر وجه صحة طرحه، بأنه تم خلال نصف قرن من الاستقلال “بدونة” الدولة، بشكل مطابق تماما لسلوك الاحتلال الفرنسي نفسه، الذي اعتمده لترسيخ وجوده بالجزائر، و هو ليس ببعيد عن نهج الأتراك قبيل الاحتلال.

مأساة هذا العقل المتجرد من الأخلاق و المنسلخ من القيم و المتحلل من أي منطق، أنه يسحب هذه القاعدة “طوق النجاة” على ما يبدو على جميع رؤوس أخطر و أهم  مؤسسات الدولة الجزائرية، فرئيس ما يسمى بالبرلمان و رئيس ما يسمى بمجلس الأمة و رئيس جهاز المخابرات و رئيس المجلس الدستوري، و رئيس المجلس الأعلى للقضاء، جميعهم في عقده الثامن من العمر، و كل واحد منهم عبارة عن مجمع ضخم للأمراض المزمنة (شفاهم الله و لطف بهم) أما رئيس أركان الجيش فمتقدم على القوم بخطوة، ذلك أنه في عقده التاسع تماما،  لا يوجد في الجيش الجزائري جنرال و لا عقيد في العقد السادس أو السابع من العمر مؤهل لقيادة الأركان، على الإطلاق لا يوجد؛ هل هناك كارثة بعد هذه الكارثة؟ و هل هناك تفسّخ عقلي أكثر من هذا؟.

شخصيا لا أصدق هذا الهراء المتعفن من شدة الغباء، ظنا من صاحبه الأبله أن بإمكانه استغفال الشعب الجزائري بهذا المنطق الأعمى؛ و إنما الخطر كله حين يُسوّق للشعب خطر غياب الرئيس فجأة، و يستقر في  الوعي الجمعي بناء على ذلك قلق، يجعل من لحظة الموت القادم لا محالة و دون استئذان و لا إشعار مسبق، لحظة فراغ قاتلة يمكن للعدو الخارجي المتربص أن يستثمرها فعلا في ضرب استقرار الجزائر، هنا مكمن الخطر و في هذا كان يجب التفكير و الاحتياط له؛ فرق شاسع بين حالة شعب يدرك بأن لديه رجال و نساء و مؤسسات دولة لا تنهار لغياب رأس السلطة، و أن البدائل مُعدّة حاضرة و مستعدة و أن مؤسساته موجودة و فاعلة، و بين شعب يتم إقناعه بأن غياب شخص الرئيس يعرّض الجزائر لمصير مجهول.

كنا نتمنى على السيد عبد العزيز بوتفليقة أن يقضي بقية حياته بعد عهدته الثانية عزيزا مكرما، و يختمها كرجل مسؤول كرّس التعددية و عمل بسُنّة من سبقه، من رجال أكثر كفاءة منه و خبرة و أعلى شأنا و أرفع قدرا، مثل الشاذلي بن جديد و علي كافي رحمهما الله، و سلفه الرئيس الجنرال (لاحظوا العسكري) اليمين زروال متعه الله بالصحة و العافية، غير أنه كرجل “مدني” اختار نظاما فرض فيه دكتاتورية البقاء و الحكم الخالد، مع أن الذين سبقوه بشكل مباشر لكرسي الرئاسة ثلاثة عسكريين، و ثلاثتهم تنحوا عن الكرسي بمحض إرادتهم؛ فأفسد على نفسه آخر صفحات حياته، حيث بات من فيه بقية حياء يتعذر عليه الكذب بشأن صحته، و يفرض بهذا الخيار الغبي على شعب بأكمله حالة استنفار بين مات الرئيس … لا ليس بعد…….. و خطرا جديا يتهدد استقرار بلد لم يبخل بشيء على الرئيس و بطانته ظنا منه بأصالة معدنهما….هذه الصورة المتصدّعة الهشة، هي التي دفعت الأشقاء للسؤال عن صحة خبر وفاة الرئيس، لأن الانطباع الذي رسخه المنطق الغبي تخطى الرأي الوطني الى فضاء الشعوب العربية و نخبها، التي لا يعنيها في الحقيقة موت الرئيس ليقينها بأن كل مخلوق سينتهي لا محالة الى الموت، و إنما السؤال يعبّر عن حجم القلق على مستقبل الجزائر، و هذا القلق هو صنيعة منطق بطانة الرئيس نفسها..

ختاما أسجل أنه لا قيمة لموت الرئيس أو حياته إلا في حيزها الإنساني، كأي فرد لا يزيد عن غيره مثقال ذرة، و إنما القيمة العالية هي حياة “الوطن و الدولة”؛ و لست أرى سبيلا لنجاة البلد مع هذا الواقع البائس و المفروض قهرا، اللّهم إلا إذا تداركه خيرة أبنائه في اللحظة الحرجة، لطفا من الله و حفظا.

فلاح جزائري

المصدر: رأي اليوم

إضافة تعليق جديد