ذهب موريتانيا: دفع مئات المغامرين إلى الفيافي ومساكن الجن

29 مايو, 2016 - 12:49

 حزم الآلاف من الموريتانيين أمتعتهم هذه الأيام: خياما ومؤنا ومعاول حفر وأجهزة للكشف عن الذهب، وتوجهوا بسيارات دفع رباعية لمناطق «تازيازت» و«تجريت» الواقعة شمال البلاد والتي أشيع أنها تحوي قطع الذهب الجاهز المتناثر.

شبان في مقتبل العمر يحملون شهادات عليا، دفعتهم البطالة لتجريب حظوظهم في فيافي الشمال الموريتاني، ورجال مسنون قذفت بهم صروف الدهر للحفر هنا وهناك بحثا عن قطعة ذهب أو حتى عن أحجار تحتوي على غبار أو شذرات من الذهب، قد تسد الخلة وتقضي على الديون وتسعف العيال.
هذه هي حال موريتانيا اليوم، وهذه قصة ذهبها التي بدأت فصولها قبل شهرين عندما عثر أشخاص على أحجار تحوي كميات من الذهب «عيار 24»، وتحولوا بعد بيع محصولاتهم هذه إلى أثرياء في طرفة عين؛ فقد تداولت إشاعة حصول هؤلاء الحفارين المحظوظين على الذهب في صحراء «تازيازت» التي كانت على مر التاريخ صحراء العطش والموت ومسكن عفاريت الجن وموطن عواصف الرمل.
قيامة الذهب
شكلت إشاعة الذهب نفخا في الصور لقيامة المعدن النفيس، وجعلت الجميع يتجه للذهب إما بالحفر عنه أو بتأجير حفارين، وانتعشت بالتوازي مع ذلك، أسواق بيع أجهزة الكشف عن الذهب، حيث باع السودانيون ولهم تجارب في المجال، في أسواق نواكشوط، ما عندهم من أجهزة كشف كانت راكدة، وانتهز التجار الفرصة ليستوردوا مئات الأجهزة من الصين والإمارات ووجهات أخرى.
ودفع هذا الإقبال الكبير على الذهب، الحكومة الموريتانية لتنظيم هذا القطاع وتقنين عملية تنقيب الأفراد عن المعدن النفيس، فحددت نظاما للرخص، وشروطا لممارسة هذه المهنة، ومناطق مخصوصة لهذا النشاط، وأسست سلكا للشرطة المعدنية لمراقبة هذا المجال.
مغامرات ومغامرون
يؤكد الكثيرون أن التدافع الذي حصل نحو فيافي التنقيب عن الذهب مجرد مغامرات لأشخاص تقطعت بهم السبل، وضغطت عليهم صروف الدهر، وإكراهات حياة طابعها الغلاء والبطالة.
يقول الشيخ إبراهيم وهو مهندس جيولوجي عائد للتو من منطقة «تازيازت» حيث ينشط المئات من المنقبين «لا شك أن المناطق التي رأيتها تحوي مؤشرات لوجود الذهب ما يجعل التوجه للتنقيب عن الذهب نشاط له آفاق».
وأضاف «ليس أمامنا نحن الشباب العاطلين سوى التوجه لهذا القطاع وقهر الطبيعة والبحث عن حظوظنا».
أما الصيام بن محمد المهدي فيؤكد أنه باع متجره في السنغال وجاء إلى موريتانيا ليستفيد من فرصة الذهب المتاحة.
وقال «أحسن لي أن أنقب فأحصل على ثروة من الاستمرار في التجارة داخل السنغال التي لا طائل من ورائها».
للذهب تاريخ
أول من تنبأ بالذهب الموريتاني، حسبما أكده لـ«القدس العربي» المؤرخ الموريتاني محمد سالم ولد موسى، هو الولي الموريتاني الشيخ محمد ألمامي الذي عاش في القرن الثالث عشر الهجري.
يقول محمد سالم «للشيخ محمد ألمامي أشعار كثيرة نظمها باللهجة المحلية الموريتانية (الحسانية) تؤكد أن منطقة إنشيري ملأى بالكنوز النادرة المباركة».
«لهذا السبب، يضيف، لم يتردد الموريتانيون في تصديق نبوءات هذا الشيخ واتجهوا للتنقيب عن الذهب الذي تحتضنه أراضي تازيازت وتجريت وسباسب آدرار».
وقال «لن يخيب هؤلاء لأن نبوءات الولي الشيخ محمد ألمامي صحيحة وكشفه صحيح، فقد أكد أن صحراءنا هذه جرباء بالمعادن».
وكان نشاط التنقيب عن الذهب قد انطلق في ستينيات القرن الماضي على يد شركة نحاس موريتانيا، وذلك في منطقة إنشيري شمال البلاد بدون الحصول على نتائج تذكر، واستمرت الحال على ذلك إلى أن اكتشفت شركة «لاندين» البريطانية منجم تازيازت عام 2003 باحتياطات كبيرة من الذهب فكان بداية دخول موريتانيا لمصاف الدول ذات الاحتياطات الكبيرة من الذهب.
احتياط ضخم
تؤكد مصادر وزارة المعادن الموريتانية «أن الاحتياط الفعلي للذهب في تازيازت يناهز 20 مليون أونصة».
ونقلت وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية مؤخرا عن وزارة الطاقة والنفط والمعادن قولها «إن الاحتياطي الجديد سيمكن من زيادة القيمة المضافة للاقتصاد الموريتاني وزيادة مداخيل الخزينة العامة للدولة وخلق فرص للعمل».
وتسعى شركة «كينروس» الكندية التي آلت إليها ملكية رخصة منجم تازيازت عام 2010، لجعل المنجم، ثاني أضخم منجم للذهب في العالم، وذلك باستثمار 920 مليون دولار أمريكي موجهة لتطوير وتوسيع آليات الاستغلال.
وقبل سنتين أعلنت شركة «تازيازت موريتانيا» عن اكتشاف احتياطي جديد من الذهب يصل إلى 2.3 مليون أونصة من الذهب وذلك في منطقة «تازيازت» (260 كلم شمال نواكشوط)، وهي المنطقة التي تضم مصنع الذهب الذي بدأ فيه إنتاج الذهب قبل ست سنوات.
توسعة المنجم
وأكد ماء العينين ولد التومي مسؤول العلاقات الخارجية في شركة «كنروس تازيازت موريتانيا» أن «الشركة بصدد استثمار ما يربو على 3.5 مليارات دولار لإنجاز مشروع توسعة المنجم».
وأوضح ولد التومي في تصريح صحافي «أن إنجاز هذا المشروع الذي ستكتمل دراسة بشأن جدواه في الربع الأول من العام المقبل سيسهم إسهاما قياسيا في مضاعفة المبالغ المترتبة على الضرائب المستحقة للدولة الموريتانية على الشركة، بعد أن وصلت القيمة الضريبية المستحقة للدولة في 2010 إلى حوالي 7.25 مليار أوقية (حوالي 25.2 مليون دولار)».
العائد الزهيد
يوجه الكثيرون وخاصة أوساط المعارضة، انتقادات للعائدات التي تحصل عليها موريتانيا من الذهب والتي تبلغ نسبة ثلاثة في المئة حسبما تضمنه العقد المبرم بين شركة كنروس الكندية والحكومة الموريتانية. وتتردد أصوات نقابية وسياسية وبرلمانية في موريتانيا منددة بهذا العائد الزهيد، ومؤكدة أن شركة كنروس تنهب ثروات موريتانيا دون مقابل، كما أن أعمال استخراج الذهب واستخلاصه التي تقوم بها الشركة، مضرة بالبيئة وبصحة العمال.
وينفي موظفون موريتانيون في شركة كنروس هذه الاتهامات ويؤكدون أن العائد المتعاقد عليه بين موريتانيا والشركة، سيصل عما قريب لنسبة أربعة في المئة وهي نسبة لم تحصل عليها الدول الإفريقية المماثلة مثل مالي وبوتسوانا.
حمى الذهب
تشغل قصة ذهب موريتانيا والتنقيب عنه الكتاب والمدونين، ولكل واحد رأيه، فهذا ينتقد تنظيم الحكومة للنشاط، وذاك يقدم تأويلات، وهذا يصدق وجود الذهب وذلك يعتبره خدعة حكومية هدفها شغل الشباب عن الاحتجاجات وإلهاء الرأي العام عن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد.
ويقول الكاتب الصحافي أحمد ولد الشيخ «أن موريتانيا أصيبت منذ بضعة أسابيع، بكاملها بحمى مفاجئة، والسبب هو اكتشاف البعض لبضع شذرات من التبر في المنطقة الصحراوية الواسعة القريبة من منطقة تازيازت، ومنذ ذلك الحين، جن جنون البلد».
ويضيف «أجهزة كشف المعادن، التي لم يكن أحد يرغب فيها، تباع بأسعار باهظة جدا، كما تؤجر السيارات بمبالغ خيالية ووصل ثمنها في سوق السيارات لأرقام قياسية، كما تباع الخيام والبراميل وصفائح المحروقات والمجارف وأبسط المعدات اللوجستية بأسعار باهظة جدا».
ويستغرب الكاتب «ترك الآلاف من أرباب العائلات للأسر والمحلات التجارية والحقول والوظائف وكل ما يمتلكونه (وفي الكثير من الأحيان ما لا يمتلكون، عن طريق الاقتراض)، يشترون أجهزة الكشف، ويستأجرون السيارات ويجهزونها ويندفعون في المغامرة».
توقعات بخيبة أمل
حذرت جهات عدة من خيبات أمل قد يتعرض لها الشبان الذين توجهوا نحو ميادين التنقيب.
وفي هذا السياق كتبت صحيفة «لوكلام» محذرة من «خيبة أمل الذين قد يتعرضون بالفعل للخداع، سواء من قبل أولئك الذين باعوا لهم الحلم أو الدولة التي جمعت المال، على ظهورهم، بثمن بخس».
وأضافت» لن يجد هؤلاء من يواسيهم في حسرتهم، فلا يلوموا إلا أنفسهم، إن العودة إلى أرض الواقع (وهي بدون ذهب) لن تكون سهلة، سواء بالنسبة لهم، أو بالنسبة للدولة التي ركبت الموجة».
وتساءلت الصحيفة «ما هو مصير هؤلاء الخائبين بسبب عدم وجود الذهب؟ هل سيركنون إلى اليأس؟ أم سيستردون نشاطهم عبر التعلق بسراب جديد؟ قد يكون الماس والكوبالت والمنغنيز، هنا أو هناك..لا ينبغي لهؤلاء الناس أن يتجهزوا بجهاز كشف المعادن بل يجب عليهم أن يتسلحوا بجهاز كشف الأكاذيب».
فرصة السحرة والحجابة
وجد السحرة والناشطون في مجال الأحجية الباطنية فرصتهم في حمى الذهب حيث يستعين بهم المنقبون للحصول على حظوظ كبيرة ولطرد مردة الجن، الذين حسب ما أكده الحاج عبد الله المختص في المجال، كلفهم نبي الله سليمان بحراسة الكنوز.
يبيع السحرة بخورات تطرد الجن، وغسالات تزيد الحظوظ وتدل على المواقع التي يوجد الذهب فيها، وتضمن لمستخدمها الانتصار على منافسيه في مواقع الحفر.
الخطة السرية
كانت صحيفة «تقدمي» الالكترونية المعارضة وسلة الإعلام الوحيدة التي سيست قضية الذهب حيث تحدثت عما أسمته «تفاصيل الخطة السرية للتنقيب عن الذهب».
وأكدت «تقدمي» نقلا عن مصادر خاصة جدا «أن عملية التنقيب عن الذهب في صحراء إينشيري كانت قد أبرمت بليل منذ الأشهر الماضية، على نطاق ضيق من بين المقربين من الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وذلك محاكاة لما حدث في إقليم جادو بالنيجر الواقع على الحدود الليبية، حيث قال أنه تم العثور فيه على الذهب، فتوافد عليه مواطنو البلدان المجاورة، وانتعش فيه الاقتصاد النيجيري رغم أن السلطات النيجيرية لم تكن تمنح رخصا للتنقيب، وإنما اكتفت بتوفير الحماية الأمنية للمنقبين».
وأضافت الصحيفة «عقد ولد عبد العزيز لتنفيذ الفكرة اجتماعا سريا، أكد على سريته وضرورة أن يظل طي الكتمان، وكان من بين الحضور المستشار احميده وقائد الأركان العسكرية ولد الحريطان وماء العينين ولد التومي المدير العام المساعد لشركة كينروس تازيازت، و تم توزيع الأدوار على أساس أن ولد التومي سيجلب من تازيازت كمية من الذهب (وقد جلب حسب المصدر ما تربو قيمته على ستمئة مليون أوقية) يتولى ولد احريطان بنفسه وبالإستعانة بالخلصاء من أهل ثقته في قيادة الأركان الجوية مهمة رميها في المناطق المستهدفة. في حين يتولى احميده ولد اباه الجانب المتعلق بالدعاية الإعلامية، وتسيير الناس ولفت انتباهها لموضوع التنقيب».
دعاية إعلامية مخادعة
سارت الخطة، حسب تقدمي، وفقَ ما تم تخطيطه، فعثر منقبون على عدة غرامات من الذهب، وتم في الدعاية الإعلامية استغلال قناة «الموريتانية» وبقية القنوات المستقلة، ومجموعات فيسبوك وواتساب، والمجلس الأعلى للفتوى والمظالم الذي أفتى بحرمة التنقيب دون ترخيص وفي غير الأماكن التي خصصتها الدولة للتنقيب، واستطاعت الدولة أن تجني من بيع الرخص وجمركة أجهزة التنقيب زهاء 7 مليارات في أسبوع واحد، وانتعش الاقتصاد ظاهريا بحركة السوق، وتم صرف النظر عن المظالم والأوضاع المعيشية.
هكذا بدت قصة ذهب موريتانيا الغريبة وهي قصة تشير آفاقها لاتجاهين فإما أن يعثر المغامرون المنقبون على مطالبهم من الذهب وهو أمر إيجابي سيخفف الوطأة على الحكومة التي تمر بسنة مالية عصيبة، وإما أن يرجع المغامرون بخفي حنين وهنا قد تواجه الحكومة ضغوطا واحتجاجات لها خطورتها.
«القدس العربي»

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إضافة تعليق جديد